"شد الحزام".. كيف تعاملت حكومات مصر مع الأزمات الاقتصادية؟
فئات من الجنيه المصري
ولاء عدلان
قررت الحكومة استدعاء سياسة “شد الحزام” وتفعيلها في مواجهة الأزمة الراهنة، وتحديدًا ما يتعلق بتراجع الموارد الدولارية للدولة وحاجتها لتعزيز جهود الحماية الاجتماعية وسط التزامها بشروط برنامج الإصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي، وأبرزها توفير ظروف معيشية مناسبة للفئات الأكثر تضررًا من التضخم المتصاعد.
سياسات التقشف لها تاريخ طويل مع المصريين، يعود للعام 1919 عندما غنى سيد درويش "شد الحزام على وسطك.. يحلها ألفين حلال ربك قادر".
وتختلف الأسباب والتقشف واحد فهو غالبًا انعكاس لحالة من ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية يتبعه قرارات بخفض وترشيد فاتورة الإنفاق الحكومي.
أحدث موجة
بدأت الحكومة هذا الأسبوع تنفيذ حزمة ضوابط لخفض وترشيد الخطة الاستثمارية بموازنة العام المالي الحالي بنسبة 15%، وسط مساعيها لإبداء حسن النية لصندوق النقد فيما يتعلق بالسيطرة على سقف الديون الخارجية وفاتورة الإنفاق الحكومي.
وتشمل حزمة الضوابط تأجيل تنفيذ المشروعات حديثة الإدراج بالخطة الاستثمارية للعام المالي 2023/2024، وعدم البدء في أية مشروعات جديدة مع إعطاء الأولوية لاستكمال المشروعات التي وصلت في مراحل التنفيذ إلى 70% فأكثر، فضلًا عن عدم التعاقد على شراء سيارات الركوب حتى نهاية يونيو المقبل أو على أي تمويل خارجي مع التركيز أكثر على الاحتياجات الاستثمارية الضرورية فقط وخفض سقف الدين الخارجي وتشجيع المنتج المحلي والصناعة الوطنية، وفق ما نشر في الجريدة الرسمية الإثنين الماضي.
ونهاية الأسبوع الماضي، أعلن صندوق النقد إحراز تقدم ملموس في المناقشات مع مصر بشأن برنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه نهاية 2022، مشيرًا إلى أن المفاوضات مستمرة لحسم قيمة التمويل الإضافي اللازم لدعم مرونة الاقتصاد المصري في مواجهة التحديات الناجمة عن حرب غزة، إلا أن هذا التمويل يعتمد على قدرة مصر على تسريع الإصلاحات ذات الأولية، والتي قد يكون من بينها تحريك جديد لسعر الصرف (خفض لقيمة الجنيه) الأمر الذي يهدد جيوب المواطنين.
وقال الخبير الاقتصادي خالد الشافعي، إن توجه الحكومة لتحريك سعر الصرف لن يحل الأزمة بل من شأنه تعقيد المشهد أكثر، إذ سيتبع هذا القرار موجة تضخمية جديدة الأمر الذي سيضر بمحدودي الدخل، وقد تلجأ الحكومة لإقرار حزم حماية اجتماعية إلا أنها لن تكون قادرة على امتصاص التضخم كونه في الأساس مرتفع أعلى الـ30%.
وأضاف الشافعي، “سبق وأن رأينا كيف تفاقمت أزمة الأسعار في أعقاب كل خفض لقيمة العملة المحلية، لكن خطوة ترشيد الإنفاق الاستثماري من قبل الحكومة إيجابية للغاية، ويجب أن تُعزز بدعم أكبر للصناعة الوطنية وللصادرات يقابله خفض لفاتورة الاستيراد ما يضع الدولة على الطريق الصحيح لحل أزمة نقص الدولار”.
شد الحزام "تاريخي"
أغنية "شد الحزام" بمثابة تأريخ للظروف الاقتصادية في الأعوام التي تلت نهاية الحرب العالمية الأولى في 1918 وما خلفته من ارتفاع في أسعار الأساسية مثل السكر واللحوم، وكذلك ارتفعت تكاليف الشحن والنقل مع تصاعد سطوة الاستعمار البريطاني على مفاصل الاقتصاد المصري واحتكاره لمحصول القطن ووقف تصديره للخارج، الأمر الذي أجبر المواطن وليس الحكومة على شد الحزام لمواجهة الغلاء بالاستغناء على ما لا يستطيع تدبيره.
وفي أعقاب الخلاص من المستعمر، وبعد ثورة يوليو 1952، لم ينته التقشف كأسلوب لمواجهة الأزمات، إذ دعا له الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عدة مرات كان أبرزها في أعقاب تأميم قناة السويس في 1956، وتجميد واشنطن للمعونة الاقتصادية لمصر، ليخرج ناصر مطالبًا الشعب بـ"شد الحزام" للاستغناء عن المعونة وترشيد الاستهلاك حتى في أقل متطلباته اليومية “كوباية الشاي!”.
