الجمعة، 22 نوفمبر 2024

02:26 ص

مصر وصندوق النقد.. 46 عاما من "القبول المشروط"

مديونية مصر لصندوق النقد- تعبيرية

مديونية مصر لصندوق النقد- تعبيرية

A A

"تعاون متميز".. هكذا وصفت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجييفا، في كلمتين اثنتين، علاقة المؤسسة الدولية مع مصر، مؤكدة في لقاء مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على هامش قمة "كوب 28" بالإمارات في ديسمبر الماضي، حرصها على مواصلة التعاون مع القاهرة، والرغبة في تحسين المؤشرات الكلية للاقتصاد المصري.

علاقة مصر والصندوق بدأت عام 1945، عقب إعلان تأسيس الصندوق مباشرة وتوقيع اتفاقية "بريتون وودز"، التي أسست للاقتصاد العالمي حتى اليوم، ورغم ما تشهده تلك العلاقة المبكرة من شدّ وجذب، بلغ إجمالي ما اقترضته القاهرة من الصندوق حتى اليوم 22 مليار دولار تقريبًا.

محافظ البنك المركزي المصري ومديرة صندوق النقد الدولي 

عجز مالي

رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، رشاد عبده، يقول لـ“ تليجراف مصر” إن صندوق النقد لا يتدخل لتمويل أي دولة إلا إذا كان هناك خلل مالي ناتج عن سياسات معينة. 

وأضاف أن الصندوق في بدايته كان يضع شروطًا قاسيةً لتمويل الدول، لكنها أحدثت كوارث فجة في بعض الحالات كحالة الأرجنتين، ما دفع الصندوق بعدها إلى تغيير تلك السياسة “ظاهريًا” على الأقل.

وأضاف أن الصندوق أصبح يطلب من الدولة المقترضة تقديم برنامج إصلاح اقتصادي، إذا توافق مع سياسته يوافق على قيمة القرض، وإذا لم يتوافق تبدأ المفاوضات وتطول أو تقصر حسب قدرة الدولة على تنفيذ طلبات الصندوق.

 مخاوف توريط 

“عبده” يرى أن مصر في كل مرة تلجأ للاستدانة من صندوق النقد، يكون الهدف فيها إصلاح خلل مالي ما، أو العبور من أزمة معينة، إلا أنه ليس معيارًا واضحًا، ففي  بعض الأحيان "يورط الصندوق أو يغرق" الدول بشروط يضعها وفق مصالح الدول المساهمين فيه ضمانًا لحقوقهم، ومنها تخفيض قيمة عملة أو رفع الدعم عن المحروقات تحديدًا.

ويتابع أن الصندوق يتعامل بما يسمى القروض الدوارة، وبالتالي يحتاج لضمانات قوية لاسترجاع أمواله، حتى يستطيع إقراض دول أخرى، لذلك لا يصرف قيمة القرض بشكل كامل إلا إذا قام ببعض المراجعات التي تضمن له أن مصر أو غيرها من الدول تسير على خطة الإصلاح المتفق عليها.

شهادة ثقة 

يوضح أستاذ التمويل والاستثمار، الدكتور مصطفى بدرة، أن مصر تلجأ للحصول على قرض من الصندوق النقد، أولًا كونها تحتاج إلى تمويل عاجل، إضافة إلى أن موافقة الصندوق على برنامج القرض يعتبر شهادة ثقة دولية للمستثمرين الأجانب، تؤكد صمود الاقتصاد المصري وجدية الحكومة في علاج خلل الموازنة العامة.

كما أشار إلى أن شروط صندوق النقد الصعبة تشكل تحديًا كبيرًا أمام متخذي القرار السياسي، لذلك نلاحظ دائمًا علاقة “شد وجذب” بين مصر والصندوق خلال التعاملات على مدار السنوات الماضية، إلا أن باب الاقتراض فتح على مصراعيه منذ عام 2011.

وفد الحكومة المصرية لصندوق النقد الدولي 

 

التصنيف الائتماني

“بدرة” قال أيضًا إن الفترة الأخيرة وما شهدته من أحداث عالمية منذ بداية جائحة كورونا وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، أثرت على جميع اقتصادات العالم، لتضع الصندوق أمام خيارات تمويلية محدودة، ومن الطبيعي أن يفضل إقراض الدول ذات التصنيف الائتماني المستقر.

“أمام هذا تحتاج مصر إلى تغيير بعض السياسات الاقتصادية، وإعادة النظر في ملف الدعم وبعض الأمور الأخرى التي تمس المجتمع، للوفاء بمتطلبات الصندوق".. يؤكد أستاذ التمويل والاستثمار.

