الخميس، 30 يناير 2025

07:37 م

11 ساعة سيرا على الأقدام.. رحلة العودة إلى شمال غزة بين الأطلال

الصحفي الفلسطيني نضال حمدونة

الصحفي الفلسطيني نضال حمدونة

خاطر عبادة   -  

A .A

سرد الصحفي الفلسطيني نضال حمدونة، رحلة العودة إلى منزله في بيت لاهيا شمال قطاع غزة، حيث نزح سبع مرات بسبب الحرب الإسرائيلية التي استمرت 15 شهراً ضد القطاع الباسل.

ووصف حمدونة مشاعر الفرحة الممزوجة بالحزن، حين تمكن أخيرا من قضاء رحلة العودة التي طال انتظارها، ولكنه طوال الرحلة شهد حجم الدمار، وشعر بالألم عندما أدرك حجم ما يحتاجه بلده إلى إعادة الإعمار.

الصحفي نضال حمدونة في رحلة االعودة لمنزله

11 ساعة مشيا

وقال حمدونة، وفقا لتقرير صحيفة “الإندبندنت” البريطانية: "قضيت 11 ساعة سيرا على الأقدام في الطريق المؤدي إلى المنزل شمال غزة، رحلة كنت أحلم بها منذ عام وأربعة أشهر، حتى عدت أخيرًا إلى منزلي في غزة لأجد مدينتي مدمرة ومنزلي بلا جدران".

وأضاف: "كانت الرحلة طويلة وشاقة، فقد دمرت الدبابات والجرافات والغارات كل شيء طوال طريقي، ورأيت رجلاً عجوزاً يموت من إجهاد المشي، وكان أطفاله يتجمعون حوله، ويحاولون إعطائه التنفس الاصطناعي، وكانت هناك امرأة حامل تبكي، وقالت إنها دخلت في مخاض مبكر بسبب ضغط المشي".

وتابع حمدونة: "بعد 7 كيلومترات، نفد الماء الصالح للشرب من الناس، وفقد بعض الآباء أطفالهم وأفرادا آخرين من عائلاتهم وسط الحشود الضخمة، ولم تكن هناك وسيلة للاتصال، حيث لم تكن المنطقة بها إشارة للهاتف المحمول ولم يكن يُسمح بالنقل على هذا الطريق، وبعد وفاة الرجل المسن، بدا أن رجلاً ثانياً دخل في غيبوبة من شدة التعب، ولم تكن هناك سيارات إسعاف تعمل" .

واستدرك: “لكن الناس استمروا في السير، وكانوا يتدفقون بأعداد هائلة، وكانت الأسر بأكملها، كبارًا وصغارًا، سعيدة ومتحمسة، على الرغم من طول الطريق وصعوبته”.

نزوح متكرر

وأضاف الصحفي الفلسطيني: “لقد نزحت في بداية الحرب من بيت لاهيا، مسقط رأسي في أقصى شمال غزة المحاصرة، لقد اضطررنا إلى الفرار من القصف العنيف عدة مرات: أولاً إلى وسط المدينة، ثم إلى الجنوب، وأخيراً إلى الساحل، ومنذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار الذي يتضمن السماح للنازحين الفلسطينيين أخيراً بالعودة إلى الشمال، كنت أحسب الأيام والساعات واللحظات التي يمكنني فيها العودة إلى المنزل”.

وواصل حديثه قائلا: “كنت أشعر بقلق شديد وتوتر شديدين خوفًا من فشل الصفقة أو تعليقها قبل لحظات من مغادرتنا، كانت كل أفكاري وانشغالاتي منصبة على مرور الوقت بسرعة، لمدة سبعة أيام لم أستطع النوم، وفي ذلك الصباح- الاثنين 27 يناير استيقظت في الخامسة صباحاً على أصوات الهتافات وتفكيك الخيام من حولي، فقد وردت أنباء تفيد بأن إسرائيل ستسمح أخيرًا بعودة النازحين إلى شمال غزة بعد انسحابها من محور نتساريم، الذي احتله الجيش الإسرائيلي منذ بداية الحرب، الأمر الذي أدى فعلياً إلى تقسيم غزة إلى نصفين”.

