الإثنين، 06 يناير 2025

02:12 م

مخاوف من العقوبة.. هل يُسهم قانون المسؤولية الطبية في تقليل الأخطاء؟

اجتماع لجنة الصحة في النواب لمناقشة قانون المسؤولية الطبية

اجتماع لجنة الصحة في النواب لمناقشة قانون المسؤولية الطبية

محمد سامي الكميلي

A .A

"لن نقبل التعامل مع الحالات المرضية المعقدة، فحدوث مضاعفات طبية واردة قد يُعرّضنا للاتهام بالتقصير أو الخطأ الطبي".. هكذا عبر عدد من الأطباء عن مخاوفهم تجاه قانون المسؤولية الطبية الجديد، الذي يفتح الباب أمام فرض عقوبات بالحبس والغرامة نتيجة الأخطاء الطبية.

وشهد الشهر الماضي تصاعدًا في النقاشات والجدل بين الأطباء بشأن مشروع قانون المسؤولية الطبية، الذي يهدف إلى حماية حقوق المرضى وتنظيم العلاقة بين مقدمي الخدمات الطبية ومتلقّيها، مع وضع إطار موحّد للمسؤولية المدنية والجنائية على الأطباء.

ووفقًا لبيان مجلس الوزراء، يتضمن القانون إنشاء "لجنة عليا للمسؤولية الطبية وحماية المريض"، تتبع رئيس الوزراء مباشرة لإدارة المنظومة الصحية، مع إمكانية تطوير آلياتها مستقبلًا بعد تقييم التجربة.

الجدل حول مواد القانون

في 24 ديسمبر 2024، أقرّ مجلس الشيوخ المصري قانون المسؤولية الطبية تمهيدًا لمناقشته في مجلس النواب. 

وعلى إثر ذلك، عبرت نقابة الأطباء عن رفضها القاطع لأي مواد تُقنن الحبس في القضايا المهنية أو الحبس الاحتياطي، مؤكدة في بيان لها أن لجنة الصحة بمجلس الشيوخ لم تستجب لمطالبها التي تُعدّ ممارسات عالمية لضمان حماية الأطباء.

تركّزت الاعتراضات على المواد 27، 28، و29 من القانون، حيث ساوت المادة 27 بين العقوبات المفروضة على الأخطاء الطبية العادية والجسيمة، مما أثار مخاوف الأطباء من إمكانية معاقبتهم بالسجن أو الغرامة في حالات قد لا تكون تحت سيطرتهم، كما منحت المادة 29 جهات التحقيق الحق في الحبس الاحتياطي للطبيب، ما اعتبرته النقابة إجراءً غير مبرر، بالإضافة إلى ذلك، طالبت النقابة بأن يكون تقرير اللجنة الفنية التي تُحدد درجة الخطأ الطبي ملزمًا، بدلًا من كونه مجرد استرشاد للجهات القضائية.

تعديلات واستجابة جزئية

ومع تصاعد الأزمة، وافقت لجنة الصحة في مجلس النواب على إدخال تعديلات على القانون استجابةً لمطالب الأطباء، وشملت هذه التعديلات حذف العقوبات بالحبس والغرامة على الأخطاء الطبية غير الجسيمة، مع الإبقاء على عقوبة الحبس والغرامة في حالات الخطأ الطبي الجسيم، كما أصبحت تقارير اللجنة الفنية معتمدة كمرجع رئيسي لجهات التحقيق.

جانب من مناقشات قانون المسؤولية الطبية في النواب مع نقيب الأطباء د. أسامة عبد الحي 

نقابة الأطباء: التعديلات تحوّل جوهري

وفي مقطع فيديو نشرته نقابة الأطباء، وصف نقيب الأطباء، الدكتور أسامة عبد الحي، التعديلات بأنها "تحوّل جوهري" واستجابة غير مسبوقة لمطالب النقابة. 

وعلى هذا الأساس، قررت النقابة تأجيل الجمعية العمومية المقررة أمس 3 يناير 2025، لمدة شهر لمنح فرصة لاستكمال المفاوضات مع مجلس النواب.

