الثلاثاء، 22 أبريل 2025

06:02 ص

أحمد رجب الشافعي

أحمد رجب الشافعي

A A

قانون الضريبة الموحدة: رغبة الإصلاح تتحول إلى قرار

في خطوة إصلاحية جريئة، وجّه الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكومة بتوحيد الرسوم الحكومية المتعددة واستبدالها بضريبة إضافية موحدة تُحتسب على صافي الأرباح، بعد أن كانت تُفرض من قبل هيئات وجهات متعددة. ويمثل هذا القرار تحوّلًا نوعيًا في فلسفة التعامل المالي بين الدولة والقطاع الخاص، ويفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الشفافية والعدالة الضريبية.

وهنا أستطيع أن أقول بكل ثقة إن هذا القرار من أهم الخطوات الإصلاحية التي شهدناها منذ سنوات. إنه انتقال ملموس من الحديث عن رغبة في الإصلاح الاقتصادي إلى قرارات فعلية، تتمتع برؤية مستقبلية وتتميز بالواقعية وقابلية التنفيذ.

لقد كانت الشركات، وبالأخص في القطاع الصناعي، تعاني من إرهاق كبير بسبب تعدد الرسوم المفروضة من جهات مختلفة، منها هيئة سلامة الغذاء، وهيئة التنمية الصناعية، وهيئة النقل، بالإضافة إلى رسوم لا حصر لها متعلقة بالتفتيش والتجديد والاعتماد. ولم تكن المشكلة فقط في القيمة المالية، بل في الإشكاليات الإدارية الناتجة عن التعامل مع أجهزة غير منسقة، تطلب مستندات متضاربة أو مكررة، وتفرض إجراءات متشابكة ومتعبة.

قرار توحيد هذه الرسوم وتحويلها إلى ضريبة على صافي الأرباح هو خطوة حقيقية نحو عدالة مالية طال انتظارها. فبموجبه، سأدفع للدولة وفق ما أحققه من أرباح فعلية، لا وفق تقديرات أو رسوم ثابتة منفصلة عن الواقع.

هذا القرار يُشعر المستثمرين بأن الدولة تنظر إليهم كشركاء حقيقيين، ويعكس فهمًا عميقًا من القيادة للمعوقات التي تواجه القطاع الخاص، من هوامش ربح ضئيلة، وأسعار طاقة ومواد خام متغيرة، إلى ظروف تنافسية غير عادلة أحيانًا في السوق المحلي والدولي.

ومن الناحية العملية، سيوفر القرار أموالًا، لكنه سيوفر أيضًا ما هو أهم: الوقت، والجهد، والاحترام. كما أن وجود آلية موحدة وشفافة للدفع – قائمة على أرباح حقيقية – سيشجع على دمج الاقتصاد غير الرسمي، ويقلل من التهرب الضريبي، ويعزز المنافسة العادلة بين الجميع.

أدرك تمامًا أن طريق الإصلاح طويل، وأن هذا القرار لن يغيّر كل شيء بين ليلة وضحاها. لكنه بداية عظيمة. وما نحتاجه الآن هو تفعيل هذا التوجيه بشكل عملي وسريع، مع تصميم آلية تحصيل الضريبة الموحدة بالتعاون مع غرف الصناعة والتجارة، لضمان تحقيق الهدف الحقيقي: العدالة، التحفيز، والشفافية.

إن هذا القرار ليس مجرد بند جديد في قانون الضرائب، بل هو إعلان نوايا واضح من الدولة بأنها تريد بيئة أعمال نظيفة، عادلة، ومحفّزة للنمو. والآن، الكرة في ملعب أصحاب الأعمال والمستثمرين ليستجيبوا لهذا التوجه الإيجابي، ويدعموه، ويتفاعلوا معه بصدق.

دعونا نخرج من دائرة الشكوى إلى دائرة البناء، من مناخ التردد إلى مناخ الشراكة، ولنكن جزءًا من الإصلاح لا متفرجين عليه. الضريبة الموحدة ليست فقط مصلحة لنا، بل مسؤولية مشتركة في طريق بناء اقتصاد أقوى، وأعدل، وأكثر جاذبية للأجيال القادمة.

search