محطات وعثرات

في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، توصلت مصر لاتفاقية ضخمة في ذلك الوقت مع الصندوق لاقتراض 185.7 مليون دولار، إلا أن الاتفاق تعثر مع اندلاع تظاهرات 17 و18 يناير 1977.

وبين عامي 1991 و1993، حصلت مصر على قرض بقيمة 375.2 مليون دولار لسد عجز الحساب التجاري، وتراجع المنح والتسهيلات الخارجية، ما أثار الشكوك حول قدرة القاهرة على الوفاء بالتزاماتها وخدمة ديونها، خصوصا في ظل أزمة العملة الصعبة وقتها وعودة المصريين العاملين في الخليج.

أما في الفترة من 1993 إلى 1996 منح الصندوق أيضًا مصر قرضًا جديدًا بقيمة 640.3 مليون دولار، ليبلغ إجمالي التمويلات الممنوحة لمصر في التسعينيات نحو 1.015 مليار دولار لم تحصل منها مصر إلا على 235.6 مليون دولار فقط.

ومنذ نهاية عام 1998، اقتصر تعاون مصر مع الصندوق على المشاورات والمساعدات الفنية، حتى لجوء القاهرة مجددًا للاقتراض، وقت حكم الإخوان المسلمين في الفترة من يونيو 2012 حتى منتصف 2013. إذ اتفقت مصر والصندوق على قرض بقيمة 4.8 مليار دولار، لكن لم يتم الاتفاق النهائي بسبب الأوضاع السياسية غير المستقرة.

اتفاقية بريتون وودز

بعدها وفي عام 2016 حصلت مصر على قرض بقيمة 12 مليار دولار من الصندوق، في إطار برنامج إصلاح اقتصادي هيكلي، اضطرت الحكومة بموجبه إلى تخفيض قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار لأكثر من مرة، حتى وصل حاليًا إلى أكثر من 30 جنيهًا للدولار الواحد في السوق الرسمية، واقترب من 50 جنيهًا في السوق الموازية.

وفي عام 2020 حصلت مصر على قرض جديد بقيمة 8 مليارات دولار، بعد تعثر الإصلاحات الهيكلية منذ عام 2011 حتى 2019، بالإضافة إلى أزمة جائحة كورونا "كوفيد 19"، وما تبعها من تداعيات اقتصادية.

وفي محطة جديدة، تقدمت مصر ببرنامج جديد للإصلاح الاقتصادي للصندوق في إطار رغبتها في الحصول على 3 مليارات دولار، حصلت بعدها فعلًا على 347 مليون دولار في ديسمبر 2022، بعد مناقشات استمرت قرابة عام كامل، على أن تحصل على القيمة الإجمالية على مدار 4 سنوات، بدفعات متساوية تخضع لمراجعات دورية، لكن حتى الآن لم تنجز أي من هذه المراجعات.

انفراجة قريبة

حمل هذا الشهر العديد من الإشارات على انفراجة قريبة في ملف قرض الصندوق، فبحسب تصريحات مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق الدكتور جهاد أزعور، بعثة الصندوق تحضر حاليًا بالتعاون مع القاهرة لإتمام المراجعتين المتأخرتين. 

وأضاف أزعور خلال مقابلة مع قناة العربية نشرت في 4 يناير الجاري، أن الاقتصاد المصري واجه خلال العام الماضي تحديات إضافية قد تتطلب تمويلا إضافيا، في إشارة جديدة على احتمالات زيادة قيمة القرض لأكثر من 3 مليارات دولار . 

ورجح الخبير المصرفي محمد بدرة أن يرفع الصندوق قيمة القرض إلى 5 أو 7 مليارات دولار، وسط إيجابية المناقشات بين الحكومة وبعثة الصندوق. 

وضمن جهود الحكومة المصرية لحسم ملف قرض الصندوق، التقى وزير المالية محمد معيط، ووزيرة التعاون الدولي رانيا المشاط ومحافظ البنك المركزي حسن عبد الله أمس الثلاثاء مع مديرة صندوق النقد كريستالينا غورغييفا ووزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين في واشنطن. 

ولم تصدر تفاصيل عن مضمون اللقاءات، لكن وزارة الخزانة الأمريكية قالت في بيان إنها حريصة على دعم برنامج الإصلاح الاقتصادي في مصر والاطلاع على خطط  المسؤولين المصريين لمعالجة التحديات الراهنة.

search