وأضاف: "في صباح يوم الإثنين شربت كوب شاي وأكلت قطعة خبز وحملت حقيبتي على كتفي وودعت أمي وابنتي وزوجتي على أمل أن يلتحقن بي في الأيام القادمة، وفي التاسعة استقلت سيارة مع شقيقي وابن أخي من مدينة خان يونس الجنوبية إلى النصيرات ومن هناك مشيت مسافة عشرين كيلومترا فوق أنقاض مخيم النصيرات على طول الطريق الساحلي إلى مدينتي بيت لاهيا".

وقال حمدونة: "كانت كل خطوة أخطوها نحو الشمال بمثابة نبضة فرح في قلبي وروحي، وكل خطوة أخطوها كانت تقربني من بيتي وأرضي".

جنة بيت لاهيا

وتابع الصحفي الفلسطيني نضال حمدونة، حديثه عن وصف مدينته بيت لاهيا قائلا: "لقد حُفرت في ذهني صورة جميلة للعالم قبل السابع من أكتوبر، صورة لبيت لاهيا، التي تقع في أقصى شمال غزة، وتتميز بشاطئ رملي طويل ومناطق استراحة خلابة، وهي القرية التي تضم أكثر الأراضي خصوبة بسبب المياه الجوفية الأكثر نضارة ووفرة والتي تأتي من جبال الخليل".

وأضاف: "هنا، تغطي بساتين البرتقال والليمون والجوافة الأراضي، وأشهرها حقول الفراولة، منذ أوائل سبعينيات القرن العشرين، سافرت الفراولة من بيت لاهيا عبر بلدان أوروبا، المعروفة بجودتها وطعمها الحلو، يطلق عليها السكان المحليون اسم "الذهب الأحمر".

وأضاف: “هكذا، نشأت محاطًا بأشجار الجميز وشجيرات الفراولة، وأصوات الباعة الجائلين، وصوت محركات المياه الزراعية، وتجمعات الأصدقاء والعائلة في الشوارع، ذكريات اختفت منذ عام أو أكثر، ذكريات كنت أتمنى، مع كل خطوة نحو الشمال، أن تعود”.

واستطرد قائلا: "ولكن كلما اتجهت شمالاً، رأيت المزيد من الدمار، والمزيد من الحياة والناس يختفون، مررت بمدينة غزة ووصلت إلى محافظة الشمال وجباليا وبيت لاهيا".

نجونا من التهجير

وقال حمدونة: "كنت خائفًا أن يتكرر التاريخ، كما حدث في عام 1948، عندما أجبر الفلسطينيون على الفرار من أراضيهم، ولم يعودوا أبدًا، لم أكن أثق في قدرتنا على العودة إلى ديارنا حتى حانت اللحظة التي تمكنا فيها من دخول منطقتي".

وأضاف: "كانت الساعة السابعة عندما دخلت بيت لاهيا، لقد سمعت بالفعل أنها دمرت ورأيت صورًا تم تداولها عبر الإنترنت، لكن الأمر مختلف عندما تراه بعينيك، كان الأمر كما لو أنها تعرضت لقصف بقنبلة نووية، تمت تسوية جميع المباني بالأرض، إلى يساري وإلى يميني، لقد تغيرت ملامح المدينة، لقد تحولت إلى مدينة أشباح".

وتابع: "كانت بيت لاهيا، مسقط رأسي، الأكثر تدميراً، كانت بعض المنازل التي لا تزال قائمة غير صالحة للسكن، مدمرة ومحترقة، وصلت إلى الحي الذي أسكنه عند الساعة الثامنة، وقد قيل لي من قبل إن بيتي دمر جزئياً، وحين دخلت الشارع ووقعت عيناي على بيتي، ورغم التعب الواضح الذي أصاب جسدي، نسيت أمره فور دخولي، فوجدت بيتي وقد هدمت جدرانه وفرغ من الأثاث، وأخطط للبحث لاحقاً بين أكوام الرمل والحجارة، في محاولة للعثور على بعض ذكرياتنا، صور وأوراق ومقتنيات شخصية".

وقال: "جلست على باب البيت، أتأمل، وألتقي الناس الذين بقوا في بيت لاهيا، الذين سألوني عن حال الجميع، كل ما حلمت به تبخر، كل آمالي وأحلامي اصطدمت بالدمار والواقع المؤلم، أكوام من الأنقاض التي ستستغرق إزالتها سنوات، لا أعلم إن كانت بساتين بيت لاهيا سوف تزدهر مرة أخرى".

search