وإيمانًا من الشعب المصري بأنه "لا بد عن يوم برضه يعدلها سيدك" واصل الصمود في وجه ارتفاعات الأسعار التي أصبحت أكثر حدة تدريجيا مع تراجع قيمة الجنيه الورقي الذي عرفه المصريون لأول مرة في العام 1899 والغريب أن هذا التراجع ارتبط بشكل أو بأخر بصندوق النقد ففي العام 1945 مع انضمام مصر لعضوية الصندوق تقرر تقييم الجنيه وقتها بـ3.7 جرام ذهب نزولا من 6 جرامات في العام 1924.
وفي أعقاب نكسة يونيو 1967 ساءت الظروف الاقتصادية كثيرًا، وبدأت غالبية السلع تختفي من الأسواق، وزادت حدة الأزمة ليخرج الرئيس محمد أنور السادات في بداية عهده عام 1970 مطالبًا الشعب بـ"شد الحزام"، معلنا خلو خزائن الدولة بسبب النكسة والحاجة إلى بناء الجيش.
وفي العام 1977 دفع غلاء المعيشة المصريون إلى الخروج في مظاهرات عرفت باسم انتفاضة الخبز احتجاجا على إجراءات تقشفية تزامنت مع خفض الحكومة لقيمة الجنيه مقابل الدولار إلى 60 قرشا من مستوى 39 قرشا وذلك في أعقاب احتياجها للاقتراض من صندوق النقد، وقرار التعويم وقتها تسبب في قفزة بين 25 إلى 50% في أسعار السلع الأساسية.
وفي عهد الرئيس الراحل حسني مبارك الذي استمر نحو 30 عاما، دأبت الحكومات المختلفة من وقت لآخر اتخاذ إجراءات تقشفية، ومطالبة الشعب بشد الحزام لأسباب مختلفة كان أبرزها احتياجها خلال الفترة من 1990 إلى 1996 للاقتراض من صندوق النقد الذي اعتاد في كل مرة مطالبة القاهرة بمزيد من خفض فاتورة الدعم وقيمة العملة الأمر الذي كان في النهاية يشد الحزام على بطون الشعب.
هذا المشهد لم يتغير كثيرًا براحيل مبارك في العام 2011، وفي الأمس القريب أعلنت الحكومة الحالية المزيد من إجراءات التقشف وتعزيز برامج الحماية الاجتماعية في موازنة العام 2022/2023 تحت الضغوط التي فرضتها تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية محليًا وعالميًا.
وبحسب الخبير الاقتصادي الدكتور بلال شعيب، فإن مصر كغيرها من بلدان العالم تأثرت بتداعيات جائحة كورونا وحرب أوكرانيا، وكان أبرز هذه التداعيات ارتفاع أسعار السلع عالميًا وخروج أموال ساخنة بنحو 20 مليار دولار من السوق منذ 2022.
وأضاف شعيب، “مصر تحتاج في هذا الوقت لوقف استيراد السلع الاستفزازية ودعم الصناعة وزيادة الإنتاج المحلي”، مشيرا إلى أن الإجراءات التقشفية ضرورة لتقليل الاعتماد على القروض.
-
04:55 AMالفجْر
-
06:26 AMالشروق
-
11:41 AMالظُّهْر
-
02:36 PMالعَصر
-
04:56 PMالمَغرب
-
06:17 PMالعِشاء
أحدث الفيديوهات
أخبار ذات صلة
البيتكوين يتجاوز الـ99 ألف دولار
22 نوفمبر 2024 09:34 ص
اجتماع البنك المركزي.. أسباب تثبيت أسعار الفائدة للمرة الخامسة
21 نوفمبر 2024 06:37 م
ربح 30 مليون دولار.. مراهق يستغل هوس العملات المشفرة للاحتيال
21 نوفمبر 2024 07:34 م
أسعار الأسماك اليوم الجمعة 22 نوفمبر 2024
22 نوفمبر 2024 03:33 ص
بنك "CIB" يوقف بعض خدماته في هذا التوقيت
21 نوفمبر 2024 10:18 م
بعد تثبيت الفائدة للمرة الخامسة.. ماذا يعني قرار البنك المركزي؟
21 نوفمبر 2024 09:08 م
الأولى من نوعها.. بيع 350 شهادة خفض انبعاثات كربونية في مصر
21 نوفمبر 2024 06:07 م
بـ1.3 مليار جنيه.. مدينة عربية تنتج أكبر سبيكة ذهب في العالم
21 نوفمبر 2024 06:03 م
أكثر الكلمات انتشاراً