خطأ تاريخي في "جودر 2".. ماذا حدث للوزير على رقعة الشطرنج؟

وقع صناع مسلسل “جودر 2” في خطأ تاريخي خلال الحلقة الثانية من المسلسل، وهو المشهد الذي جمع كلًا من “شهريار” الذي يجسد دوره الفنان ياسر جلال، وشهرزاد التي تلعب دورها النجمة ياسمين رئيس، وهما يقومان بلعب الشطرنج.

مشهد لعب الشطرنج في مسلسل جودر 2

بدأ المشهد بقيام شهريار بلعب الشطرنج مع زوجته، وانصب حديث شهريار على تعرض “الملك” في اللعبة للأخطار، لترد عليه شهرزاد بأنهم كرجال يبخسون حق الملكة رغم أنها تتحرك بحرية عن الملك.

يباغتها شهريار بجوابه بأن تلك القطعة تُسمى “الوزير” وليست “الملكة”، لتنتهي اللعبة بفوز شهرزاد، التي استغلت انشغال شهريار في الحديث معها.

لعبة الشطرنج ذُكرت في بعض قصص "ألف ليلة وليلة"، حيث كانت لعبة مشهورة في العالم الإسلامي ومنذ العصور الوسطى.

الشطرنج الإسلامي يختلف عن المستخدم في المسلسل

يختلف الشطرنج الإسلامي عن الذي استخدمه أبطال المسلسل في المشهد، حيث يُسمّى "الشطرنج العربي"، وام تكن قطعه مزيّنة بأشكال بشرية أو حيوانية، بل كانت بسيطة، وفقًا لتعاليم الإسلام التي تمنع التصاوير. وهو ما لم يظهر في مشهد لعب الشطرنج في المسلسل، بل ظهر شطرنج غربي.

الخطأ الثاني: الوزير يتحرك خطوة واحدة

ثاني الأخطاء التي وقع فيها صناع المسلسل بخصوص الشطرنج، ما جاء على لسان الفنانة ياسمين رئيس من أن قطعة “الوزير” تتحرك بحرية في رقعة الشطرنج عكس الملك الذي يتحرك حركة واحدة، ولكن الحقيقة أن القوانين كانت تختلف قليلًا عن الشطرنج الحديث، لأن الوزير كان يتحرك مربعًا واحدًا فقط قطريًا.

كيف دخل الشطرنج في العصر الإسلامي

دخل الشطرنج إلى العالم الإسلامي في القرن السابع الميلادي بعد الفتح الإسلامي لبلاد فارس، وانتشر سريعًا بين الخلفاء والعلماء والقادة، وكان يُنظر إليه على أنه لعبة تعكس الذكاء والتخطيط الاستراتيجي، لذلك لاقى اهتمامًا كبيرًا في قصور الخلفاء والسلاطين.

أبرز من لعب الشطرنج في العصر الإسلامي

كان  الخلفاء العباسيون من محبي الشطرنج، ومنهم الخليفة هارون الرشيد (حكم 786-809م)، الذي كان من عشّاق الشطرنج، وقيل إنه كان يلعب مع أقوى اللاعبين في عصره، وكان لديه لاعب شطرنج خاص به يُدعى العباس بن الفرات، وكان من أمهر اللاعبين في بغداد.

كما كان الخليفة المأمون (حكم 813-833م) مولعًا بالشطرنج ويشجّع علماء الرياضيات على تحليل استراتيجياته، وكان يُقيم مباريات شطرنج في قصره ويستضيف أفضل اللاعبين من بلاد فارس والهند.

بينما ذكر أن الخليفة المعتصم (حكم 833-842م)، كان يفضل الشطرنج على الألعاب الأخرى، وكان يرى فيه تمرينًا للعقل.

العلماء والمفكرون الذين اهتموا بالشطرنج

لم يخلُ محبو رياضة الشطرنج من العلماء المسلمين، ومنهم العالم الفارسي البيروني (973-1048م)، الذي كتب عن أصول الشطرنج وتاريخه في الهند وبلاد فارس، وأشار إلى تأثير الشطرنج على التفكير الرياضي والمنطقي.

