الإثنين، 24 فبراير 2025

07:28 ص

تصرفات أحادية وتوترات مستمرة.. كيف تفاعلت مصر مع مستجدات سد النهضة؟

سد النهضة

سد النهضة

محمد لطفي أبوعقيل - هدير يوسف

A .A

شهدت العاصمة الإثيوبية أديس أبابا اجتماعًا وزاريًا لمبادرة حوض النيل، تلاه حدث "يوم النيل"، الذي يُعقد سنويًا احتفاءً بتأسيس المبادرة عام 1999. 

غير أن الاجتماع لم يخلُ من الجدل، خاصة بعد رفض مصر إدراج زيارة لسد النهضة ضمن جدول الأعمال، معتبرة أن السد أُقيم وأُدير بشكل أحادي، في انتهاك للقانون الدولي واتفاق إعلان المبادئ الموقع عام 2015.

اجتماع بلا أجندة واضحة

أوضح أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة عباس شراقي، أن مشاركة وزير الري المصري هاني سويلم جاءت لحضور اجتماع دول حوض النيل بمناسبة "يوم النيل"، وهو اجتماع سنوي يعقد في 22 فبراير، إلا أن الاجتماع لم يكن له أجندة محددة أو مواضيع للتشاور حولها، بل كان أقرب إلى احتفال سنوي أكثر منه لقاءً لمناقشة قضايا جوهرية.

وأضاف شراقي لـ"تليجراف مصر" أن الاجتماع لم يشهد حضورًا كاملاً لوزراء الري من دول الحوض، حيث تغيّب سبعة وزراء من أصل 11 دولة، واكتفت بعض الدول بتمثيلها عبر سفرائها أو مسؤولين آخرين. 

ونتيجة لذلك، لم يتطرق الاجتماع إلى قرارات رسمية أو تصويت على قضايا محددة، مما جعله أقرب إلى لقاء بروتوكولي.

سد النهضة في قلب الخلاف

لم يكن جدول الاجتماع يتضمن زيارة سد النهضة، لكن وزير الري الإثيوبي استغل الفرصة لدعوة المشاركين – سواء وزراء أو سفراء – لزيارة السد، معتبرًا أنه إنجاز قومي لإثيوبيا يستحق العرض أمام الوفود الدولية.

غير أن مصر رفضت بشكل قاطع إدراج الزيارة ضمن البرنامج الرسمي، حيث أكدت أن السد بُني بقرار أحادي دون تنسيق مع دول المصب، ولا يزال يشكل محورًا للخلاف بين القاهرة وأديس أبابا.

وأشار شراقي إلى أن وزير الري المصري لم يكن في موقف مناسب لحضور الزيارة، لأنه لم يكن هناك أي توافق مسبق أو اتفاقية واضحة بشأن السد، وبالتالي فإن مثل هذه الزيارة كانت ستُفسَّر سياسيًا على أنها اعتراف مصري ضمني بالمشروع.

تحركات مصرية بين ضبط النفس والتصعيد

أكد وزير الري المصري، خلال الاجتماع، أن مصر تحلت بضبط النفس طوال 14 عامًا، على أمل التوصل إلى اتفاق يضمن تنسيق تشغيل السد وإدارته. إلا أن الجانب الإثيوبي استمر في التحركات الأحادية، وهو ما زاد من تعقيد الملف.

وأشار شراقي إلى أن مصر لا تزال تفضل الحلول الدبلوماسية، لكنها لن تقبل بأي إجراء يمس حقوقها المائية. 

ولفت إلى أن مصر سبق أن أرسلت وزير ري سابقًا ضمن لجنة ثلاثية مع السودان وإثيوبيا لمعاينة السد، إلا أن تلك الزيارة أثارت انتقادات واسعة، ما جعل الحكومة المصرية أكثر حذرًا في التعامل مع دعوات مماثلة.

 أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، عباس شراقي

زيارة فنية أم دعوة سياحية؟

أوضح خبراء في العلاقات الدولية أن أي زيارة لسد النهضة ينبغي أن تكون زيارة فنية بحتة، تُركّز على تقييم الوضع من منظور هندسي وليس بروتوكوليًا أو سياحيًا.

وفي هذا السياق، وصف شراقي الدعوة الإثيوبية بأنها كانت "جولة سياحية" أكثر منها زيارة رسمية، قائلًا: "زيارة سد النهضة يجب أن تكون جزءًا من تقييم هندسي، وليس بروتوكولًا ضمن احتفال سنوي".

وأضاف أن وزير الري الإثيوبي كان سعيدًا بدعوة المشاركين إلى جولة بالقوارب في بحيرة السد، لكن لا يمكن لأي مسؤول مصري القبول بمثل هذه الزيارات، نظرًا لحساسية الموقف والخلافات المستمرة.

السد بلغ سعته القصوى.. فما الخطوة القادمة؟

مع وصول سد النهضة إلى سعته القصوى، ستجد إثيوبيا نفسها مضطرة إلى بدء تفريغ المياه المخزنة مع بداية موسم الأمطار المقبل في يوليو. 

ووفقًا لشراقي، فإن هذا الوضع قد يؤدي إلى تغيرات في تدفقات المياه باتجاه دول المصب، مما يستدعي تنسيقًا دقيقًا لتفادي أي تأثير سلبي على مصر والسودان.

إلا أن إثيوبيا لا تزال تمارس سياسات أحادية، ما يزيد المخاوف من إجراءات غير مدروسة قد تؤثر على إمدادات المياه في دول المصب.

انتهاك القانون الدولي.. وإصرار إثيوبي على التفرد

من جانبه، أكد خبير العلاقات الدولية، الدكتور طارق البرديسي، أن إثيوبيا انتهكت القانون الدولي من خلال تصرفاتها الأحادية في بناء وتشغيل السد، مشيرًا إلى أنها تعاملت مع نهر النيل وكأنه ملكية خاصة، رغم أنه نهر دولي مشترك.

خبير العلاقات الدولية، الدكتور طارق البرديسي

وأوضح البرديسي أن إثيوبيا لم تتشاور مع مصر حول قضايا فنية جوهرية، مثل:

  • مدة التخزين
  • كيفية الملء والتفريغ
  • إجراءات التعامل مع فترات الجفاف

وشدد على أن هذه النقاط الفنية كان يجب أن تكون محل تفاوض واتفاق، لكنها لم تُناقش بالشكل المطلوب، مما أدى إلى تصاعد الأزمة.

مصر تتمسك بحقوقها المائية

أكد وزير الموارد المائية والري، الدكتور هاني سويلم، خلال الاجتماع، رفض مصر القاطع لإدراج زيارة سد النهضة ضمن فعاليات "يوم النيل"، مشيرًا إلى أن السد أُنشئ وأُدير بشكل أحادي، في انتهاك لاتفاق إعلان المبادئ الموقع عام 2015.

وشدد الوزير المصري على أن نهر النيل هو شريان حياة لكل دول الحوض، مؤكدًا أن مصر لن تقبل بأي إجراء يهدد أمنها المائي. 

كما أشار إلى أن القاهرة علّقت مشاركتها في أنشطة مبادرة حوض النيل منذ عام 2010، احتجاجًا على تجاوز مبدأ الإجماع في اتخاذ القرارات، مما أدى إلى زيادة الخلافات بين دول الحوض وإضعاف التعاون الإقليمي.

توتر مستمر رغم المساعي الدبلوماسية

رغم مشاركة مصر في اجتماع حوض النيل، إلا أن موقفها ظل ثابتًا تجاه رفض أي إجراءات أحادية تتعلق بسد النهضة. 

وبينما تحاول القاهرة التمسك بالدبلوماسية، فإن الواقع يشير إلى أن الملف لا يزال معقدًا، خاصة مع اقتراب موسم الأمطار وامتلاء السد الإثيوبي، ما قد يدفع جميع الأطراف إلى مرحلة جديدة من التفاوض أو التصعيد.

search