"انتهى الدرس".. ترامب يصحح مواقفه: "مجرد توصية مستر سيسي"

منذ عودة  الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تبنى خطة مثيرة لاقتلاع الشعب الفلسطيني من قطاع غزة وتهجيره إلى مصر والأردن أو لدول أخرى، دون وضع أي اعتبارات للقانون الدولي والإنساني، لكنه على عكس توقعاته، اصطدم بحائط صلب تمثل في الموقف مصري قوي أجبره على إعادة حساباته.

مخطط ترامب للتهجير

لم تمر سوى 5 أيام فقط من الولاية الثانية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حتى صرح في يوم 25 يناير 2025 بأنه
يتعين على الأردن ومصر أن يستقبلا الفلسطينيين من غزة، ليتم تفريغ القطاع من السكان بدعوى أنه لم يعد يصلح للحياة وأن الفلسطينيين لا يشعرون فيه بالأمان.

بعد يومين فقط من تصريحاته الأولى أطلق كلمات استفزازية في يوم 27 يناير قائلًا: “أعتقد أن الرئيس المصري سيفعل ذلك، وأعتقد أن ملك الأردن سيفعل ذلك أيضا، نفعل الكثير من أجل مصر والأردن وعليهم القبول بأي شيء نطلبه”.

موقف واضح للسيسي: ظلم لن نشارك

منذ اللحظة الأولى، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي موقفًا واضحًا وحاسمًا، أن أمن غزة من أمن مصر، وأن محاولات تهجير الفلسطينيين مرفوضة تمامًا.

"ظلم لن نشارك فيه"، بهذه الكلمات أكد الرئيس السيسي رفضه التام لمخطط ترامب بتهجير الفلسطينيين، من قطاع غزة، فأثناء لقائه الرئيس الكيني يوم الأربعاء 29 يناير، بقصر الاتحادية، أكد ضرورة السماح باستئناف نفاذ المساعدات الإنسانيية الكاملة للفلسطينيين في غزة، وإيجاد تسوية مستدامة للقضية الفلسطينية من خلال إقامة الدولة الفلسطينية على خطوط الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.

وأشار الرئيس السيسي إلى أن الشعب المصري من الممكن أن يخرج للشوارع لرفض التهجير وينادي بعدم المشاركة في الظلم، متابعا: "ترحيل وتهجير الشعب الفلسطيني هو ظلم لا يمكن أن نشارك فيه".

كما أرسلت مصر ردودا واضحة بأن سيناء ليست خيارًا لتصفية القضية الفلسطينية، مؤكدة أن قواتها المسلحة لن تسمح بأي اختراق للحدود أو فرض واقع جديد يتعارض أمنها القومي.

ترويج ترامب للمخطط المشبوه

حاول ترامب الترويج لخطته، وخرج مرة أخرى في يوم 4 فبراير  ليجدد تصريحاته المثيرة حول تهجير سكان غزة، قائلا: “أعتقد أنهم (أهل غزة) يجب أن يحصلوا على قطعة أرض جيدة وجديدة وجميلة، ويتعين أن نطلب من بعض الأشخاص أن يتبرعوا بالأموال اللازمة لبنائها”.

وأضاف: “ستسيطر الولايات المتحدة على قطاع غزة.. سنمتلكه وسنكون مسؤولين عن تفكيك كل القنابل غير المنفجرة الخطيرة والأسلحة الأخرى الموجودة في الموقع”، ليظهر في اليوم التالي 5 فبراير قائلًا: "سنمتلك غزة ونحولها إلى ريفييرا" الشرق الأوسط".

ترامب: غزة ستكون لنا

وفي يوم 10 من فبراير ذاته، أكد ترامب في تصريحات له أن الفلسطينيين لن يكون لهم حق العودة إلى غزة، قبل أن يتحدث في اليوم التالي: “ستكون غزة لنا، لا مبرر للشراء، لا يوجد شيء للشراء، إنها غزة، إنها منطقة مزقتها الحرب، سنأخذها، سنحتفظ بها، سنعتني بها”.

رد قاس دون تصريحات

وعقب لقاء العاهل الأردني الرئيس ترامب في البيت الأبيض وحديث الأخير عن مخطط التهجير كان الرد الأقوى من الرئيس السيسي دون التصريح بأي كلمات بأن أعلنت مصر أن السيسي لن يزور البيت الأبيض إذا كان جدول الأعمال سيتضمن مناقشات حول مستقبل قطاع غزة، وتم تأجيل زيارته للولايات المتحدة لأجل غير مسمى.

