الرسوم الجمركية.. سلاح ترامب يُشعل حربا تجارية

بدأت إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تصعيدًا جديدًا في الحرب التجارية مع كبرى الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، حيث فرضت رسومًا جمركية إضافية على واردات من كندا والمكسيك والصين، في خطوة تهدد باندلاع نزاعات اقتصادية أوسع نطاقًا.

ووقع ترامب في مطلع الشهر الجاري، أمرًا تنفيذيًا بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على السلع المستوردة من كندا والمكسيك، و10% على الواردات من الصين. ورغم إيقاف تطبيقها مؤقتًا على كندا والمكسيك لمدة شهر، فإن تنفيذها لا يزال خيارًا مطروحًا في حال عدم استجابة البلدين لمطالب واشنطن.

ولم تقتصر تهديدات ترامب على هذه الدول، بل امتدت إلى أقرب الحلفاء مثل الاتحاد الأوروبي، إذ أكد أن المنتجات الأوروبية ستكون "قريبًا جدًا" مستهدفة بإجراءات جمركية مماثلة، قائلًا: “إنهم يستفيدون منا كما تعلمون، ولدينا عجز بقيمة 300 مليار دولار". 

ردود فعل غاضبة

جاء الرد الأوروبي سريعًا، حيث أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، أن الاتحاد الأوروبي سيرد بـ"حزم" حال فرض الولايات المتحدة تعريفات إضافية على منتجاته.

أما الصين، فردت بشكل فوري مع دخول الرسوم الأمريكية الجديدة حيز التنفيذ، حيث أعلنت التحقيق في قضية احتكار ضد شركة "جوجل"، كما فرضت رسومًا جمركية بنسبة 15% على الفحم والغاز الطبيعي المسال، و10% على النفط الخام والمعدات الزراعية والمركبات الثقيلة المستوردة من الولايات المتحدة.

وفرضت الصين قيودًا على تصدير مجموعة من المعادن الهامة، من بينها التنجستين والتيلوريوم والروثينيوم، في خطوة قد تؤثر على سلاسل التوريد العالمية.

وتعد كندا والمكسيك والصين من أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، إذ تعتمد واشنطن عليهم لتزويدها بمجموعة واسعة من المنتجات، بدءًا من السيارات والأدوية وصولًا إلى الإلكترونيات والصلب، وتشكل التجارة مع الدول الثلاثة نسبة كبيرة من إجمالي التبادل التجاري الأمريكي، ما يجعلها في صدارة قائمة الشركاء التجاريين لأميركا.

المكسيك في الصدارة

ووفقًا لبيانات مكتب الإحصاء الأمريكي، تحتل المكسيك المرتبة الأولى كأكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، حيث تستحوذ على 16% من إجمالي التجارة الأمريكية حتى سبتمبر 2024، ويعتمد اقتصاد واشنطن بشكل كبير على المنتجات القادمة من المكسيك، خاصة في قطاعات السيارات والمنتجات الزراعية والمعدات الصناعية.

أما كندا، فتأتي في المرتبة الثانية بنسبة 14% من إجمالي التجارة الأمريكية، بينما تحتل الصين المرتبة الثالثة بنسبة 11%، وتشكل الدول الثلاث أكثر من 40% من إجمالي التجارة الدولية للولايات المتحدة.

الولايات المتحدة والصين

رغم التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين خلال السنوات الماضية، تٌعد بكين أحد أكبر موردي البضائع للسوق الأمريكية، وتشير البيانات إلى أن الولايات المتحدة استوردت من الصين بضائع وسلعًا بقيمة 438.9 مليار دولار في 2024، مقارنة بـ426.9 مليار دولار في 2023، ما يعكس زيادة طفيفة في التبادل التجاري رغم استمرار التعريفات الجمركية التي فرضتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة.

وتتنوع واردات أمريكا من الصين، إذ تشمل الإلكترونيات الاستهلاكية، والمنسوجات، والمواد الكيميائية، والمعدات الكهربائية، إضافة إلى الأجهزة المنزلية والمنتجات الطبية، وتُعد الصين المزود الرئيسي للإلكترونيات لواشنطن، حيث بلغت قيمة واردات هذا القطاع وحدة 96 مليار دولار في 2023، وفقًا لمنصة "فيجوال كابيتاليست".

الصادرات الأمريكية إلى الصين

من ناحية أخرى، بلغت قيمة الصادرات الأمريكية إلى الصين 143.5 مليار دولار في 2024، انخفاضًا من 148 مليار دولار في 2023، وتتصدر الحبوب والبذور الزيتية القائمة، تليها النفط والغاز، والمنتجات التعليمية، والأدوية، وقطع غيار الطائرات.

ورغم إن الصادرات الأمريكية إلى الصين تغطي مجموعة واسعة من القطاعات، فإن العجز التجاري بين البلدين لا يزال كبيرًا، حيث بلغ 295.4 مليار دولار في 2024 لصالح الصين. 

ومع استمرار التعريفات الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب في ولايته الأولى وواصلها الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، تراجعت الفجوة التجارية بين البلدين مقارنة بعام 2018، عندما بلغ العجز التجاري مستوى قياسيًا عند 418 مليار دولار.

الولايات المتحدة والمكسيك

يُعد التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والمكسيك، أحد أهم الشراكات الاقتصادية العالمية، حيث يعتمد كل منهما على الآخر في تأمين السلع والخدمات الحيوية. 

