الإثنين، 10 مارس 2025

03:28 ص

يوم الشهيد.. تاريخ ارتسم بدماء عبدالمنعم رياض

الفريق عبدالمنعم رياض

الفريق عبدالمنعم رياض

تحيي مصر اليوم ذكرى يوم الشهيد، إذ تقيم القوات المسلحة احتفالية كبرى في التاسع من مارس كل عام، احتفاءً بهؤلاء الأبطال الذين ضحوا بأرواحهم فداءً لوطنهم الغالي، وبالبطل المصري الفريق عبدالمنعم رياض الذي استشهد في مثل هذا اليوم.

وبقى الشهيد الفريق أول عبدالمنعم رياض خالدًا في صفحات التاريخ المصري، وفي قلوب الشعب، منذ استشهاده على جبهة القتال، وفي الصفوف الأولى بين رجاله، ليكون مثالًا عاليًا في التضحية والقيادة.

الفريق عبدالمنعم رياض 

حياة الشهيد عبدالمنعم رياض العسكرية

بدأ الشهيد عبدالمنعم رياض، مشواره العسكري في السادس من أكتوبر عام 1936، بعدما قرر أن يغادر “الطب”، بعد دراسة استمرت عامين دراسيين، فكانت الكلية الحربية التي وقف على بابها هي أسمى ما يؤمن به، إذ كان يحتذي بوالده قائد بلوكات الطلبة في الكلية الحربية، الفريق محمد رياض عبدالله.

ووفقًا لما كُتب عنه في الكتاب النادر الصادر من قِبل "إدارة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة"، فقد نشأت ملامح القيادة لدى الفريق عبدالمنعم رياض، منذ أن كان طالبًا في “الكلية الحربية”، التي استطاع فيها أن يصل إلى أعلى الرتب رغم مرور وقت قصير على التحاقه، فنال رتبة “الباشجاويش” لترتيبه الثاني بالكلية.

الفريق عبدالمنعم رياض 

تعيين الملازم ثان عبدالمنعم رياض

وقد تخرج البطل عبدالمنعم رياض في الكلية الحربية في الحادي والعشرين من فبراير عام 1938، بحصوله على رتبة “ملازم ثان”، وحينذاك وصف من قِبل تقرير كبير معلمي الكلية، والذي جاء فيه، أنه طالب جيد جدًا من جميع الوجوه، وأنه يمكن الاعتماد عليه ويبذل كل جهوده، ليبدأ بعدها في تولي المناصب العسكرية.

وعين الملازم ثان عبدالمنعم رياض بإحدى “بطاريات المدفعية المضادة للطائرات”، أثناء الحرب العالمية الثانية، حينذاك أثبت مهاراته ومقدرته الفائقة، إذ قدم خير مثال في القيادة، فكان يعرف أفراد البطارية كلهم بالاسم، وكذلك مشاركهم في الطعام والاستماع إلى مشكلاتهم، الأمر الذي  جعل مجموعته من أكفأ المجموعات.

واشتركت مجموعته الكفاءة في المشروع الأول لضرب النار، التي قامت به “المدفعية البريطانية” عام 1939، حينها انبهر الإنجليز بمستوى المصريين الفائق وقائدهم، فكان رجال عبدالمنعم الوحيدين الذين أصابوا الهدف المقطور من اليوم الأول للضرب، ومن الطلقة الثالثة، بينما فشلت البطاريات البريطانية في إصابة الهدف نفسه لمدة 15 يومًا متصلة.

الشهادات التي حصل عليها عبدالمنعم رياض

لم يكتفِ الفريق عبدالمنعم رياض بحصوله على رتبة "ملازم ثان"، فبعد تخرجه في الكلية الحربية بـ 6 سنوات، نال شهادة الماجستير في العلوم العسكرية من كلية أركان الحرب في ديسمبر من عام 1944، وحينها كان “الأول” على دفعته، ليتم بعدها بعامين دراسته كمعلم مدفعية مضادة للطائرات في “مدرسة المدفعية البريطانية المضادة للطائرات” في "مانوبير"، وكذلك مدرسة المدفعية في "لاركهيل"، بتقدير هو “امتياز”.

الفريق عبدالمنعم رياض 

الوساطة لا تعرف إليه سبيل

كان الشهيد عبدالمنعم رياض لا يستخدم الوساطة في حياته، فقد ذكر كتاب “القوات المسلحة عنه”، قصته مع الوساطة التي حدثت في عام 1950، حينذاك كان برتبة "بكباشي"، وعلى الرغم من الوساطة التي كانت منتشرة وقتها في القوات المسلحة، إلا أنه رفض وبشدة الضغوط الشديدة التي كانت من إدارة المدرسة لإنجاح ابنًا لأحد كبار الضباط في ذلك الوقت، ورسب في الامتحان النهائي للفرقة التعليمية.

