الخميس، 19 سبتمبر 2024

08:29 م

"استمارة 6" لعنة القطاع الخاص.. هل يمزقها قانون العمل الجديد؟

عمّال

عمّال

أسامة حماد

A A

“استمارة 6”، ورقة سيئة السمعة، فالكثير من شركات القطاع الخاص تجبر المتقدمين إلى العمل فيها على توقيعها، وهي في الحقيقة ليست سوى استقالة على بياض، يحتفظ بها صاحب العمل لحين رغبته في الإطاحة بالموظف، من دون أن يتحمل أي مسؤولية قانونية.. فهل يقضي قانون العمل الجديد الذي يناقش البرلمان مشروعه حاليًا، على هذه الورقة التي يصفها الكثير من العمال بأ"الاستمارة الملعونة"؟!

حالات كثيرة مرت بهذه التجربة المأساوية، فقد فيها العديد من العاملين بشركات القطاع الخاص وظائفهم، بسبب توقيعهم المسبق على “استمارة 6”، ومن بينهم خالد (57 عامًا)، الذي قال لـ"تليجراف مصر"، “أنا عامل بسيط، حصلت على فرصة تعيين في إحدى الشركات قبل 27 عامًا، ومؤخرًا حدثت مشكلة مع صاحب الشركة، حين طلبت منه إجازة لظرف طارئ عندي، فرفض، وبعد مشادة كلامية معه، وافق بشرط أن أوقع له على ورقة”.

وأوضح خالد أنه يجهل القراءة والكتابة، لذا فقد وقّع على الورقة التي لم يكن يعلم أنها “استمارة 6”، وفوجئ بعد عودته من الإجازة أنه “مستقيل بإرادته” وفي نفس الوقت دون علمه!

أظلمت الدنيا في وجه خالد، فتوجه إلى مكتب العمل، لرفع قضية ضد الشركة، وأحيلت القضية إلى المحكمة، لكنّ المحامي الخاص به طلب منه شهودًا لإثبات الواقعة، إلا أن زملاءه رفضوا مساندته خوفًا أن يلقوا المصير ذاته، ويطردهم صاحب العمل.

ويحتل القطاع الخاص نصيب الأسد من حجم العمالة في مصر، فوفق تقرير صادر في 2020 عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن عدد العاملين بالقطاع الخاص، بشقيه الرسمي وغير الرسمي، يبلغ 12.6 مليون مشتغل.

ونسبة كبيرة من العاملين في هذا القطاع يوقعون على “استمارة 6” ضمن أوراق التعيين، ليتمكّن صاحب العمل من إنهاء التعاقد معهم من دون تحمل أي تكاليف أو تعويضات، وكذا التهرب من أي مسؤولية قانونية.

استمارة 6
استمارة  6

وتشير تقديرات غير رسمية إلى وجود مئات الآلاف من ضحايا “استمارة 6” في مصر، ما فتح أبواب الأسئلة عن مستقبل ملايين العمّال في القطاع الخاص، والبحث عن حلول لمشكلاتهم في قانون العمل الجديد، لترسيخ مبدأ الأمان الوظيفي أسوة بالقطاع الحكومي.

سلب حقوق العمال

المنسق العام بالخدمات النقابية والعمّالية، كمال عباس، قال "إن (استمارة 6) يوقع عليها العامل وقت خروجه عن العمل، سواء بقرار فصل أو تركه العمل بإرادته أو الوصول إلى سن المعاش، وتنص الاستمارة على أنه ترك العمل بإرادته وحصل على كل حقوقه المنصوص عليها بالقانون، لكن المشكلة في بعض المؤسسات الخاصة التي تجبر العمّال على توقيع هذه الاستمارة، لضمان أحقيتها بالقانون في الإطاحة بالعامل من المؤسسة في أي وقت دون منحه حقوقه".

المنسق العام بالخدمات النقابية والعمالية، كمال عباس

شرط "استمارة 6"

وأوضح كمال عباس لـ"تليجراف مصر"، أن الحركة العمالية طالبت بتقييد “استمارة 6”، واستجاب المشرّع لذلك بمشروع قانون العمل الجديد، وجعل هذه الاستمارة غير معترف بها، إلا إذا تم توقيعها وتسجيلها في مكتب العمل.

وتابع “تعد وزارة القوى العاملة نقاشًا داخليًا للخروج بمشروع قانون لعرضه على (الحوار الوطني) تمهيدًا لمناقشته لاحقًا في البرلمان”.

مشكلات مشروع القانون

المنسق العام بالخدمات النقابية والعمالية، قال إن مشروع قانون العمل الجديد يقضي على الأمان الوظيفي بالنسبة إلى العامل، ويشبه القانون الحالي (في المواد الخاصة بالتعاقد)، ففي الوقت الذي سيسعى إلى معالجة مشكلة "استمارة 6"، فإنه سينطوي على مشكلة أخرى، كونه يمنح صاحب العمل الحق في الإطاحة بالعامل شريطة أن يبلغة بقرار الفصل قبل شهر على أن يمنحة أجر شهرين نظير كل سنة قضاها بالعمل.

انتقاص لقيمة العلاوة

وانتقد انتقاص قيمة العلاوة السنوية الدورية في مشروع القانون الجديد، حيث إنها تقدّر في القانون الحالي بـ7%، وفي المشروع الجديد 3% فقط على الأجر التأميني.

بند الإضراب

وبحسب عباس، فإن المشروع الجديد لم يحرز أي تقدم في بند الإضراب، إذ يحتوي على مواد تتيح الإضراب، لكنه وضع قيودًا شديدة على ممارسة ذلك الحق الذي كفله القانون المنظم للعمل، بالتالي يعرض العمال للفصل.