وخلال السنوات الأخيرة، تصاعدت أهمية المكسيك كشريك تجاري رئيسي للولايات المتحدة، متجاوزة الصين وكندا في إجمالي حجم التجارة، بسبب الرغبة الأمريكية لتقليل الاعتماد على الصين والبحث عن بدائل أكثر استقرارًا وقربًا جغرافيًا.

الصادرات والواردات بين البلدين

بحسب بيانات مكتب الإحصاء الأمريكي، بلغت قيمة واردات الولايات المتحدة من المكسيك 505.8 مليارات دولار في 2024، بينما وصلت الصادرات إلى 334 مليار دولار، ليسجل إجمالي التبادل التجاري بين البلدين نحو 839.8 مليار دولار، لتكون المكسيك أكبر شريك تجاري لأمريكا للعام الثاني على التوالي، متفوقة على الصين التي كانت تتصدر القائمة لسنوات طويلة.

وفي 2023، اقترب إجمالي التجارة بين البلدين من 800 مليار دولار، بسبب السياسات الأمريكية التي تدفع نحو تنويع مصادر الاستيراد وتقليل الاعتماد على الصين، خاصة في ظل الأزمات التجارية بين البلدين.

التصنيع في المكسيك

واتجهت عدد من الشركات الأمريكية الكبرى إلى إنشاء مصانعها في المكسيك، نظرًا لانخفاض تكاليف العمالة، والتسهيلات الاستثمارية التي تقدمها الحكومة المكسيكية، ومن بين الشركات "فورد" و"جنرال موتورز"، التي جعلت من المكسيك مركزًا رئيسيًا لصناعة السيارات.

كما أن الاتفاقيات التجارية مثل اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا (USMCA) لعبت دورًا حاسمًا في تحفيز الشركات على الاستثمار في المكسيك، إذ تتيح تسهيلات جمركية وتقلل من التعريفات على السلع المنتجة داخل الدول الأعضاء، ما يجعل التصنيع في المكسيك خيارًا أكثر جاذبية من الناحية الاقتصادية.

العجز التجاري مع المكسيك

رغم إن الولايات المتحدة تُعد أكبر مصدر للسلع إلى المكسيك، فإن الميزان التجاري يميل بشكل كبير لصالح الأخيرة، حيث تضاعف منذ عام 2018 عندما سجل 78 مليار دولار، ليصل إلى 172 مليار دولار في 2024، وهو أعلى مستوى يسجله العجز التجاري بين البلدين على الإطلاق.

ويرجع العجز إلى ارتفاع الواردات الأمريكية من المكسيك بوتيرة أسرع من الصادرات، حيث تمثل المكسيك مركزًا صناعيًا للعديد من الشركات الأمريكية التي تفضل الإنتاج هناك ثم تصدير المنتجات إلى واشنطن بتكاليف منخفضة.

الولايات المتحدة وكندا

تعد الولايات المتحدة الشريك التجاري الأهم لكندا، حيث تشكل التجارة بين البلدين جزءًا كبيرًا من الاقتصاد الكندي، فمنذ سنوات طويلة، تعتمد كندا بشكل رئيسي على السوق الأمريكية لتصدير منتجاتها.

ووفقًا لمنصة "ستاتيستك كندا"، تجاوزت قيمة التجارة الثنائية بين الولايات المتحدة وكندا تريليون دولار عام 2024، للعام الثالث على التوالي، ما يعكس عمق العلاقات الاقتصادية بين البلدين.

ومثلت الولايات المتحدة الوجهة الأولى للصادرات الكندية، حيث استحوذت على 75.9% منها، ما يجعل السوق الأمريكية الشريك التجاري الأكثر أهمية لكندا، بينما شكلت الولايات المتحدة 62.2% من إجمالي واردات كندا، ما يعكس التداخل القوي بين الاقتصادين.

ويُعد قطاع الطاقة العنصر الأبرز في التجارة بين البلدين، حيث تُصدر كندا كميات ضخمة من منتجات الطاقة إلى الولايات المتحدة، ففي عام 2024، بلغت قيمة صادراتها من منتجات الطاقة 176.2 مليار دولار، وذهبت الغالبية العظمى منها إلى الولايات المتحدة.

وعلى الجانب الآخر، استوردت كندا منتجات طاقة بقيمة 39 مليار دولار في العام نفسه، معظمها من الولايات المتحدة، ما يعكس تبادلًا متوازنًا إلى حد ما في هذا القطاع الحيوي.

العجز التجاري مع كندا

ورغم إن التبادل التجاري بين البلدين متوازن إلى حد كبير، فإن كندا عادةً ما تحقق فائضًا في تجارة السلع مع الولايات المتحدة، ففي عام 2024، بلغ فائض تجارة السلع الكندية 102.3 مليار دولار، وهو أقل بقليل من الفائض المسجل في 2023، الذي بلغ 108.3 مليارات دولار.

وعند الجمع بين تجارة السلع والخدمات، سجلت كندا فائضًا تجاريًا إجماليًا بقيمة 94.4 مليار دولار مع الولايات المتحدة عام 2023، ما يعكس استمرار قوة العلاقات التجارية بين البلدين، ومن المتوقع أن يتم الكشف عن نتائج التجارة الكندية في الخدمات لعام 2024 في 27 فبراير 2025، وفقًا لبيانات "ستاتيستك كندا".