خوفًا من المساءلة.. هل يعتزل الأطباء التعامل مع الحالات المعقدة؟
تعبيرية
عبدالمجيد عبدالله
شهد الشهر الماضي تصاعدًا في النقاشات والجدل بين الأطباء بشأن مشروع قانون المسؤولية الطبية، الذي يهدف إلى حماية حقوق المرضى وتنظيم العلاقة بين مقدمي الخدمات الطبية ومتلقّيها، مع وضع إطار موحّد للمسؤولية المدنية والجنائية على الأطباء.
وما زال مسلسل مشروع قانون المسؤولية الطبية، المُقدم من الحكومة إلى مجلس النواب، وتمت الموافقة عليه من مجلس الشيوخ وعودته ثانية إلى مجلس النواب، يلقى رفضًا من الأطباء، واعتراضًا على بعض المواد.
"لن نقبل التعامل مع الحالات المرضية المعقدة، فحدوث مضاعفات طبية واردة قد يُعرّضنا للاتهام بالتقصير".. هكذا عبر عدد من الأطباء عن مخاوفهم تجاه مشروع قانون المسؤولية الطبية، الذي يفتح الباب أمام فرض عقوبات بالحبس والغرامة نتيجة الأخطاء الطبية.
وطالب عدد من الأطباء بوضع إطار قانوني واضح ومحدد لتعريف المسؤولية الطبية والمنشآت الصحية، مؤكدين “أهمية صياغة قانون عصري ومتوازن يحمي مهنة الطب ويحفظ حقوق الأطباء والمرضى على حد سواء”.
وأعلن الدكتور الحسيني جميل، أستاذ جراحة القلب والصدر ورئيس الجمعية المصرية لجراحة القلب والصدر، اعتزاله ممارسة الطب الإكلينيكي والجراحة، مكتفيًا بالعمل الأكاديمي والتدريس الجامعي.
وأوضح الدكتور الحسيني في بيان رسمي، أن قراره جاء نتيجة اعتراضه على ما وصفه ببيئة العمل "غير الآمنة"، لا سيما في ظل الصياغة الحالية لمشروع قانون المسؤولية الطبية.
وأشار إلى أن تخصص جراحة القلب، المعروف عالميًا بمخاطره العالية، يُعرّض الأطباء إلى مساءلة قانونية مبالغ فيها عند حدوث مضاعفات أو وفاة المريض، حتى مع الالتزام بكافة المعايير الطبية.
انتقادات لقانون المسؤولية الطبية
وعبّر الدكتور الحسيني عن استيائه من غياب الدعم الطبي الكافي للأطباء، موضحًا أنه تعرض مع زملائه لمخاطر مهنية جسيمة، مثل الإصابة بعدوى فيروسية خطيرة، دون أي تعويض ملائم، كما انتقد فرض تعويضات باهظة قد تصل إلى مليون جنيه على الأخطاء الطبية غير المتعمدة، معتبرًا ذلك تجريمًا غير منصف لمهنة الطب.
رفض تجريم الأطباء
وأكد الدكتور الحسيني أن قراره لا يعكس رفضًا لمبدأ المحاسبة، بل يهدف إلى تسليط الضوء على ضرورة مراجعة القوانين التي تثير العداء بين مقدمي الخدمة الصحية والمرضى، وشدد على أن أطباء مصر قدموا خدماتهم للوطن بتفانٍ في أصعب الظروف، دون انتظار أي مقابل.
مطالب بإصلاح بيئة العمل
ودعا الدكتور الحسيني المسؤولين إلى مراجعة قانون المسؤولية الطبية لتحقيق التوازن بين حقوق الأطباء والمرضى، مع ضمان بيئة عمل آمنة تحمي الأطباء من التجريم غير المبرر وتكفل محاسبة المخطئين بشكل عادل.
من جانبه قال استشاري القلب والقسطرة بالمعهد القومي للقلب الدكتور محمد صبري، إنه لا توجد دولة في العالم تقوم بحبس الأطباء، وقد يدفع مشروع القانون الذي يناقش بمجلس النواب الأطباء إلى العمل بالطب التحفظي أو الدفاعي، وهو عدم إجراء أي عمليات بها نسبة خطورة.
وأضاف صبري لـ"تليجراف مصر"، أن القانون لم يوضح ما الفرق بين المضاعفة الطبية والخطأ الطبي والخطاء الطبي الجسيم، وأن تلك الخطوة ليست في صالح الطبيب ولا الطب، لافتا إلى أن الطبيب يمارس في اليوم الواحد أكثر من حالة إذ تبلغ الليستة من 5 إلى 10 حالات.
وتابع استشاري القلب والقسطرة بالمعهد القومي للقلب، أنه لا بد من وضوح دور اللجنة الفنية في القانون، وأن كل حالة مختلفة عن غيرها، موضحا أن كل التخصصات بها خطورة، فعمليات الأنف والأذن بها مضاعفات، النساء بها مضاعفات، وهناك تخصصات عالية الخطورة مثل القلب والحوادث، فكل التدخلات الطبية خطيرة.
ولفت إلى أن فلسفة القانون هي اعتماد قانون يحافظ على المنظومة الطبية، دون تقصير أو خلل، والعمل على استقرارها، وهناك في القوانين الأجنبية عقوبات تصل إلى سحب مزاولة المهنة عندما يقوم الطبيب بعمل إجراء غير منصوص عليه.
