الجمعة، 07 فبراير 2025

04:08 ص

ترامب وبلفور "إخوات"؟!.. هل تهجير غزة وعد جديد لليهود؟

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو

محمد سامي الكميلي

A .A

عاثت الحرب في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر خرابا ودمارا ماديا ونفسيا، لم يقتصر فقط على الحجر الذي تحوّل إلى ركام يغطّي أرض غزة (يقدر بنحو 40 مليون طن ويحتاج إلى 15 سنة لإزالته، بتكلفة تتراوح بين 500 مليون دولار إلى 600 مليون)، وفقًا لتقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة.

بمجرد ارتفاع غبار الحرب بإعلان وقف إطلاق نار في القطاع، ويأمل الجميع في تثبيته لأبعد مدى وجار التفاوض على باقي مراحله، خرج الرئيس الأمريكي العائد إلى البيت الأبيض بأصوات غالبية مريحة، دونالد ترامب، بطرح اعتبره البعض “جنونا مطلقا وتهديدا للأمن والسلام العالمي وخرقا سافرا للقانون الدولي”، يقضي بتطهير غزة من الفلسطينيين، وزاد الرجل في “طموحه الجامح” بطرح مخطط لتحويلها إلى “ريفييرا الشرق الأوسط” تحت عين أمريكا، بل وجنودها إذا تطلّب الأمر ذلك.

“هاجت الدنيا وماجت” على ترامب، من كل صوب وحدب، عربيا وإقليميا ودوليا، معتبرين الطرح “الترامبي” وعدا جديدا للإسرائيليين يصفّي القضية للأبد، يشبه في نتائجه “وعد بلفور 1917” التاريخي الذي كان إيذانا بإقامة دولة إسرائيل وتثبيت جذورها في الأرض العربية.

وجد البعض جذورا قريبة لـ“وعد ترامب الجديد”، في أفكار صهره جاريد كوشنر، التي أنهى بها ملياردير العقارات الأمريكي ولايته الأولى، لكنها “رُكنت” جانبا مؤقتا، لكن يبدو أن ترامب عازم هذه المرة على إحيائها، مستشهدا بنجاح فكرة توحيد الديانات الإبراهيمية، بحسب ما يزعم.

على جانب آخر، قوبلت خطة ترامب برفض مصري وأردني وعربي واسع، باعتبار أن هذه الخطوة تصفية للقضية الفلسطينية وهدم لفكرة حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967.

لم يتوقف التنديد بالموقف الأمريكي من قطاع غزة بالدول الأوروبية الداعمة للقضية الفلسطينية، كالدول الأسكندنافية (النرويج والسويد)، بل وصل الأمر إلى اتخاذ أكبر قوة استعمارية في العالم موقفا مستنكرا ومساندا للقضية الفلسطينية. 

اعتبر البعض أن دخول الإمبراطورية البريطانية الغابرة على الخطّ جاء متأخرا نحو 108 عاما منذ أن زرع بلفور بوعوده التاريخية لليهود “بذور العداء التاريخي على الأرض المقدسة”، فهل يعيد ترامب حقا الوعد القديم أم في ذلك “مبالغة كبيرة لا تستند إلى حقائق تاريخية، ومجرد استدعاء للخطة درامية سوداء تتكرّر”.

وعد بلفور جديد

اعتبر عضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي، محمد مهران، أنّ طرح ترامب لفكرة تهجير الفلسطينيين لمصر والأردن تمثل "وعد بلفور جديداً"، لكن محكوم عليه بالفشل، لرفض  مصر القاطع لأي مساس بسيادتها الوطنية وأمنها القومي، وإيمانها بالقضية الفلسطينية.

ورأي مهران أن مخططات ترامب لتوطين الفلسطيين خارج أراضيهم جاءت متجاهلة سيادة مصر المستقلة، وللقانون الدولي “بحكم عقليته الاستعمارية المتجذرة”، على حد تصريحاته لـ"تليجراف مصر".

تنصّ المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة صراحة على حظر النقل القسري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين، كما تصنف المادة 7 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية التهجير القسري كجريمة ضد الإنسانية تستوجب المحاكمة الدولية، ومضيفا أن المادة 8 من نظام روما تعتبر الترحيل القسري للسكان المدنيين جريمة حرب تقع تحت طائلة العقاب الدولي.

"بداية وعد بلفور"

لدعم الجالية اليهودية في الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الأولى، نظرًا لما تمتلكه من نفوذ واسع لدفع الولايات المتحدة للاشتراك في الحرب بجانب بريطانيا، أرسل وزير خارجية بريطانيا “بلفور” عام 1917 رسالة للورد روتشيلد، عُرفت فيما بعد بوعد بلفور، كان تعبيرا عن تعاطف بريطانيا مع مساعي الحركة الصهيونية لإقامة وطن لليهود في فلسطين، حيث طلب فيها بلفور من روتشليد إبلاغ زعماء الحركة الصهيونية في المملكة المتحدة وايرلندا بموقف الحكومة البريطانية من مساعي الحركة.