علاقة متوازنة

من جانبها، تقول أمين سر لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، ألفت المزلاوي، إن قانون العمل الجديد حريص على وضع علاقة متوازنة بين العامل وصاحب العمل تضمن اطمئنان العامل بعدم وجود ظاهرة “استمارة 6” ليشعر بالاستقرار وأن لا أحد يستطيع أن يتخذ ضده أي إجراءات من شأنها الإطاحة به خارج منظومة العمل.

ألفت المزلاوي

الأمان إسوة بالقطاع الحكومي

وأوضحت عضو مجلس النواب أن قانون العمل الجديد يهدف إلى توفير نوع من الأمان للعامل أسوة بالقطاع الحكومي، إضافة إلى مراعاة إجراءات الأمن والسلامة وإنشاء مجلس أعلى للتدريب يتم تمويله من كبرى مؤسسات العمل.

وأشارت إلى أن “استمارة 6” كانت ظاهرة رائجة في العهد القديم، وحاليًا أصبح في مكتب العمل خط ساخن لتلقي شكاوى العمّال، وتتحرك الوزارة والمديريات بالمحافظات فور تلقي أي شكوى من العمال، وتم عودة الكثير من العمال في أكثر من مصنع، موضحةً أن الفترة المقبلة ستشهد انحيازًا تامًا للعامل المصري الذي يؤدي عمله بأكمل وجه.

تثقيف العامل

واستكملت “نحتاج إلى تثقيف العامل بمعرفة الجهات التي يقدم بها الشكوى، حال إجباره من قبل صاحب العمل على التوقيع على استمارة الاستقالة، حيث يوجد مكتب عمل ومديرية القوى العاملة وخط ساخن، وأكثر من جهة تستعد دائمًا لتلقي المشكلة ومعالجتها والرد عليها في أقرب وقت”.

وأشارت إلى أن القانون يفرض عقوبات على أصحاب العمل الذين يجبرون العامل على توقيع “استمارة 6”،  بأن يتم البحث في الشكوى وتوقيع عقوبة قد تصل إلى إغلاق المنشأة أو تقديمه للمحكمة الاقتصادية التي تتصاعد عقوبتها بحسب الجرم.

عمّال في إحدى الشركات

ضمان حقوق العمال

فيما قال مقرر مساعد لجنة النقابات والعمل الأهلي بالحوار الوطني، مجدي البدوي، إن مشكلة “استمارة 6” من أهم الموضوعات التي نحتاج إلى النظر إليها في قانون العمل الجديد.

وأضاف أنه سيتم خلال جلسات لجنة النقابات والعمل الأهلي مراعاة ضمان حقوق العمال من خلال المطالبة بعمل محكمة عمالية ومركز جديد للوساطة والتحكيم.

مجدي البدوي 

وتابع “سيتم النظر إلى أن تكون مسألة الأمان الوظيفي بالنسبة للعاملين في القطاع الخاص هي فلسفة قانون العمل الجديد، إضافة إلى تطوير موقف العمالة غير المنتظمة والنظر إلى مسألة العقود، والزيادة والحد الأدنى للأجور”.

استقالة مسبقة

عرف المحامي أيمن محفوظ "استمارة 6"، بأنها استمارة يلزم القانون صاحب العمل بتقديمها للتأمينات أو الجهات الحكومية لإثبات إنهاء خدمة العامل، لافتًا إلى أن أصحاب الأعمال حاليًا يشترطون ضمن أوراق تعيين العامل التوقيع على استقالة مسبقه وعلى “استمارة 6” قبل استلام العمل لإمكانية التخلص من العامل في أي وقت دون إعطائه أي حقوق.

وأوضح محفوظ أنه طبقًا لنص المادة 119 من قانون العمل، فأنه لا يعتد باستقالة العامل إلا إذا كانت مكتوبة، وللعامل المستقيل أن يعدل عن استقالته كتابة خلال أسبوع من تاريخ إخطار صاحب العمل للعامل بقبول الاستقالة، وفى هذه الحالة تعتبر الاستقالة كأن لم تكن.

أيمن محفوظ

كما نصت المادة 121 من ذات القانون على أن “للعامل الحق في إنهاء العقد إذا أخل صاحب العمل بالتزام من التزاماته الجوهرية الناشئة عن القانون أو عقد العمل الفردي أو الجماعي أو لائحة النظام الأساسي للمنشأة أو إذا وقع على العامل أو أحد ذويه اعتداء من صاحب العمل أو ممن يمثله، ويعتبر الإنهاء في هذه الحالات بمثابة إنهاء للعقد من جانب صاحب العمل بغير مبرر مشروع”.

العقوبة القانونية

وأشار إلى أن العامل يستطيع مواجهة ظلم أصحاب العمل من خلال تحرير محضر إثبات حاله بديوان القسم شارحًا فيه توقيعه على استقالة مسبقه و"استمارة 6" وتوجيه اتهام لصاحب العمل بخيانة الائتمان وهي جريمة معاقب عليها بالحبس لمدة 3 سنوات طبقًا لنص المادة 340 عقوبات إن ثبت ذلك، ثم التوجه إلى مكتب العمل لتقديم شكوى ضد صاحب العمل مع توجيه إنذار رسمي لصاحب العمل بالرجوع عن الاستقالة.
وأضاف محفوظ “قد يكون هناك حلول جذرية في تعديلات قانون العمل والتي تناقش في البرلمان حاليًا، تنهي تلك الظاهرة التي عزف الشباب بسببها عن سوق العمل بسبب طمع أصحاب الأعمال”.

عمال بإحدى الشركات
search