الأربعاء، 02 أبريل 2025

09:25 ص

عبد الرحمن ناصر
A A

هل كان يجب أن يتدخل السيد الرئيس بنفسه؟

كما هو حال كل الشعب المصري، نحن ننتظر الشهر المبارك على أحرّ من الجمر. شهرٌ معظمٌ بكل ما فيه، وها هو ما إن يحلّ علينا حتى يغادرنا سريعًا.

كنتُ صغيرًا حينها، أنتظر مسلسل بكار، قصص الأنبياء، فطوطة، وفوازير نيللي وشريهان، كنت أستمع أيضًا إلى الإذاعة، وأتابع فوازيرها على موجات البرنامج العام، بالإضافة إلى ابتهالات فضيلة الشيخ نصر الدين طوبار، لم أكن وحدي، بل كانت العائلة كلها تنتظر دون خوف من ملل أو خجل، إذ لم يكن هناك مشهد جارح أو لفظ خارج قد يفاجئنا.

ثم جاءت دراما رمضان، وفي قريتنا آنذاك لم يكن لدينا ذلك الطبق العجيب الذي يُدعى "الدش"، ولا ذلك الجهاز المريب المعروف بـ"الريسيفر". 

كانت المسلسلات حينها يغلب عليها الطابع الديني أو القصص الشعبية مثل السيرة الهلالية والبحار مندي، إلى جانب المسلسلات الوطنية كـفارس بلا جواد وغيره.

أما الدراما التلفزيونية بوجه عام، خارج الشهر الفضيل، فقد كانت تزخر بأعمال خالدة مثل ليالي الحلمية، المال والبنون، الوتد، وفارس بلا جواد، أعمالٌ كتبها عظماء كخيري شلبي وأسامة أنور عكاشة، وأخرجها مبدعون كانوا يعرفون جيدًا ماذا يفعلون، وإلى أين تتجه رسائلهم.

لكن في السنوات الخمس الأخيرة، فوجئنا بحالة من الجنون في الدراما، وانتشار برامج المقالب التي لم تعد "كاميرا خفية" بقدر ما أصبحت كاميرا فجة وسطحية، وأعتقد أن بعد العم إبراهيم نصر، لم نرَ شيئًا أروع.

في لقاء السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي الأخير، لاحظتُ أن الرجل يدرك كل صغيرة وكبيرة تحدث في الشارع المصري، بل ويشعر برفض المواطن البسيط لهذا النوع من "الترفيه" الذي لا يتماشى مع عاداته وتقاليده وقيمه الأخلاقية والدينية.

بالطبع، لا أعمّم، فهناك بعض الأعمال الجيدة، لكنها نادرة. الغالبية العظمى من الأعمال الدرامية اليوم تجارية بحتة، تسعى فقط لجمع أكبر قدر من الإعلانات والأموال، ولو كان ذلك على حساب تربية مجتمع بأسره، لن أذكر أسماء، فليس محمد سامي وزوجته وحدهما مسؤولين عن انحدار الذوق العام، بل يشاركه في ذلك كتاب "المقاولات"، وأبطال الأعمال، وصناع السينما والدراما، والقنوات التي تتكالب على شراء هذه الأعمال الخالية من أي هدف أو مضمون.

جاءت معظم الأعمال الدرامية هذا العام بنفس "الخلطة الموبوءة": بطل خارق، يهدد أمن المجتمع، مدّعٍ للفضيلة، يضرب الحارة بأكملها، يسبّ ويلعن منافسيه، ولا ينسى شتمهم بالأب والأم، أو إطلاق تلميحات جنسية، ثم يدخل السجن لفترة، ليخرج بعدها ويدمر كراسي المقهى، ويحارب بالأسلحة البيضاء والخرطوش.

ولا ننسى أنه يتقن اللعب بمطواة "قرن غزال"، ويتاجر بالسلاح، ويتبول في "رابسو"، وفي النهاية يخرج النار من فمه!

لكن السيد الرئيس انتبه إلى هذه المهزلة قبل أي جهة رقابية مسؤولة، ووجّه رسالة قوية وواضحة عندما دعم الفنان سامح حسين وبرنامجه المتواضع ماديًا، لكنه الغني أخلاقيًا، ليؤكد للجميع أن "وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".

عندها، رأينا الجميع فجأة يتبرأ من المخرج محمد سامي، وكأنه الشيطان الأعظم، رغم أنهم كانوا بالأمس يتهافتون عليه طلبًا لدور في أحد أعماله.

وبدأت الأقلام تنهال عليه بالانتقاد واللعن، حتى وصل الأمر بالبعض إلى التدخل في حياته الشخصية، وكأنهم لم يكونوا يرون هذا الانحدار بالأمس، والآن فقط أصبحوا مبصرين!

بالطبع، لا أدافع عن محمد سامي أو عن أعماله الفقيرة أخلاقيًا والمتدنية أدبيًا، لكن السؤال الأهم: هل كان الأمر بحاجة لتدخل السيد الرئيس بنفسه؟

يجب أن تعمل كل الجهات والمؤسسات المعنية إلى جانب فخامة الرئيس لإصلاح هذا الوضع.. دمتم بخير.

search