قمة عربية

كما قادت مصر تحركات مكثفة لإقناع الدول العربية والإسلامية بتوحيد موقفها ضد مخطط تصفية القضية الفلسطينية، وأعلنت عقد قمة عربية يوم 4 مارس المقبل للتعبير عن الرفض التام للمخطط الأمريكي.

ولم يتوقف الأمر عند التصدي للمخطط التهجير بل وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي بالعمل على إعادة إعمار قطاع غزة من خلال إدخال معدات لرفع ركام الحرب، وحشد دولي لوضع خطة لإعمار القطاع بمشاركة الأشقاء العرب وبعض الدول.

وفي الأربعاء الماضي 19 فبراير، خلال لقاء الرئيس السيسي بئيس الحكومة الإسبانية "بيدرو سانشيز" في مدريد، أكد  ضرورة التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار، واستمرار تبادل الرهائن والأسرى، ودخول المساعدات الإنسانية اللازمة، لإنقاذ أهالى غزة من الأوضاع المأساوية التى يعانون منها. 

وأشار الرئيس السيسي إلى أنه تم التوافق على دعم المجتمع الدولى، وتبنيه خطة إعادة إعمار قطاع غزة، دون تهجير الشعب الفلسطينى، وأضاف: “وأكرر دون تهجير الشعب الفلسطينى من أرضه التى يتمسك بها، ووطنه الذى لا يقبل التفريط فيه، وبما يضمن البدء الفورى فى عمليات الإغاثة والتعافى المبكر”.

وبعد زيارة الرئيس السيسي لإسبانيا توجه إلى العاصمة السعودية الرياض، أمس الخميس للمشاركة في اجتماع غير رسمي حول القضية الفلسطينية، وذلك بمشاركة قادة كل من؛ السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين والأردن.

ترامب مهزوم أمام الصمود المصري

وعقب إعلان عودة الرئيس السيسي من الرياض إلى أرض لوطن اليوم الجمعة بدا الرئيس الأمريكي مترنحا ووجد نفسه أمام مأزق كبير وضع فيه نفسه، ليظهر اليوم متراجعا يجر أذيل الخيبة أمام الموقف الصامد بتصريحات هدفها فقط حفظ ماء الوجه، مدعيا أن خطته كانت مجرد توصية. 

وقال ترامب في مقابلة مع “فوكس نيوز”: "فوجئت بعدم ترحيب مصر والأردن بالخطة التي طرحتها بشأن غزة، وهي خطة للتوصية وليست إلزامية"، وهو اعتراف صريح بأن الموقف المصري شكل عائقًا رئيسيًا أمام أجندته في المنطقة.

مصر الرقم الصعب في المعادلة

وقالت وكيل لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الدكتورة سما سليمان، إن تراجع ترامب أثبت أن مصر بقيادة السيسي تمثل الرقم الصعب في معادلة الشرق الأوسط، وأن أي محاولات أمريكية أو إسرائيلية لتجاوز دورها محكوم عليها بالفشل، فبينما حاول ترامب فرض واقع جديد في غزة، كان الموقف المصري الصلب هو العامل  الأهم في إحباط هذه المخططات.

وأضافت سليمان، خلال تصريحات لـ “تليجراف مصر”، أن الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي استطاعت أن تتصدى لمخطط التهجير منذ البداية حيث تبنت موقفا واضحا وثابتا برفض التهجير.

وتابعت أن تصريحات ترامب بالتراجع عن مخطط التهجير بمثابة اعتراف بأنه كان مخطئا في تقديره للموقف في غزة، ويعكس صلابة الموقف المصري تجاه هذه الخطة  غير المدروسة.

صلابة الموقف المصري

وأشارت عضو مجلس الشيوخ إلى أن حديث الرئيس السيسي عن رفض التهجير كان يحمل القوة والصلابة وأن موقف الدولة المصرية لن يقبل التراجع أو الانكسار، لافتة إلى أن مصر تمكنت من الحشد العربي والعالمي ضد تهجير الفلسطينيين.

وتابعت أن زيارات العديد من المسؤولين الأمريكيين للشرق الأوسط، نقلت للرئيس ترامب الموقف المصري والعربي من التهجير مما جعله يتراجع عن فكرة التهجير.

وأوضحت وكيل خارجية الشيوخ أن اللقاء الأخوي في الرياض والقمة العربية المرتقبة سيكون لهما ثأثير قوي في موقف ترامب في التعامل مع الشرق الأوسط.