مرموش.. أولاد الذوات يكافحون أيضا
عمر مرموش، حكاية ملهمة أخرى لكن بطلها مختلف إلى حد كبير عن النموذج النمطي لأبطال هذا النوع من القصص، الذين ينتمون غالباً إلى طبقات بائسة أو على أفضل تقدير فقيرة ومتوسطة، على غرار أسطورة مصر الملك محمد صلاح وأبرز نجوم كرة القدم في العالم مثل كريستيانو رونالدو وميسي وغيرهما.
مرموش هو حدوتة المصريين حالياً، يحكونها بشغف بالغ، ربما لحاجة هذا الشعب الكبيرة إلى السعادة والشعور بالإنجاز، وربما يبالغون في الوصف أثناء سرد بعض التفاصيل، أو إضافة بعض المحسنات والبهارات حتى تكتمل صورة البطل، ويستحق المكانة الرائعة التي وصل إليها في أحد أهم أندية كرة القدم في العالم، بعد اختياره من المدرب الأهم على الإطلاق، بيب جوارديولا، الذي منحه الثقة ودفع به أساسياً في مباراة شرسة ضد فريق قوي بحجم تشيلسي بعد يومين من انضمامه لكتيبة السيتي.
المختلف في قصة مرموش من وجهة نظري أنه ألغى الصورة التقليدية عن أبناء الذوات الذين ينتمون إلى أسر ثرية أو متيسرة، فهم أقل كفاحاً ودأباً، خصوصاً في المجالات التي تستلزم كثيراً من العرق والجهد والصبر والمعاناة مثل كرة القدم.
هناك عوامل عدة وراء نجاح عمر مرموش، أبرزها من وجهة نظري المساندة التي تلقاها من أسرته، وأخص هنا بالذكر والده، فهو من وجهة نظري رجل مستنير وذكي وله تأثير بالغ في أسرته.
والد مرموش حسب رواية اللاعب نفسه، كان ضد انشغاله بكرة القدم، إذ أصر على ضرورة تركيزه في التعليم، وهذا اتجاه لا يمكن أن يلومه عليه أحد، فأطول عمر للاعب كرة قدم، لا يتجاوز غالباً 15 عاماً، ثم تنتهي مسيرته ويبدأ حياة جديدة، وهو في ذروة شبابه، وركزوا معي جيداً في هذه النقطة..
لاعبون كثر حققوا نجاحاً كبيراً في مسيرتهم الرياضية، وحين اعتزلوا اللعبة وقفوا محلك سر، لأنهم لا يتمتعون بالوعي اللازم لإدارة حياتهم بعد ذلك، في ظل تسرب معظمهم من التعليم واعتباره شيئاً غير أساسي في حياتهم!
وباستثناء نخبة لاعبي العالم الذي يلعبون في دوريات كبرى ويحصدون عشرات الملايين من مهنتهم، فإن ما يجمعه لاعب كرة القدم من مال خلال مسيرته، من الصعب أن يكفيه في بقية حياته، خصوصاً وأنهم يعتزلون - كما ذكرنا- في مرحلة مبكرة من أعمارهم..
ومن هنا أتفهم إصرار والد مرموش على تركيزه في التعليم خلال طفولته، عكس كثير من الآباء الذين يفرغون أبناءهم كلياً أملاً في أن تحدث المعجزة ويبيضون ذهباً حين يصلون إلى سن احتراف اللعبة.
وحين أدرك مرموش الأب أن ابنه يملك موهبة حقيقية وواعد في اللعبة، وأصر الولد على المضي قدماً في هذا الطريق، بدأ والده في دعمه لكن بطريقة مختلفة كذلك، إذ أرسله إلى معايشة كرة القدم في أوروبا ليتقن اللعبة على أصولها.
وحين خارت عزيمة الطفل في البداية عندما استوعب مرارة الحياة بعيداً عن أسرته في دول باردة الطقس والمشاعر، شجعه والده على الصبر والتمسك بحلمه، وهذا هو دور الأب المثقف الواعي،
وعلى حد علمي فقد تبوأ والد مرموش مناصب مرموقة في شركات كبرى، لذا لا أستغرب ذهنيته الرائعة، بداية من سفره إلى كندا مع أسرته والحصول على جنسية تمكنهم من السفر والانتقال بسلاسة بين دول العالم، وانتهاء بعدم استغلاله ما حققه ابنه من إنجاز وفرض نفسه علينا عبر شاشات وبرامج تلهث وراءه.
أما عن لاعبنا المبدع، فقد ضرب مثلاً رائعاً في الصبر، وجميعنا نعرف أن هناك عشرات مثله، بل ربما كانوا أكثر حاجة منه لم يتحملوا الحياة في أوروبا وجروا أذيال الخيبة عائدين إلى الدوري المصري بالغ الامتياز!
عمر مرموش يكتب الآن قصة رائعة، نستمتع كثيراً بمتابعة أحداثها متمنين أن تكلل بنجاح عظيم مثل أسطورتنا وحبيب الملايين محمد صلاح، ويكفي أننا اجتمعنا لأول مرة لتشجيع مانشستر سيتي مساندة له، لأنه يليق بنا ونليق به.
أكثر الكلمات انتشاراً