انقسام داخل صفوف الأطباء

ورغم هذه التعديلات، أثار قرار تأجيل الجمعية العمومية انقسامًا واسعًا بين الأطباء، حيث استقال خمسة من أعضاء مجلس النقابة، بينهم الدكتور إبراهيم الزيات، الذي أعلن على حسابه على “فيسبوك” رفضه المشاركة في "قرارات كارثية"، مع تأكيد عزمه الترشح لمنصب نقيب الأطباء في الانتخابات المقبلة عام 2027.

ورغم إدخال التعديلات، لا تزال بعض مواد القانون مثار جدل، مثل المادة 27 المحدثة التي تنص: يعاقب بغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز مليون جنيه، كل من ارتكب خطأ طبيًا سبب ضررًا محققًا لمتلقي الخدمة، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات، وغرامة لا تقل عن خمسمائة ألف جنيه ولا تجاوز مليوني جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا وقعت الجريمة نتيجة خطأ طبي جسيم".

وما زال الأطباء ينتظرون الصيغة النهائية للقانون لمعرفة مدى استجابة الحكومة لمطالبهم.

تحقيق التوازن بين حقوق المرضى والأطباء

من جانبها أكدت عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، الدكتورة إيرين سعيد، أن قانون المسؤولية الطبية الجديد يهدف إلى تحقيق التوازن بين حقوق المرضى والأطباء، موضحة أن القانون يتضمن إنشاء صندوق للتأمين الحكومي لتعويض المرضى عن الأخطاء الطبية، يتم تمويله من اشتراكات الأطباء. 

وأضافت سعيد لـ"تليجراف مصر": “نحن لا نتعامل مع المريض على أنه سلعة، بل هو مواطن له حقوق يجب حمايتها، والأخطاء الطبية لها عقاب مجتمعي، والغرامة جزء أساسي من هذا العقاب لضمان الردع العام وتحفيز الأطباء على تقليل أخطائهم”.

عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، الدكتورة إيرين سعيد

وأوضحت أن الغرامة المنصوص عليها في المادة 27 المحدثة تهدف إلى التمييز بين الطبيب المهني الملتزم والطبيب المهمل، قائلة: “الغرامة تساهم في خلق بيئة عمل أكثر انضباطًا وتعمل على تقليل الأخطاء المهنية، كما أنها وسيلة لتحقيق العدالة للمرضى، دون أن تؤثر على حقوق الأطباء، الذين سيحصلون على امتيازات غير مسبوقة بموجب القانون”.

تحقيق الردع العام

وحول اعتراضات الأطباء على الغرامة، قالت: “الأطباء يرغبون فقط في دفع التعويض دون تحمل الغرامة، لكن هذا ليس منطقيًا، الغرامة تُفرض لتحقيق الردع العام، وهي ضرورية لضمان احترام المعايير المهنية. التعويض يتم دفعه من خلال الصندوق التأميني، الذي يساهم فيه جميع الأطباء، وهذه أقل حقوق المريض الذي تعرض لضرر طبي”.

وأشارت إلى أن لجنة الصحة وافقت بشكل نهائي على التعديلات النهائية للقانون، مؤكدة أن النقاشات داخل اللجنة انتهت، وقالت: “اجتماع الجمعية العمومية للأطباء لا جدوى منه الآن، فالتعديلات النهائية سيتم مناقشتها فقط في الجلسة العامة، إن كانت هناك حاجة لإضافة أو حذف أي مواد”.

وفي ختام تصريحاتها، شددت عضو لجنة الصحة بالنواب، على أن الأطباء سيحصلون على مكتسبات كبيرة من القانون، تصل إلى 99% من مطالبهم، مضيفة أن القانون ليس موجَّهًا فقط لحماية الأطباء، بل لتحقيق توازن عادل بين الطبيب والمريض.

وقالت: "إذا رفض الأطباء القانون، فهم الخاسرون، لأن هذه المزايدات القانونية لا أساس لها من الصحة قانونيًا أو دستوريًا”.

search