الخميس، 13 فبراير 2025

09:54 ص

أخمد حروبا في اللحظات الأخيرة.. كيف تتواصل واشنطن مع موسكو بـ"خط سري"؟

الخط الساخن

الخط الساخن

سيد مصطفى - محمد لطفي أبوعقيل

A .A

جرى اليوم أول اتصال هاتفي بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين، مما يعيد إلى الأذهان مرة أخرى أهمية التواصل بين واشنطن وموسكو، والدور الذي كان يلعبه الخط الساخن بين البلدين في ذلك.

ما هو الخط الساخن أو الهاتف الأحمر؟

لم يكن "الهاتف الأحمر" في الواقع هاتفًا حقيقيًا، بل كان عبارة عن آلة تلكس تُستخدم لإرسال رسائل مكتوبة بين البلدين خلال فترة الحرب الباردة، حيث كانت هذه التقنية تُعتبر متقدمة في ذلك الوقت.

 آلة تلكس

ووصف مقال في صحيفة “نيويورك تايمز” كيف يعمل نظام الخط الساخن، حيث كان الرئيس الأمريكي السابق، كينيدي، ينقل رسائله إلى البنتاجون عبر الهاتف، والتي كان يتم طباعتها على الفور في آلة تليجراف بواسطة مشغلين في وزارة الدفاع، ثم يتم تشفيرها وتوصيلها من جهاز إرسال، ويمكن أن تصل الرسالة إلى الكرملين في غضون دقائق، على عكس ساعات. 

وعلى الرغم من أنها بعيدة كل البعد عن الاتصال الفوري الذي أصبح ممكناً بفضل الهواتف المحمولة والبريد الإلكتروني اليوم، فإن التكنولوجيا التي تم تنفيذها في عام 1963 كانت تعتبر ثورية وأكثر موثوقية وأقل عرضة للتنصت من مكالمة هاتفية عادية عبر الأطلسي، والتي كان لا بد من ارتدادها بين عدة دول قبل أن تصل إلى الكرملين.

أكثر أمانًا من الهاتف التقليدي

وأوضح المؤرخ بيرند جراينر لموقع "دويتشه فيله" الألماني أن هذا النظام كان أكثر أمانًا من الهاتف التقليدي، إذ لم يكن من الممكن التنصت عليه، حيث أرادت الدولتان ضمان سرية اتصالاتهما، ومنع أي جهة أخرى من التجسس عليهما.

متى بدأ الخط الساخن

ترجع نشأة “الخط الساخن أو الهاتف الأحمر” في أعقاب الأزمة الكبرى في كوبا عام 1962، والتي كادت أن تعصف بحياة البشرية، حيث أوشك الطرفان على خوض حرب نووية حينها، لذلك برزت الحاجة إلى قنوات اتصال بين الجانبين، لمنع تكرار أزمة مماثلة، إثر اكتشاف الأولى نشر صواريخ نووية سوفيتية، بشكل سري على الأراضي الكوبية.

الهاتف الأحمر

- في عام 1954، طرحت الحكومة السوفيتية فكرة وجود خط اتصال مباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية، وفي 20 يونيو 1962، وقعت الدولتان اتفاقية ثنائية في جنيف تنص على إنشاء نظام اتصال مباشر بينهما للحد من خطر الحرب النووية.

وتم إرسال أول رسالة تجريبية عبر الخط الساخن من الولايات المتحدة، في 30 أغسطس 1963، شملت جميع الحروف الأبجدية والأرقام، وردت موسكو برسالة تحتوي على جميع أحرف الأبجدية الروسية.

وكانت أول رسالة رسمية عبر الخط الساخن بين ”موسكو- واشنطن” عام 1963 تتعلق باغتيال جون كينيدي الرئيس الأمريكي.

20 رسالة في حرب يونيو 1967

و5 يونيو1967، اندلعت الحرب بين الدول العربية وإسرائيل، وأرسلت موسكو نداء رسميا إلى الولايات المتحدة طلبت فيه توضيح موقفها من الصراع ومدى استعدادها لمنع الاشتباك بين الأسطولين الأمريكي والسوفيتي في البحر المتوسط.

