الجمعة، 22 نوفمبر 2024

03:41 م

من الذي لا يحب العامري فاروق؟

سعيد علي

A A

خلال 81 يومًا غاب فيها العامري فاروق، نائب رئيس النادي الأهلي عن الوعي، استفاق لمدة 120 ثانية، كان رفيق الرحلة محمود الخطيب حاضرًا فيها وشاهدًا عليها.

ابتسامة بسيطة، وحركة عيون قالت في تلك الثواني القليلة خلاصة عشرات السنين، تمالك رئيس الأهلي نفسه، لكن على بعد خطوات من مستشفى جراحة المخ والأعصاب في مدينة 6 أكتوبر انهار الخطيب كما لو كان طفلًا، وأمام أعضاء مجلس إدارة الأهلي مجتمعين نطق بكلماته الموجعة: "قسمت ضهري يا عامري.. كيف أقوى على حياة لست فيها يا سندي".

ما بين هذا المشهد وما جرى في صيف 2009 مشوار سيجيب لنا عن تساؤل اخترناه محورًا لقصتنا عن الرجل الأكثر إخلاصًا في الرياضة المصرية: "لماذا يعشق الجميع العامري فاروق؟".

لم تكن مجرد صدمة لعضو مجلس إدارة الأهلي آنذاك العامري فاروق، بل كانت لكل جمهور الأهلي، والرأي العام في الكرة المصرية، حينما أبلغ حسن حمدي رئيس الأهلي وقتها ونائبه في القائمة محمود الخطيب، استبعاد رفيقهم -العامري- من القائمة الانتخابية.

لا أحد في الجزيرة يقوى على حلف يضم حمدي والخطيب، لكن في مقابل ذلك قالت الجمعية العمومية كلمتها للتاريخ: "كله إلا العامري".

رجل أحبه الجميع، في دهاليز السلطة وقمة الهرم السياسي يحظى بثقة وقبول غير عاديين، وبين قطاعات الجماهير يصنف ضمن المعشوقين، ولدى خصومه الرجل الأنيق المهذب الذي لا يستعديه أحد، بما فيهم مرتضى منصور، رئيس الزمالك الذي عاب على كل رجالات مصر في الرياضة، ولم يعجبه سوى "فاروق".

يبرهن العامري على وصف "الخطيب" له بالسند فيرد على ثناء وإشادات مرتضى في كل مرة، بنشر صوره عبر كل مواقع التواصل الإجتماعي مع "بيبو".

لم يكن رئيس الأهلي مجاملًا، بل اختار أدق توصيف، فالعامري الذي يُجمع أعضاء مجلس إدارة النادي على وصفه بالعمود الفقري للكيان، لم يكن سندًا لـ"بيبو" فحسب، بل سندًا للكيان، بل وللرياضة المصرية عمومًا، هكذا ستقول بقية قصتنا.

عام 2017 كان محمود الخطيب، مدعومًا من حسن حمدي، وممثلًا لأساطير الكرة في الجزيرة أمام أصعب اختبار، حينما اصطدم بمنافسة شرسة أمام محمود طاهر، ممثلًا لتحالف رأس المال، ومدعومًا من أكبر رجال الأعمال، وبأغلى حملة انتخابية وإعلامية عرفها النادي طوال تاريخه.

داخل منزله جلس الصديقان حمدي والخطيب يتشاوران، كيف نصد هذا التحالف؟، فكان الجواب الذي قالته الجمعية العمومية ضدهما في 2009: "لا أحد مثل العامري".

كانت الفرصة سانحة لرد الاعتبار، وكانت الطرق ممهدة ومفروشة نحو مكاسب طائلة، لكن العامري أرسى واحدة من أهم دروس التواضع، وإنكار الذات، وإعلاء المصلحة العامة فوق الخاصة، وقبل كل شيء معبرًا عن مدلول قيم ومبادئ الأهلي، التي دائمًا ما رفعت شعار "الأهلي فوق الجميع".

لبّى العامري نداء الأهلي لا نداء حمدي والخطيب، ارتضى أن يكون الرجل الثاني في الأهلي، بعدما كان الرجل الأول في الرياضة المصرية على رأس قمة وزارة الرياضة.

