الأحد، 13 أبريل 2025

10:38 ص

شيرين وحيد
A A

بيت قديم

هناك بيوت لا تغلق أبوابها حتى حين نغادرها.
نخرج ونترك خلفنا أحذيتنا القديمة، كوبًا نسيناه في المطبخ، ستائر تحركها الرياح… ونظن أننا رحلنا.

لكن الحقيقة؟
أننا نعود مرارًا دون أن ندري.. نعود كلما اشتقنا، كلما نامت الذكريات، ثم صحت على صوت باب يُفتح من بعيد.

في ذلك البيت القديم…
كل شيء ما زال في مكانه، لكنّه لم يعد كما كان.

الظل الذي كان لنا وحدنا، صار مأوى للغبار، والضحكات المعلّقة على الجدران أصبحت باهتة، كأنها تعبَت من الانتظار.

في البيوت القديمة، لا نسكن الجدران، بل يسكننا الحنين.
كنتُ أمرّ من أمامه كثيرًا، دون أن أرفع رأسي. مجرد بيت قديم على ناصية الطريق.
جدرانه مُتعبة، شرفاته كأنها تتنفس بصعوبة، ونوافذه مغلقة منذ زمن.
لكنه اليوم استوقفني.
لا أعلم لماذا، لكنني شعرت فجأة أنني أعرفه… أو ربما كان يعرفني.
كأننا تقابلنا من قبل في حلم قديم أو ذكرى باهتة.
تقدّمت خطواتي نحوه بتردد، ووقفت أمام بابه الخشبي المشروخ.
لمستُ الباب بيدي، فشعرت بخشونة الزمان في ملمسه.
في صدري، ارتجفت ذكرة لطفلة كانت تجلس على السلم، تأكل قطعة كعك قديمة في صباح الجمعة.
ضحكتها تتردد في جدران السلم، ورائحة الشاي بالنعناع تطل من نافذة المطبخ.
في إحدى الغرف، كانت هناك أم تُغني لطفلها ليرتاح، وأب يراقب من بعيد بابتسامة.
وفي غرفة أخرى، دموع قديمة لا تزال تبتل بها الوسائد، وهمسات فُراق طُبعت على الحيطان.
البيت ليس من حجر فقط… بل من حنين. من وجعٍ دافئ يشبه حضنًا غاب فجأة.
خرجتُ وأنا أخطو على أطيافٍ منّي.  
قلت في سري:  
"نحن لا نترك الأماكن… بل نترك أجزاءً من أرواحنا تسكنها،  
فتصبح البيوت القديمة مقابر ناعمة للحنين."

search