وشهد ذلك اليوم إرسال 20 رسالة عبر الخط الساخن بصورة منعت الاشتباك بين القوتين النوويتين في منطقة النزاع.

و1973 خلال حرب 6 أكتوبر، لجأ الجانبان خلال ولاية ريتشارد نيسكون الرئيس الأمريكي، وليونيد بريجنيف الزعيم السوفييتي، إلى الخط للحيلولة دون وقوع نزاع بين القوتين العظمتين.

صورةأرشيفية-  الهاتف الأحمر أو الخط الساخن على موقع سبوتنيك الروسي

تطور الخط الساخن

في عام 1985 أصبح الخط الساخن يتضمن “فاكس”، إضافة إلى “التليجراف”، مما سمح لرونالد ريجان، الرئيس الأمريكي بتلقي رسالة مكتوبة بخط اليد من ميخائيل جورباتشوف، الرئيس السوفيتي.

ظل "الخط الساخن" بين موسكو وواشنطن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وفي 2007، حيث شهد تحديثا جديدا شمل أجهزة كمبيوتر خاصة وآلية لتبادل الرسائل عبر البريد الإلكتروني، وهو التحديث الذي تم تطبيقه بداية من 2008، وأصبحت هناك إمكانية لإيصال الرسائل في الوقت الفعلي دون تأخير.

وإضافة إلى ذلك، أصبحت هناك وسائل اتصال أخرى مباشرة بين موسكو وواشنطن أبرزها نظام الاتصال الصوتي المباشر "دي في إل"، ونظام الاتصال المباشر بين الحكومات “جي جي سي إل”، ومركز تقليل الخطر النووي “إن آر آر سي”، وخط الاتصال الخاص بالشؤون الخارجية "إف إيه إل".

أزمات حلها الخط الساخن

وأوضح موقع “المحادثة” الأمريكي، أنه قد استُخدِم الخط الساخن حوالي 18 مرة أثناء الحرب الباردة، وساعد ذلك في منع تحول الحروب الإقليمية، مثل الحرب الهندية الباكستانية في عام 1971 والحرب الأهلية اللبنانية في عام 1978، إلى حروب عالمية في مناسبات عديدة.

ولعب الخط الساخن دوراً مهما بشكل خاص في تجنب سوء التقدير نتيجة لسوء التفاهم خلال حرب عام 1967، حيث طمأن الرئيس الأمريكي جونسون رئيس الوزراء الروسي نيكولايفيتش كوسيجين بأن السفينة الحربية الأمريكية ليبرتي أغرقتها إسرائيل، وليس الاتحاد السوفييتي.

- وفي عام 1984، نجحت رسالة الخط  في تجنب التفسير الخاطئ لإطلاق صاروخ سوفييتي شاذ فوق بحر بارنتس باتجاه مدينة هامبورج الألمانية.

تطوير علاقة ريجان وجورباتشوف

وفي بعض الأحيان كان يتم استخدام جهاز مولينك بشكل مثمر خارج الأزمات، ومن الجدير بالذكر أنه في عام 1986، أرسل ميخائيل جورباتشوف رسالة مكتوبة بخط اليد طولها 15 صفحة إلى رونالد ريجان عبر هذا الجهاز. 

رمزية الخط الساخن

كشفت دارسة أعدتها إستر سيمون, في مجلة دراسات الأمن العالمي، أن الخط الساخن يؤدي لاستقرار الأزمات، حيث يثق القادة ببعضهم البعض، ولو مؤقتاً، عندما يتصلون ببعضهم، وهذه الوظيفةمفيدة بشكل خاص عندما يفشل القادة في بناء الثقة الشخصية فيما بينهم.

ويساعد الخط في إدارة الأزمات في قدرته على خلق تفاهم رمزي مشترك حول الشكل المرغوب للسلوك بالنسبة لكلا الطرفين أثناء تفاعلهما في الأزمة. 

وأوضح التقرير أن الخط له 3 مزايا أوله أنه خط الاتصال المباشر "في أوقات الطوارئ"، يظل محتوى تبادلات الخط الساخن خاصًا ومقتصرًا على الزعيم فقط، ويسمح  للقادة بتولي أدوار الثقة عندما لا تتوفر الثقة بين الدول أو الأشخاص.

search