الحماية الدستورية للعدالة الاجتماعية
ربط فلاسفة القانون الطبيعي على اختلاف العصور بين مبادئ حقوق الإنسان ومبادئ القانون الطبيعي، فهم يسلمون بوجود قانون طبيعي ينبع من طبيعة الإنسان يسبق الجماعة ويسمو على الدولة، فالطبيعة خلقت كل الأفراد مُتَسَاويْن ولم تفرّق بينهم بسبب الجنس أو اللغة أو الدين على عكس ما ذهب إليه أرسطو بين السادة والعبيد.
وإذا كان إحساس الأفراد بالضعف أمام الطبيعة قد ولد فيهم غريزة الحياة الجماعية، فإنهم لم ينزلوا عن بعض حقوقهم إلا رغبة منهم في صيانة حقوقهم الطبيعية ومن ثم لزم أن يهدف النظام الجماعي والقانون الصادر عنه المنظم إلى التسليم بهذه الحقوق وتنظيم الحصول عليها بما ليس فيه اعتداء عليها أو هدر لها، على أساس تحقيق الحقوق كلها ورصد كافة الضمانات المنظمة لكفالته، إذ سجلها إعلان حقوق الإنسان الصادر في فرنسا بعد ثورتها المشهودة التي قامت في سنة 1789، فقد نصت المادة الأولى من الإعلان المذكور على ما يأتي: "يولد الأفراد و يعيشون أحرارًا و يتساوون في الحقوق".
وقد وجدت هذه النظرية حمايتها حماية لها وتفعيلاً للحقوق التي قررتها من اعتناق الدستور لها، فأصبحت حماية دستورية، فقد جاء في مقدمة دستور سنة 1791 “لا يجوز للسلطة التشريعية أن تضع أي قوانين من شأنها أن تضر أو تعرقل ممارسة الحقوق الطبيعية والمدنية المنصوص عليها في الباب الأول من الدستور التي يضمن حمايتها”.
ومن الدستور الفرنسي انتقلت فكرة المساواة إلى بقية دساتير العالم بعد ذلك.
لذا حرصت الدساتير المصرية المتعاقبة منذ أن عرفت مصر الدساتير الحديثة على مبدأ المساواة واعتبرته حقًا من حقوق المواطن، بل وحقًا من حقوق الإنسان، كما جاء في أول دستور عام 1923 على أن “المصريون لدى القانون سواء. وهم متساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية وفيما عليهم من الواجبات والتكاليف العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الأصل أو اللغة أو الدين. وإليهم وحدهم يعهد بالوظائف العامة مدنية كانت أو عسكرية ولا يولي الأجانب هذه الوظائف إلا في أحوال استثنائية يعينها القانون”.
وكذلك دستور 1930: في المادة 3 على أن (المصريون لدى القانون سواء. وهم متساوون في التمتع بالحقوق المدنية و السياسية و فيما عليهم من الواجبات والتكاليف العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الأصل أو اللغة أو الدين. وإليهم وحدهم يعهد بالوظائف العامة مدنية كانت أو عسكرية ولا يولى الأجانب هذه الوظائف إلا في أحوال استثنائية يعينها القانون".
ونصت الدساتير المصرية المتعاقبة دستور 1956، دستور 1958، ودستور 1971، ودستور 2012 على أن المصريين لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة.
وأفرد الدستور القائم 2014 في الباب الثالث منه بالنص في المادة 40 منه على أن "المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة"، فكان الحق في المساواة أمام القانون هو أول ما نص عليه الدستور في الباب الخاص بالحريات والحقوق العامة، وجاء في الصدارة منها باعتبار أن هذا الحق هو أساس العدل والسلام الإجتماعي، وعلى تقدير أن الغاية التي يستهدفها تتمثل في صون حقوق المواطنين في مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد الحصول عليها ، وأضحى هذا المبدأ في جوهره وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التي لا يقتصر تطبيقها على الحقوق العامة المنصوص عليها في الدستور، بل ينسحب مجال أعمالها إلى الحقوق التي يقررها القانون العادي ويكون مصدراً لها لتحقيق العدالة والسلام الاجتماعي من خلال المساواة والعدالة الاجتماعية وتكافؤالفرص بين كافة الفئات الاجتماعية دون تمييز، لتعزيز روح الولاء والإنتماء للهوية المصرية.
الأكثر قراءة
مقالات ذات صلة
قاضيات مصر.. حضور مشرق على منصات القضاء
22 يناير 2025 03:03 م
أكثر الكلمات انتشاراً