
حرب التجارية من واشنطن إلى بكين
في عالم يزداد ترابطًا وتنافسًا، جاءت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين منذ عام 2018 وحتى الآن كعلامة فاصلة بين مرحلتين: مرحلة سابقة حكمتها قواعد العولمة وتحرير التجارة، وأخرى لاحقة تسودها النزعة الحمائية والمنافسة الجيو-اقتصادية.
ما بدأ كتصعيد جمركي متبادل بين قوتين اقتصاديتين، سرعان ما كشف عن تحول أعمق في بنية النظام الاقتصادي العالمي، وعن تغيرات هيكلية ألقت بظلالها الثقيلة على الاقتصادات النامية، لا سيما في المنطقة العربية.
فرضت الحرب التجارية مناخًا من عدم اليقين في الاقتصاد الدولي، خصوصًا مع انتقالها من تبادل الرسوم الجمركية إلى صراع مفتوح على التكنولوجيا والنفوذ الاستراتيجي. تراجعت حركة التجارة العالمية، وتباطأت سلاسل الإمداد، وارتفعت تكلفة المواد الخام ومدخلات الإنتاج.
الدول العربية واجهت تحديات كبيرة نتيجة لتأثيرات الحرب التجارية، حيث تباينت مواقفها بين الدول الخليجية كمصدّرين للطاقة، والدول المستوردة للطاقة مثل مصر والمغرب وتونس. هذه الدول تكبدت أعباء إضافية نتيجة ارتفاع تكلفة الاستيراد، واتساع عجز الميزان التجاري.
في ظل هذه التحديات، برزت الحاجة إلى إعادة النظر في النماذج الاقتصادية العربية، عبر تعزيز الإنتاج المحلي، وتحقيق قدر أكبر من الاكتفاء الذاتي، وتفعيل الشراكات الإقليمية كبديل عن الارتهان للأسواق الكبرى.
إن الأزمة الحالية تحمل في طياتها إمكانية كامنة للتحول، إن توفرت الإرادة والرؤية. فالتحديات الجارية قد تكون دافعًا لإعادة النظر في سياسات الاستثمار والتعليم والابتكار، لتقليل الفجوة التكنولوجية والاقتصادية التي اتسعت خلال السنوات الماضية.
في النهاية، ليست الحروب التجارية سوى عرض لأزمة أعمق في توازن القوى الاقتصادية العالمية. وإذا كانت الدول الكبرى تسعى لإعادة تموضعها على الخريطة الدولية، فإن الدول النامية والعربية مطالبة بأكثر من التكيف: إنها مدعوة لصياغة استراتيجيات مرنة وطموحة تسمح لها ليس فقط بالبقاء، بل بامتلاك أدوات الفعل والمبادرة في عالم يتغير بسرعة غير مسبوقة.

الأكثر قراءة
-
12:00 AMالفجْر
-
12:00 AMالشروق
-
12:00 AMالظُّهْر
-
12:00 AMالعَصر
-
12:00 AMالمَغرب
-
12:00 AMالعِشاء

أكثر الكلمات انتشاراً