"يعرف الخطيب جيدًا إمكانياتي، وما أستطيع فعله، حينما جاء إليّ، كان واثقًا بما سأقوم به؟".

هكذا يختصر العلاقة بين ندين تحولا لاحقًا إلى عقل واحد يتحرك في جسدين.

عملا معًا في منصب العضوية، وعملا ثانية حينما صعد "بيبو" لأمين الصندوق، وثالثة أصبح فيها الخطيب نائبًا لحسن حمدي الرئيس، والأخيرة أصبح العامري نائبًا و"بيبو" رئيسًا.

عن تلك المراحل الأربعة يقول العامري: "لا أحد في مصر يفهم الخطيب مثلي"، ويؤمن الخطيب، بأنه لا أحد في مصر قادر على إعانته مثل العامري.

قبل سنوات قليلة حاول أحد رجال الأعمال الخليجيين إثارة القلاقل داخل مجلس الأهلي، وأراد استخدام العامري كأداة، بدفعه لشق الصف والاستعداد لمرحلة يكون فيها الرجل الأول، لكن "فاروق" كما العادة، كان الأهلي عنده فوق أي اعتبار.

لا يحتاج إلى منصب يبرهن به على دوره، ولن يقلل توصيفه كعضو أو نائب أو رئيس من محورية دوره، وأثره الذي يفوق جميع من حوله.

داخل نادي الأهلي كثير من اللجان، يقودها كثير من الرجال، لكن إذا سألت كلًا منهم عن مرجعه سيكون الجواب العامري فاروق، في كل تفصيلة صغيرة وكبيرة متداخل، في الإدارة العامة مرجعا، وفي القانون خبيرا، وفي التسويق عقلا معاصرا يسبق كل من حوله.

عُملة نادرة لرجل إدارة، قلما تجود بمثله الحياة الرياضية في مصرنا، في 2017 كانت بحوزتي معلومة مؤكدة تقول بأن وزير الرياضة القادم هو أشرف صبحي، وأبلغته بذلك حينها وما زال يذكرها في كل لقاءاتنا، فأردت أن أتعرف عن قرب على أفكار القائد المقبل، من خلال حوار صحفي، خاصة أننا مقبلين للمرة الأولى في الحياة المصرية على تجربة عقلية أكاديمية لطالما نادى بها أساتذة الجامعات، وعمداء التربية الرياضية الشاعرين بمظلومية طوال عهد مبارك وسابقيه.

داخل أحد فنادق وسط البلد، تحدث "صبحي" عن أهمية الرياضة كمكون استثماري تقوم من خلالها اقتصادات بلدان كبرى، وبرهن على كلماته بتجربة أمريكا التي تحقق الرياضة فيها أكثر من 50 ضعف السينما.

وجدتني أسرح للحظات أين سمعت هذا الكلام من قبل؟

لم تسعفني الذاكرة وقت الحوار، لكن بعد بحث قليل اكتشفت أن العامري فاروق كان أول من دعا إلى التعامل مع الرياضة كمكون استثماري، الرجل الذي أعاد هيكلة الوزارة وقضى على سنوات من البيروقراطية بميكنتها، وإدخال كثير من المفاهيم العصرية الغائبة.

كانت مديريات الرياضة تقسم بين 14 يختارها وزير الرياضة، و13 بحوزة وزير الشباب، فحارب لأجل مفهوم جديد يوحد الجهود، وبنى قاعدة بيانات لم تكن الوزارة تمتلكها من قبل، بطريقة أسهمت لاحقًا في استعراض قوى مصر وقدرتها على استضافة المزيد من البطولات العالمية في كافة الألعاب.

حينما علمت بأن "مخ" العامري فاروق توقف عن العمل، ولم يعد يحركه سوى نبض قلبه الوديع الذي لم يعرف كراهية في رحلة عظيمة، أيقنت بأن السند لن يغيب عن "الخطيب" وحده، وأن الشلل الذي أصاب عقل الأهلي، قد عمق جرح الرياضة المصرية عمومًا، ووجدتني أردد ما يحوز عقول الخطيب وكل قادة الرياضة المصرية: "أي خسارة تهددنا برحيل العامري؟".

search