السبت، 19 أبريل 2025

02:13 م

حلفاء ترامب ينفضّون.. بكين تستقطب أصدقاء واشنطن

حرب فرض الهيمنة بين الصين وأمريكا

حرب فرض الهيمنة بين الصين وأمريكا

في عام 1999، وصف وزير الخارجية الفرنسي آنذاك، هوبير فيدرين، الولايات المتحدة بأنها القوة الأعظم في التاريخ، ليس فقط بفضل تفوقها العسكري وهيمنتها الاقتصادية، بل أيضًا بسبب نفوذها الثقافي الذي تجسد في ما أسماه بـ"القوة الناعمة"، لكن هذه اللحظة من الهيمنة لم تدم طويلًا.

وكشفت حرب العراق في عام 2003 حدود قدرة الولايات المتحدة على فرض سياساتها عالميًا، بينما أماطت الأزمة المالية لعام 2008 اللثام عن هشاشة النظام الاقتصادي الأمريكي. 

ورغم محاولات التعافي، فإن الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة الرئيس دونالد ترامب زادت الأمور تعقيدًا، حسبما ذكر تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال.

ترامب يخسر الحلفاء ويُضعف القوة الناعمة.. والصين تنتهز اللحظة

في ظل قيادة ترامب، شهدت العلاقات الأمريكية بالحلفاء التقليديين توترًا غير مسبوق، إذ شنّ حربًا تجارية مفتوحة، وقلّص المساعدات الخارجية، وألغى برامج دعم رئيسية كانت تُعتبر أدوات فعالة للقوة الناعمة الأمريكية، وهو ما وصفه مراقبون بأنه تفكيك ذاتي للنظام الذي أسسته واشنطن بعد الحرب العالمية الثانية.

في المقابل، تقدم الصين نفسها كقوة صاعدة مسؤولة، تسعى إلى الاستقرار والتعاون العالمي، حيث يقول مدير معهد SOAS الصيني في لندن، ستيف تسانج: “الصينيون يسعون إلى ترسيخ هيمنتهم، وقد سهّل ترامب عليهم هذه المهمة، بكين تطرح بديلًا تعاونيًا لما تعتبره تنمرًا أمريكيًا، وتُروّج لرؤية للتنمية تشجع الدول على اتباع نماذجها الخاصة دون إملاءات”.

وأظهرت استطلاعات رأي أوروبية تراجع الثقة بالولايات المتحدة كحليف، كما يؤكد مسؤولون سابقون مثل رئيس وزراء أستراليا السابق مالكولم تورنبول أن ترامب لا يتشارك القيم الليبرالية التي جمعت واشنطن بحلفائها لعقود، بل يسعى للتقارب مع أنظمة استبدادية، حتى وصل إلى حد التهديد بضم أراضٍ أجنبية مثل جرينلاند وكندا وقناة بنما.

الحرب التجارية تضر بالجميع.. باستثناء الصين؟

وبينما تنغلق الولايات المتحدة على نفسها وتتراجع عن دورها التقليدي في قيادة النظام العالمي، تتجه الصين نحو توسيع نفوذها العالمي بأسلوب مختلف، لا يقوم على تكرار نموذج التحالفات الواسعة الذي أسسته واشنطن، بل يستند إلى دروس مستخلصة من أخطاء التوسع الأمريكي المفرط، بحسب محللين صينيين.

وقال تشو بو، العقيد المتقاعد في جيش التحرير الشعبي والباحث في جامعة تسينغهوا في بكين، إن الصين باتت تمتلك اليوم مساحة أوسع للحركة، لكنها ستسعى إلى ممارسة مسؤولياتها الدولية “بطريقتها الخاصة، وبشكل تدريجي”، مضيفًا أن: "الأمر لا يتعلق بملء فراغ خلّفته الولايات المتحدة، لأن محاولة ملء الفراغ قد تقود إلى فخاخ خطيرة".

وتُعد الصين اليوم الشريك التجاري الأول لمعظم دول العالم، وقد خطت خطوات ملموسة لتعزيز هذا الدور، ففي ديسمبر الماضي، ألغت بكين الرسوم الجمركية على واردات قادمة من 43 دولة تُصنف ضمن الأقل نموًا، بينها 33 دولة أفريقية. 

وفي المقابل، لا تزال بعض من أشدّ الرسوم التي فرضتها إدارة ترامب تطال دولًا أفريقية فقيرة، مثل مدغشقر وليسوتو، التي تواجه أيضًا تداعيات إيقاف مفاجئ للمساعدات الأمريكية في مجالات الصحة والتعليم والتغذية.

وتمثل الموارد الطبيعية الاستراتيجية، مثل المعادن، والموانئ، والممرات البحرية، في أفريقيا وأجزاء أخرى من العالم، ساحة تنافس متصاعدة بين واشنطن وبكين. 

وفي شهادة له أمام مجلس الشيوخ الأمريكي، أشار الجنرال مايكل لانجلي، قائد القيادة الأمريكية في أفريقيا، إلى أن الصين بدأت بالفعل في ملء الفراغ الذي خلّفه تراجع المساعدات الأمريكية، محذرًا من أن هذه القدرات ضرورية للحفاظ على "التفوق الاستراتيجي" للولايات المتحدة في مواجهة الحزب الشيوعي الصيني.

الصين تحصد مكاسب دبلوماسية كبيرة

من جهته، دافع السيناتور ماركو روبيو عن تقليص المساعدات الأمريكية، مؤكدًا أن "الولايات المتحدة ليست حكومة العالم"، داعيًا الدول الثرية الأخرى، بما فيها الصين والهند، إلى تحمل جزء أكبر من المسؤولية المالية تجاه المساعدات الإنسانية.

ويشير مراقبون إلى أن بكين لا تسعى إلى إنفاق ضخم أو قيادة عالمية بالمعنى التقليدي، لكنها تحصد مكاسب دبلوماسية كبيرة من خلال تبني خطاب يدعم تنمية دول الجنوب العالمي، وهو ما يراه البعض استراتيجية ذكية لتعزيز مكانتها الدولية. وقال هال براندز، أستاذ الشؤون العالمية في جامعة جونز هوبكنز ومسؤول سابق في البنتاغون، إن الصين "تتظاهر بأنها الدولة التي تهتم حقًا بالتنمية"، وهو ما يمنحها نفوذًا سياسيًا متزايدًا.

وفي المقابل، تواجه واشنطن تراجعًا في أدواتها الناعمة، إذ تعمل إدارة ترامب على تقليص شبكات الإعلام الدولية التي كانت تُستخدم لمواجهة الدعاية الرسمية من الصين وروسيا، مثل "إذاعة آسيا الحرة"، التي أسهمت في كشف الانتهاكات ضد الأويجور في شينجيانج، وقد سُرّح نحو 75% من موظفيها، وتوقفت عن البث بلغة الماندرين.

بهذا النهج، لا تسعى بكين لوراثة النظام العالمي الأمريكي، لكنها تتحرك لفرض معادلة جديدة تملأ الفراغ تدريجيًا، دون أن تقع في مصيدة التوسع السريع التي وقعت فيها واشنطن سابقًا.

search