وأضاف أنه لا بد أن يتم عمل مراقبة على المراكز الطبية الخاصة، وعمل نظام ويتم محاسبة الناس عليه، فطبيب اليوم مريض الغد، منوها بأنها قد تؤثر على منظومة التعليم الطبي.
ودعا الدكتور عيسى حامد، مدرس طب الطوارئ والحالات الحرجة بجامعة الأزهر، إلى إلغاء الحبس الاحتياطي للأطباء أثناء ممارسة عملهم، مؤكدًا أن مبررات الحبس الاحتياطي مثل احتمالية الهروب أو التأثير على الشهود، لا تتناسب مع طبيعة مهنة الطب التي تستدعي بيئة عمل آمنة للأطباء.
الخشية من انتشار الطب الدفاعي
وأبدى الدكتور حامد قلقه من احتمال لجوء الأطباء إلى ممارسة "الطب الدفاعي"، حيث قد يتجنب الأطباء إجراء العمليات الجراحية الحرجة أو الدقيقة خوفًا من التعرض للمساءلة القانونية في حال حدوث مضاعفات، مشيرًا إلى أن هذه الظاهرة قد تؤثر سلبًا على جودة الرعاية الصحية المقدمة للمرضى.
تأثير القانون على التعليم الطبي
وحذّر الدكتور حامد من انعكاس مواد مشروع القانون على العملية التعليمية في الكليات الطبية، وقال إن الخوف من المضاعفات قد يؤدي إلى تقليل الحالات التي يُسمح للطلاب والأطباء المتدربين بالعمل عليها، مما يضعف التجربة التعليمية ويؤثر على كفاءة الأطباء في المستقبل.
دور اللجنة العليا للمسؤولية الطبية
ودعا حامد إلى إدراج نص قانوني واضح يحدد دور اللجنة العليا للمسؤولية الطبية كجهة فنية متخصصة، تكون مسؤولة عن تقديم الدعم الفني لجهات التحقيق والقضاء في قضايا الأخطاء الطبية، بما يضمن تحقيق العدالة للطبيب والمريض على حد سواء.
وطالب الدكتور عيسى حامد، مدرس طب الطوارئ والحالات الحرجة بجامعة الأزهر، بمنع الحبس الاحتياطي لمقدمي الخدمات الصحية أثناء أداء عملهم، موضحًا أن مبررات الحبس الاحتياطي، مثل احتمالية الهروب أو التأثير على الشهود، لا تتماشى مع طبيعة مهنة الطب.
وعقدت لجنة الصحة بمجلس النواب، برئاسة الدكتور أشرف حاتم، اجتماعًا لمناقشة مشروع قانون المسؤولية الطبية، واستعرضت مطالب نقابة الأطباء والتعديلات المقترحة على مشروع القانون، بحضور نقيب الأطباء الدكتور أسامة عبد الحي.
إلغاء عقوبة الحبس للأطباء في الأخطاء المهنية
ونجحت نقابة الأطباء في التوصل إلى توافق بشأن إلغاء عقوبة الحبس الاحتياطي وحبس الأطباء في حالات الأخطاء المهنية، كما تضمنت التعديلات إضافة تعريف واضح للخطأ الطبي والتفريق بينه وبين الخطأ الطبي الجسيم، ما يعزز من وضوح المعايير القانونية وينصف الأطباء في الحالات المهنية غير المتعمدة.
دور اللجنة العليا للمسؤولية الطبية
وتم الاتفاق على أن تكون اللجنة العليا للمسؤولية الطبية الجهة الفنية المعنية بمراجعة الأخطاء المهنية وإصدار التقارير الفنية المطلوبة لجهات التقاضي والتحقيق، ما يضمن وجود جهة متخصصة ومحايدة في القضايا المتعلقة بالممارسات الطبية.
تغيير اسم القانون
شملت التعديلات تغيير مسمى مشروع القانون ليصبح "قانون المسؤولية الطبية وسلامة المريض" بدلًا من الاسم السابق "المسؤولية الطبية وحماية المريض"، بما يعكس تركيزًا أكبر على تحقيق التوازن بين حقوق الأطباء وسلامة المرضى.
أحدث الفيديوهات
أخبار ذات صلة
السيسي: "الظروف صعبة من سنين طويلة.. ونتمنى تعدي بسلام"
06 يناير 2025 08:51 م
تلاحم وطني بعيد الميلاد.. قيادات المحافظة يشاركون في "فرحة الأقباط"
06 يناير 2025 11:27 م
مدير أمن بورسعيد يتفقد محيط الكنائس.. والأقباط يقدمون الحلوى للشرطة
06 يناير 2025 10:58 م
تزامنًا مع احتفالات عيد الميلاد.. محافظ بورسعيد يفتتح أكبر الكنائس
06 يناير 2025 10:50 م
إمام مسجد يستخدم مكبرات الصوت لتهنئة المسيحيين بعيد الميلاد
06 يناير 2025 10:31 م
قوات الدفاع الشعبي والعسكري تنظم ندوات بجامعتي بنى سويف والمنيا
06 يناير 2025 10:27 م
ضربة لـ يمامة.. "عليا الوفد" تلغي قرار فصل السيد البدوي
06 يناير 2025 10:14 م
تواضروس: نشكر الله على السلام في مصر وسط عالم يمتلئ بالحروب
06 يناير 2025 10:10 م
أكثر الكلمات انتشاراً