بلفور وزير خارجية بريطانيا

إلا أن الرسالة كانت لا تتضمن كلمة "دولة" بل تتحدث عن وطن وتؤكد على عدم القيام بأي شي يمكن أن يمسّ الحقوق المدنية والدينية للجماعات الأخرى التي تعيش في فلسطين.

ورغم أن الرسالة لا تتحدث صراحة عن تأييد الحكومة البريطانية لإقامة دولة لليهود في فلسطين، لكنها أدت دورًا أساسيًا في إقامة دولة إسرائيل بعد 31 عامًا من تاريخ الرسالة، أي عام 1948.

نص رسالة “بلفور” عام 1917 للورد روتشيلد التي أطلق عليها فيما بعد “وعد بلفور”

“ترامب.. الثور الهائج”

عضو المجلس الاستشاري لحركة فتح، عدنان الضميري، شبّه ترامب بأنّه “ثور هائج داخل غرفة زجاج، إذ تحدث بطريقة تكسر وتدمر كل شيء أمامه”، معتبرًا أن تصريحاته الأخيرة بشأن التهجير وتحويل غزة إلى ريفييرا الشرق الأوسط “بلفور جديد” لليمين المتطرف الإسرائيلي، بناءً على وعد بلفور القديم 1917، مشيرًا إلى أنه يريد غزة لإقامة مشروعات سياحية ونفطية وبترولية.

أوجه التشابه والاختلاف بين وعد بلفور ووعد ترامب

ورأى الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، ورئيس وحدة الدراسات الفلسطينية والإسرائيلية بالمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، أن المقارنة الآن بين وعد ترامب في تهجير الفلسطنيين وإقامة ريفييرا بدلًا من غزة، ووعد بلفور 1917، صعب ويفتقد الكثير من المقومات، على الرغم من وجود تشابهات واشتراكات، حيث جاءت فكرة دولة إسرائيل من رأس دولة عظمى فسابقًا كانت بريطانيا وحاليًا أمريكا، وهو نفس المستهدف الآن في غزة، وسط استمرارية للحديث عن الأرض الضائعة.

 وفي تقديرات فهمي لـ"تليجراف مصر"، فاقتراحات ترامب لم تلغِ أو تغلق القضية الفلسطينية، لأنها تفتقد آليات وأدوات التنفيذ، لوجود قوة رافضة حاليًا داخل فلسطين - المقاومة والفصائل الفلسطينية- وعدم وجود أي دولة مؤيدة للأفكار الأمريكية الداعمة لليمين الإسرائيلي، وعلى رأسهم بريطانيا، المسؤول الأول عن جريمة زرع إسرائيل في الشرق الأوسط، وأيضًا صعوبة إدخال قوات أمريكية لغزة، معتبرًا أنّ تصريحات ترامب ومبعوثه الأممي في الشرق الأوسط، ما هي إلا تلويح.

ونوه أستاذ العلوم السياسية، بضرورة التعامل مع تصريحات ترامب بحذر، لأنه من الممكن أن يضغط على الدول العربية مثل لبنان وسوريا والمغرب وصومالي لاند، لاستقبال الفلسطنيين، لذا على الدول العربية أن تكون جادة بأفعال لا بأقوال، لدعم الفلسطنيين والمطالبة بحقوقهم دوليًا وتوفير سبل المعيشة لهم، والتنديد بإسرائيل في المحافل الدولية.

وشدد على أنه “في كل الأحوال لا بد من تحرك مباشر ونقل المعركة للرأي العام الدولي -أمريكا-، وضرورة الاستعانة بالسيناتور الأمريكان المؤيدين للقضية الفلسطينية”.

غزة لا تباع ولا تشترى

رأى الأمين العام المساعد للجامعة العربية، السفير حسام زكي، تصريحات "ترامب" صادمة، ولم يسبقه إليها أي رئيس أمريكي.

وأكد أنه رغم خطورتها ستتعامل الجامعة مع هذه التصريحات بهدوء، معتبرًا أن تلك التصريحات تطلق علامات استفهام أكثر مما تجيب عن أسئلة مطروحة، بحسب تصريحاته لقناة "الحدث العربية".

وأضاف أن الموقف العربي من التهجير ثابت ولم يتغير سابقًا أو مستقبلًا، فالأرض الفلسطينية للفلسطينيين، وقطاع غزة “لا يباع ولا يشترى”.

search