الخميس، 19 سبتمبر 2024

07:56 م

ميزان التعويم.. الرابحون والخاسرون

الجنيه المصري يعوم

الجنيه المصري يعوم

ولاء عدلان

A A

قرار تحريك سعر الصرف "خفض قيمة الجنيه"، بات قاب قوسين أو أدنى، وسط توقعات للمؤسسات المالية بأن يتراوح السعر الرسمي للدولار بين 36.8 جنيهًا و45 جنيهًا للدولار الواحد.. لكن لماذا تقدم الدولة على خفض قيمة الجنيه وهل من خسائر قد تتكبدها نتيجة لهذا القرار؟ 
قال الخبير الاقتصادي معتصم الشهيدي، إن قرار تحريك سعر الصرف بات ضرورة لتضييق الفجوة الآخذة في الاتساع بين السعر الرسمي البالغ 30.8 جنيه للدولار وسعر السوق الموازية الذي تجاوز الـ70 جنيهًا للدولار خلال الأيام الماضية، وبالتبعية استعادة استقرار الأسعار في الأسواق تدريجيًا. 

 

للتعويم مكاسب 

أضاف الشهيدي أن الاقتصاد المصري في حاجة ماسة ليس فقط لتحريك سعر الصرف، إنما للتعويم الكلي للوصول بسعر الدولار إلى مستوياته في السوق الموازية، مشيرًا إلى أن التعويم الكلي يعني أن نترك سعر الصرف يتحرك وفق العرض والطلب. 
وتابع أنه بالتوازي مع صدور قرار التعويم لابد أن يرفع البنك المركزي أسعار الفائدة، بما لا يقل عن 7%، وأن تتوافر لديه حصيلة دولارية تتراوح بين 15 و25 مليار دولار، لتعزيز قدرته على الدفاع عن قيمة الجنيه حال تعرضه لمضاربات عنيفة في أعقاب قرار التعويم. 
واستطرد أن قرار التعويم سيجلب العديد من المكاسب للاقتصاد، أبرزها القضاء على السوق الموازية وتعزيز الحصيلة الدولارية في البنوك وارتفاع تحويلات المصريين بالخارج، وتعزيز تنافسية الصادرات وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية وتوفير العملة الصعبة اللازمة لدعم قطاعات مهمة مثل الصناعة، الأمر الذي يسهم بالتبعية في تحسين معدلات النمو الاقتصادي والتصنيف الائتماني للدولة. 


خسائر التعويم

وأشارالشهيدي إلى أن هذا لا يعني أن التعويم يمكن أن يمر دون آثار سلبية، فمثل هذه القرارات غالبًا يتبعها موجة تضخمية قوية، الأمر الذي يضر كثيرًا بمحدودي ومتوسطي الدخل في المجتمع.

أوضح أنه بالنسبة للتضخم، فمن المتوقع أنه حال تحرك الدولة باتجاه التعويم الكلي، أن يرتفع بشدة لفترة قصيرة فقط، مع حقيقة أن التضخم الراهن سببه الرئيسي أزمة نقص الدولار وما جلبته من ارتفاعات لتكاليف الإنتاج والاستيراد. 
واستطرد أنه بالنسبة للفئات الأكثر هشاشة، فيمكن للحكومة التدخل عبر إقرار حزم حماية اجتماعية، تشمل زيادات للأجور والمرتبات والمعاشات وغيرها لمساعدة هذه الفئات على تحمل معدلات التضخم المرتفعة. 
يخالفه الرأي مدير مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية، الدكتور خالد الشافعي، قائلًا إنه لا توجد حزمة حماية اجتماعية قادرة على امتصاص الموجة التضخمية التي سيحدثها قرار التعويم الكلي.
وأضاف أن تحريك سعر الصرف “أي خفض قيمة الجنيه بنسبة محددة من المركزي” سيكون أيضًا من شأنه تعقيد المشهد الاقتصادي أكثر، ودفع الأسعار إلى مستويات قياسية دون القضاء على السوق الموازية للدولار، منوهًا إلى أن الدولة سبق وأن خفضت قيمة العملة بواقع 3 مرات خلال العامين الماضيين، وما نراه اليوم سواء من مضاربات في السوق السوداء أو ارتفاعات في الأسعار، هو نتاج لهذه السياسات النقدية والمالية "الخاطئة" على حد وصفه. 

احد الاسواق المصرية


السوق السوداء

وتابع الشافعي، أن الاقتصاد اليوم ليس في حاجة للتعويم بقدر ما هو في حاجة لتفعيل القوانين التي تجرم ممارسات السوق الموازية للدولار، وتشديد الرقابة على الأسواق وللضرب بيد من حديد على كل من يخالف القوانين ويتلاعب في الأسعار، إضافة إلى توجيه الدعم للقطاعات المُدرة للدولار وليس للاستيراد من الخارج، وفي مقدمة هذه القطاعات الصناعة، باعتبارها ركيزة أساسية للتنمية الاقتصادية ولتعزيز الصادرات. 
حذر أستاذ اقتصاديات التمويل بجامعة القاهرة حسن الصادي، من خفض قيمة الجنيه رسميًا، حيث سيقابله ارتفاعًا في سعر الدولار في السوق السوداء، مضيفًا أن حل الأزمة الراهنة يتطلب القضاء على هذه السوق من خلال تفعيل القوانين التي تجرم تعاملاتها، فضلًا عن ضرورة الاتجاه لخفض فاتورة الاستيراد من الخارج، وتعزيز الإنتاج المحلي وتنمية الصادرات. 
وفق قوانين البنك المركزي يعاقب كل من يتعامل في النقد الأجنبي خارج البنوك المعتمدة أو الجهات المرخص لها ذلك بالسجن مدة تتراوح بين 3 و10  سنوات، وغرامة مالية لا تقل عن مليون ولا تتجاوز 5 ملايين جنيه، أو بمصادرة المبلغ المالي محل الجريمة أيهما أكبر. 
 

سيدة مصرية تعبر أمام أحد مكاتب الصرافة 

خطوات ضرورية 

من جانبه، أشار رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية الخبير الاقتصادي الدكتور عادل عامر إلى أن الارتفاعات القياسية التي تشهدها غالبية السلع حاليًا لن تهدأ قبل تحريك سعر الصرف وحل أزمة نقص الدولار.
وأوضح أن الأزمة الحالية تتطلب العمل على مسارات عدة، فإلى جانب تحريك سعر الصرف يجب أن تخفض الحكومة فاتورة الاستيراد بما لا يقل عن 25% وتدعم الصادرات، التي تسهم بأكثر من 40% من حصيلة الدولة الدولارية، ومن المتوقع أن تستفيد من خفض قيمة العملة، هذا فضلًا عن ضرورة ترشيد الإنفاق الحكومي والتوسع في اتفاقيات مبادلة العملات مع الشركاء التجاريين. 
مطلع هذا العام، كشفت وثيقة صادرة عن صندوق النقد الدولي، عن تقديراتها لتسجيل سعر صرف الجنيه مقابل الدولار متوسط  36.83 جنيه خلال الفترة 2024 -2028، وفي المقابل تشير تقديرات مؤسسات مثل فيتش سوليوشنز ووكالة موديز وبنك "اتش اس بي سي"، إلى تراجع الجنيه رسميًا إلى مستويات تتراوح بين 40 و45 جنيهًا للدولار، ليضاف هذا لتراجعه خلال العام الماضي بـ25% وفي 2022 بنحو 60%.

search