الأحد، 20 أبريل 2025

06:19 ص

فتحي حسين

بقلم: د. فتحي حسين

A A

الميتافيرس والتعليم ودمج ذوي الإعاقة

لا أحد ينكر أننا نعيش في زمن التكنولوجيا "التي تجري على أربع"، كناية عن سرعتها، وفي زمنٍ بات فيه الذكاء الاصطناعي أذكى من بعض المقررات الدراسية، والميتافيرس أوسع من خيال بعض المسؤولين عن التعليم.!

في هذا العالم المتغير بسرعة جنونية، حيث لا وقت حتى لمجرد أن تلتقط أنفاسك، تظهر لنا "الابتكارات التكنولوجية" كأنها جيشٌ لا يتوقف، كل يوم في جديد. والحديث هنا ليس عن آخر صيحات الهواتف أو تحديثات تطبيقات الطبخ، بل عن الثورة الرقمية التي تطرق أبواب التعليم، وتطالب بالدخول… لا بل تقتحمها اقتحاما.

في قلب هذه الثورة، يطل علينا "الميتافيرس" – هذا العالم الموازي الذي لو ظهر في مسلسل خيال علمي قبل سنوات لاتهمنا كُتابه بالهذيان.!!

لكنه الآن حقيقة تُنسج خيوطها أمام أعيننا، بل ويُراد له أن يكون مدرسة المستقبل، ليس للطلاب العاديين فقط، بل – ويا للمفارقة السعيدة – بوصفه طوق نجاة حقيقي لذوي الإعاقة.

الميتافيرس، لمن لم تصله الترجمة بعد، هو فضاء رقمي ثلاثي الأبعاد، تضع فيه نظارة على عينيك، وتجد نفسك داخل فصل دراسي أو متحف أو حتى على سطح القمر. تتفاعل مع زملاء ومعلمين، تكتب، تسمع، تشاهد، وتناقش… لكن من بيتك، أو من أي مكان تريده. وبعبارة أخرى: المدرسة تأتي إليك، لا العكس.

ولعل أجمل ما في هذا الابتكار، أنه لا يسأل عن عكازك، ولا يحتاج أن يعرف ما إذا كنت تستطيع صعود السلم أو لا. لا يهتم إن كنت لا تسمع أو لا ترى، فالمحتوى يُعدل لك خصيصا: ترجمة فورية للصم، قارئ شاشة للمكفوفين، أدوات رقمية للمصابين بإعاقات حركية، وكل ذلك في بيئة تحاكي الواقع، بل وتتجاوزه.

لكن لا تُفرط في الحماس. فالواقع، كالعادة، لا يخلو من "سعر السوق". فالميتافيرس – رغم أحلامه الوردية – لا يعمل بالبخور. 

هناك حاجة لبنية تحتية رقمية محترمة، لأجهزة متطورة، لمعلمين مؤهلين، ولميزانيات لا تذوب قبل نهاية السنة المالية.
مع ذلك، لا يمكننا إنكار الفرص الذهبية.

الميتافيرس يمكن أن يُحدث ثورة في مفاهيم التعليم الشامل. فصلٌ دراسي بدون حواجز، بلا فواصل من تهميش أو تجاهل، يُمكن أن يجمع الطالب المتفوق بصديقه من ذوي الإعاقة في تجربة متكافئة. لا فضل لطالب على طالب إلا بالتفاعل والمشاركة.

الابتكارات الداعمة لذلك كثيرة: الواقع الافتراضي (VR) يضعك داخل التجربة، لا خارجها.

الواقع المعزز (AR) يضيف لمستك الخاصة إلى ما تراه.

الذكاء الاصطناعي (AI) يفهمك وربما يتفوق على بعض المعلمين الحقيقيين في التفاعل معك.
وحتى البلوك تشين، تلك "السلسلة العجيبة"، تضمن توثيق مستقبلك التعليمي بلا تلاعب أو ضياع.

ولا ننسى الجيل الخامس، ذاك الجيل السريع كالصاروخ، الذي يسمح لكل هذه التطبيقات بأن تعمل بسلاسة. ولكن مرة أخرى، نعود إلى السؤال الذي يزعجنا دائمًا: من يدفع الفاتورة؟

ختامًا، إذا أردنا تعليمًا دامجًا بحق، فإن الميتافيرس قد يكون الباب الذي علينا أن نطرقه – لا لنحصل على "أحدث صيحة"، بل لنُعيد رسم خريطة العدالة داخل المدرسة. فالحق في التعليم لا يُجزأ، ولا ينبغي أن يكون رهينة قدرة الطالب على السير أو السمع أو البصر.

الميتافيرس ليس ترفًا، بل ضرورة… وربما، إن أحسنا استغلاله، يكون هو الذي "يرى" من لا يُرى، و"يسمع" من لا يُسمع.

search