ونتيجة لموقفه في الرفض، قررت الإدارة وقتها تحت ضغط التدخلات العليا، تخفيض نسبة النجاح من 50% إلى 40% حتى ينجح الطالب غير المجد، ولكنه لم يسكت عن هذا التصرف إذ قال: "لقد استخدموا حقهم في تحديد نسب النجاح، وسأستخدم حقي في كتابة تقريري عن هذا الضابط"، فقد كتب عنه أنه غير صالح للخدمة بالقوات المسلحة، ورغم أنه مر فترة طويلة إلا أن هذا الضابط حوكم وأحيل للتقاعد بسبب عدم صلاحيته.

كما رُوي موقف آخر من مواقف الفريق عبدالمنعم رياض عندما كان رئيسًا للأركان، حيث جاء إليه أحد قادته السابقين ومعه قريب له، إذ جلس القائد القديم صامتًا باديًا عليه الحرج، ليروي قريبه مشكلته التي مفادها انتدابه للعمل بإحدى الدول العربية، وهو مسؤول عن أسرة بها شقيق مريض بداء عضال وله ابن ضابط في الميدان، لترجى نقل ابنه إلى القاهرة ليرعى شؤون والده المريض.

ووصف عبدالمنعم رياض هذا الطلب بـ “العمل المشين”، حيث رفض بأدب طلب قريب الرجل، إذ قال إنه لا يمكنه السماح لضابط بأن ينقل من الميدان، حتى وإن وجدت المبررات، ولكنه سيقوم بإرسال لجنة من الأطباء لعلاج والد الضابط الذي يخدم في الميدان.

بطولات البطل عبدالمنعم رياض

كان البطل عبدالمنعم رياض يردد كلمات يؤمن بها ويطبقها على نفسه بإخلاص وهي: “إذا حاربنا حرب القادة في المكاتب بالقاهرة فالهزيمة محققة، إن مكان القادة الصحيح وسط جنودهم، وأقرب إلى المقدمة منهم إلى المؤخرة”.

فقد كان للضربة الجوية البريطانية الفرنسية، تأثيرًا مدمرًا على طائرات الجيش المصري، خلال الساعات الأولى للقتال، وذلك أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ما جعله يدرك حينها عندما كان برتبة  "قائم مقام" في المدفعية المضادة للطائرات، أنه ليس هناك وقت للبقاء بين جدران المكتب، ليبدأ في التحرك من مطار “الماظة” إلى “غرب القاهرة”، ومن ثم إلى مطارات “القناة”.

الأمر الذي أحيا الأمل بين الجنود والضباط، إذ وجدوا قائدهم في الصفوف الأولى، فقد تصرف كواحد منهم، ويصدر الأوامر لحضور النجدة من العربات، من أجل جر المدافع وتوزيع المياه والطعام، كما أنه لم يغادر المطارات إلا بعد أن يطمئن على بدء الإخلاء.

استشهاد الفريق عبدالمنعم رياض

وبعد مرور نحو 13 عامًا على هذه الحرب المجيدة، كرر البطل الشهيد عبدالمنعم رياض، الموقف نفسه، في اليوم التاسع  من مارس عام 1969 حينما قرر الذهاب لخطوط القتال الأمامية، لا يهمه احتمالات الخطر، التي كانت موجودة نظرًا للخسائر الفادحة التي تكبدها العدو في اليوم السابق على يد أبطال الجيش المصري من وحدات المشاة.

ورغم اقتراح قائد الجيش في تمام الساعة الواحدة والنصف ظهرًا، زيارة إحدى وحدات المدفعية، حينما طلب منه البطل عبدالمنعم أن يحدد له وحدة فرعية يقومان بزيارتها، إلا أنه مازحه بأنه يفضل زيارة إحدى وحدات المشاة التي اشتركت في اشتباكات اليوم السابق، حتى لا يبدو متعصبًا للمدفعية.

وقال قائد الجيش، إن وحدات المشاة جميعها التي يريد رياض زيارتها تقع على الخط في مواجهة العدو مباشرة، إذ أنها تحت سمعة وبصره، ولكنه أصر على موقفه، ودار الحوار بين  الفريق عبدالمنعم رياض وأحد الضباط وفقًا لكتاب الجيش كالآتي:

  • أحد الضباط: إلى أين تريد أن تتوجه سيادتك؟
  • القائد عبد المنعم رياض: إلى أي موقع أمامي.
  • أحد الضباط: أمامنا أكثر من موقع.
  • القائد عبد المنعم رياض: إذن نزور أكثرها تقدما في الأمام.

والموقع  الأمامي الأكثر تقدمًا كان أقرب المواقع المصرية إلى الضفة الشرقية المحتلة من قناة السويس، حينذاك صافح الفريق عبدالمنعم الجنود ومازحهم، كما طلب منهم كوبًا من الشاي، وقال إنهم سيدوسون العدو بأقدامهم.

وفارق البطل الشهيد عبدالمنعم رياض الحياة في حوالي الساعة الساعة الثالثة و40 دقيقة، نتيجة هجوم العدو، إذ انهالت النيران فجأة على الموقع، ورغم أنه اتخذ مكانه في خندق قريب ليتابع سير المعركة، وكذلك يشارك في توجيه النيران، مع قائد الجيش الذي كان جانبه في الحفرة نفسها، إلا أنه لم ينجو من رصاص العدو الغادر.

search