الأربعاء، 05 فبراير 2025

02:47 م

مصير سوريا في عهد «الجولاني»

بين ليلة وضحاها، انقلبت الأوضاع في الأراضي السورية، وسقط بشار الأسد، بعد سنوات من الحكم المورث، وعادت الوجوه ذات “اللحية”، لتتصدر المشهد من جديد، وأصبحت دمشق تحت حكم ذات خليفة دينية، يقودها أحمد الشرع المعروف بأبي محمد الجولاني، وهو الأمر الذي يثير مخاوف عدة من تكرار سيناريو الربيع العربي، وسيطرت الإسلاميين مرة أخرى على مقاليد الحكم.

في الأيام الأولى بعد سقوط نظام بشار الأسد، وانتشار الفوضى في الشارع السوري، وظهور الجماعات المسلحة، في مشهد أثار قلق الدول العربية والأوروبية، خاصة وأن “الجولاني” قائد المعارضة السورية، يُعد أحد قيادات التنظيمات الجهادية المسلحة، والمشهد الذي يلوح في الأفق، أن سوريا تتجه نحو التقسيم، والصراع بين الطوائف الدينية.

تجارب الحكم الإسلامي في دول عدة، أثبتت الفشل التام، لما لها من ايديولوجيات لا تتناسب مع الشعوب المدنية، وقد يعيد الحكم ذات الخلفية العقائدية، الدولة السورية لعشرات السنين إلى الوراء، حال سيطرت العناصر المسلحة على السُلطة، في ظل عدم وجود رغبة عربية ودولية في التعامل مع الحكم الإسلامي.

ولعل ظهور عدد من الشخصيات المتورطة في أعمال إرهابية، داخل الأراضي السورية، بعد سيطرت “الجولاني” على الحكم، ومن بينها عبدالرحمن القرضاوي، ابن أحد أبرز زعماء جماعة الإخوان الإرهابية يوسف القرضاوي، وهو يتحدث عبر مقطع فيديو يهدد فيه دول الشرق الأوسط، بإسقاط أنظمتها الحاكمة، أيضا اللقاء الذي جمع الإرهابي محمود فتحي، أحد أبرز المتورطين في مخطط اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات، مع “الجولاني” أكد المخاوف من أن الحكم السوري على مشارف كارثة، تنذر بعواقب وخيمة قد تمتد خارج الأراضي السورية.

سيطرة “الجولاني” على حكم سوريا، أعاد الأمل متجددًا لجماعة الإخوان الإرهابية، وما على شاكلتها من التنظيمات المتطرفة، للظهور على الساحة السياسية مرة أخرى، ومن المؤكد أن هناك مخطط خفي، مدعوم من بعض الدول ذات الخلفية العقائدية، لعودة الإسلاميين مرة أخرى، وهو الأمر الذي يجب إدراكه جيدًا ومبكرًا، بعد التجارب الكارثية للحكم الإسلامي، وتكرار الأحداث التي ساهمت في إسقاط أنظمة بعض دول منطقة الشرق الأوسط، واستغتلها التنظيمات المتطرفة لسلب الحكم، وإعادة دولة الخلافة.

وإذا بحثنا في التاريخ الجهادي لـ“الجولاني”، سنجد أنه بدأ في العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003، وانضم إلى تنظيم القاعدة في بغداد، الذي كان البذرة الأولى لتنظيم داعش. في معسكر بوكا، ودخل السجن عام 2005، وعقب خروجه عزز علاقاته الجهادي، بالتواصل مع أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم داعش الإرهابي.

أسس “الجولاني” جبهة النصرة في سوريا، والتي سرعان ما تحولت إلى قوة بارزة في الحرب السورية. وفي 2016، أعاد “الجولاني” تسمية جبهة النصرة إلى جبهة فتح الشام، قبل أن تتحول إلى هيئة تحرير الشام عام 2017 بضم فصائل متشددة أخرى. هذه الخلفية تثير الشكوك حول قدرة «الجولاني» على قيادة سوريا نحو الاستقرار بعيدًا عن الأيديولوجيات المتطرفة.

الأحداث المتوترة في سوريا، أيضا أثارت مخاوف المسيحيين خاصة في ظل استمرار التوترات الطائفية والاعتداءات على رموزهم الدينية، حيث يشهدون حوادث متفرقة من استهداف كنائسهم ومظاهرهم الدينية، مثل حرق شجرة عيد الميلاد في السقيلبية مؤخرًا.

ويبدو أن “الجولاني” يُخطط لقيادة سوريا بعد المرحلة الانتقالية، التي يرغب في إطالة أمدها لـ 4 سنوات، وكأنها فترة رئاسية، ما يعكس نيته المبينة في السيطرة على مفاصل الدولة السورية، ووضع دستور “تفصيل” يتمكن من خلاله السيطرة على الحكم لسنوات، ويمنح فيها الفرصة للتنظيمات الموالية له من الظهور على الساحة السياسية، وقد نرى البعض منهم في مناصب قيادية، وحتى الآن يبدو المشهد “ضبابي” لا يشير إلى وجود تفاؤل، بل يثير المخاوف، في ظل احتدام الصراع في منطقة الشرق الأوسط، نتيجة العدوان الإسرائيلي على غزة.

search