بينما كتب  العالم العربي علي بن يحيى المنجِّم،  أقدم تحليل استراتيجي للعبة الشطرنج في التاريخ الإسلامي، وأشار إلى كيفية استخدام اللعبة في التدريب على التفكير التكتيكي. كما كتب العالم الأندلسي الزهراوي عن فوائد الشطرنج في تحسين الذكاء والتركيز.

أشهر لاعبي الشطرنج في العصر الإسلامي

كان أشهر لاعب هو  إبراهيم الصولي (توفي 946م)، وهو أعظم لاعب شطرنج في التاريخ الإسلامي، وكتب كتابًا عن استراتيجيات الشطرنج، وكان مستشارًا للخلفاء العباسيين في اللعبة، ويليه أبو بكر الصولي (880-946م)، والذي كتب "كتاب الشطرنج"، وهو من أقدم الكتب حول اللعبة، وكان يُعتبر أستاذًا كبيرًا في زمانه وكان له تأثير في نشر استراتيجيات اللعبة. 

كما برع في الشطرنج عدي بن زيد العبادي، وهو شاعر ولاعب شطرنج بارع، اشتهر بمبارزاته الفكرية والشطرنجية في بغداد.

الشطرنج في ألف ليلة وليلة

يظهر الشطرنج في العديد من قصص ألف ليلة وليلة التي تنتمي لها قصة جودر المصري،  كرمز للحكمة والتخطيط، وأحيانًا كوسيلة للملوك والأمراء لتمضية الوقت والتنافس بذكاء. في بعض الروايات، يُستخدم الشطرنج حتى في سياقات رمزية تعكس صراعات القوة والمكائد السياسية.

في بعض القصص، يظهر الشطرنج كتشبيه لصراعات القصر، حيث يُستخدم للتعبير عن المناورات السياسية والمكائد بين الشخصيات، كأن كل قطعة على الرقعة تمثل شخصية تلعب دورًا في الصراع على السلطة.

في العديد من القصص، يُذكر أن الملوك والوزراء والأمراء يلعبون الشطرنج كوسيلة للترفيه، وفي بعض الأحيان تكون المباريات ذات رهانات عالية، ما يضفي عنصر التشويق على القصة.

أبرز قصص الشطرنج في حكايات “ألف ليلة”

حكاية الوزير الذكي والملك

في بعض النسخ، يظهر وزير بارع في الشطرنج يُثبت حكمته من خلال اللعبة أمام الملك. من خلال استراتيجيته في اللعب، يُقنع الملك أنه قادر على إدارة شؤون الدولة بنفس الدهاء، ما يعكس كيف أن السياسة تتطلب التخطيط والمناورة كما في الشطرنج.

 حكاية الملك وأبنائه الثلاثة

في هذه القصة، يتنافس أبناء الملك على العرش، ويُستخدم الشطرنج كرمز للصراع بينهم، حيث يحاول كل منهم التفوق على الآخر ليس فقط في اللعبة، ولكن في دهاء الحكم وإدارة الدولة.

حكاية الملكة المحتالة والوزير الحكيم

في هذه القصة، تُستخدم لعبة الشطرنج كاستعارة لمكائد القصر، حيث تحاول الملكة إقصاء الوزير الحكيم من منصبه، لكنه ينجو بفضل ذكائه واستراتيجيته، تمامًا كما يفكر لاعب الشطرنج في خطواته بعناية لتجنب الهزيمة.

حكاية الأمير الذي هزم ملكًا في الشطرنج لكسب حريته

في إحدى الحكايات، يُؤسر أمير من قِبل ملك عدو، لكنه يعرض على الملك أن يواجهه في مباراة شطرنج، ويشترط أن يتم الإفراج عنه إذا فاز.

من خلال ذكائه واستراتيجيته في اللعب، يتمكّن الأمير من هزيمة الملك، ما يرمز إلى أن الدهاء في السياسة أهم من القوة العسكرية وحدها.