السبت، 04 يناير 2025

10:08 ص

لا ذهب ولا شهادات.. التعويم يفرض نظريته "الواقعية" لصالح دولار 2024

الدولار والذهب

الدولار والذهب

في صبيحة أحد أيام يناير 2024، كنت أعبر الطريق ولفت نظري طابور طويل أمام بنك حكومي، اقتربت لأعرف سبب الزحام، وعلمت أنه “شهادات الـ27%”.

تكرر المشهد طوال العام الفائت خصوًصا مع رغبة الكثير من المواطنين في الحفاظ على قيمة مدخراتهم أمام تعويم جديد زارهم في السادس من مارس 2024. 

الشهادات كانت إحدى الأوعية الاستثمارية التي وجد فيها المصريون خلال العام المنصرم ملاذًا آمنًا للحفاظ على قيمة أموالهم في ظل قرار حتمي (التعويم) أفقد الجنيه قرابة 65% من قيمته مقابل الدولار، الأمر الذي أطلق موجة تسعير لكل شيء وجعل القوة الشرائية للجنيه تتراجع أكثر ليهبط بنهاية العام إلى مستوى 50.8 جنيه لكل دولار مقابل 30.9 جنيه في بداية يناير 2024.

عائد شهادات الـ27%

في مقابل هذا التراجع في قيمة الجنيه ولمعرفة أفضل وسائل الاستثمار يستلزم الأمر طرح سؤال افتراضي: ماذا لو كان معك 100 ألف جنيه في بداية 2024 وقمت باستثمارها في شهادات الـ27% أو في الذهب أو في الدولار؟.. كم ستربح وأي من هذه الأوعية كان سيؤمن لك الاستثمار الأكثر أمانًا وربحًا في الوقت نفسه؟

بالنسبة لشهادات الـ27% التي طرحها بنكا الأهلي المصري وبنك مصر في مطلع عام 2024، جاءت لمدة عام بعائد "ثابت" سنوي 27% لذا لاقت إقبالًا واسعًا من المواطنين الراغبين في الحفاظ على قيمة أموالهم والحصول على عائد مرتفع في وقت قصير.

في حال استثمرت 100 ألف جنيه في أول يناير في هذه الفئة من الشهادات فإنك ستحصل في نهاية مدة الشهادة على قيمتها كاملة مضافًا إليها العائد السنوي، وهو في هذه الحالة 27 ألف جنيه، وسيكون هذا المبلغ هو صافي الربح المحقق نتيجة استثمار (100 ألف) في الشهادات.

مواطن ممسك بأوراق من فئة 200 جنيه 

الذهب أكثر بريقيًا  

أما إذا قمت بشراء ذهبًا بقيمة 100 ألف جنيه في بداية العام 2024 أي ما يعادل نحو 31.5 جرام ذهب عيار 21 بسعر الذهب وقتها البالغ 3175 جنيهًا ومع استبعاد قيمة المصنعية، قررت بيعه بالسعر الحالي للذهب فهذا يعني أنك ستربح نحو  17797.5 جنيه مع الحفاظ على قيمة الـ100 ألف جنيه، لكن هذا الرقم لا زال أقل مقارنة بمكسب شهادات الـ27%.

أكد محلل أسواق الذهب والمدير الإقليمي لشركة جولد أيرا للاستثمار في الذهب، أسامة زرعي، أن طرح البنوك لشهادات إدخارية مرتفعة العائد ساهم خلال تعاملات 2024 في سحب جانب من السيولة الجديدة من سوق الذهب لصالح الشهادات لا سيما في ظل ارتفاع معدلات التضخم وتراجع القوة الشرائية للمواطنين ورغبتهم في تحقيق عوائد مرتفعة في وقت قصير مقابل الذهب الذي يعد استثمارًا طويل الأجل ولا يدر عائدًا. 

وشدد على أن الذهب يعد استثمارًا آمنًا على المدى الطويل، إذ لا تزال أسعاره مرشحة للصعود خلال العام الجديد سواء عالميا او محليًا في ظل عوامل عدة أبرزها استمرار خطر التوترات الجيوسياسية عالميًا الأمر الذي يرفع الطلب العالمي على المعدن الأصفر كملاذ آمن ومخزن للقيمة. 

الدولار أقوى من الذهب  

بعيدًا عن شهادات البنوك والذهب، كان سعر الدولار أحد أهم الموضوعات التي استحوذت على اهتمام الشارع المصري خلال 2024 وكان أيضا محركًا لقرارتهم الاستثمارية لا سيما بعد أن قرر البنك المركزي المصري في 6 مارس الماضي ترك سعر صرف الدولار مقابل الجنيه ليتحرك وفق آليات العرض والطلب (التعويم) الأمر الذي قفز بسعر الدولار من 30.9 جنيه في يناير 2024 إلى نحو 50.8 جنيه في ختام تعاملات العام. 

تخيل أنك قمت بتحويل 100 ألف جنيه في بداية العام المنقضي إلى دولارات بسعر الصرف الرسمي (30.8 جنيه لكل دولار) فهذا يساوي قرابة 3247 دولارًا وقمت حاليا بتحويل هذا المبلغ فستحصل على مبلغ  165066 جنيهًا، ما يعني أنك حققت ربحًا بنحو 65.07 ألف جنيه خلال عام نتيجة لقرار التعويم وارتفاع سعر الدولار بنهاية العام إلى أعلى مستوياته، وهذا الرقم المرتفع يؤكد أن سعر الدولار تفوق على مكاسب الشهادات والذهب معًا البالغة 44797.5 جنيه.

زحام داخل إحدى شركات الصرافة للتنازل عن الدولار عقب قرار التعويم 2024

أوضح الخبير الاقتصادي أحمد خطاب، أن قيمة الأموال تتراجع بتأثير مباشر من عاملين هما معدلات التضخم وسعر الصرف، لافتا إلى أن قرار تحرير سعر الصرف كان ضروريًا لتوحيد أسعار الصرف وإنهاء حالة الفوضى التي عمت سوق العملة في مصر، لكنه من جهة أخرى تسبب في فقدان الجنيه المزيد من قيمته. 

وأضاف أن التضخم في بداية العام المنقضي كان مرتفعًا للغاية وأنهى العام بتراجع متواضع، ما يعني أن القوى الشرائية للمواطنين لا تزال تحت الضغط، لافتا إلى أن الفائدة المرتفعة التي تقدمها البنوك لا تعني شيئًا حال استمرار التضخم المرتفع إذ يهدد الأخير بتآكل هذه الفائدة وجعلها بلا قيمة. 

يشار إلى أن شهر يناير 2024 الذي شهد طرح شهادات الـ27% بلغ فيه معدل التضخم الأساسي نحو 29% وهذا يعني أن تضخم أسعار السلع والخدمات كان أعلى من الفائدة البنكية بواقع 2%، لذا أقدم البنك المركزي المصري خلال 2024 على رفع الفائدة بواقع 8% لكبح التضخم للوصول إلى فائدة إيجابية تفوق تضخم الأسعار، وحاليًا تعد الفائدة الحقيقية على استثمارات شهادات الـ27% قرابة  3.3% مقارنة بمعدل تضخم بحدود 23.7%.  

search