المخاطر السيبرانية للأطفال.. مسؤولية دولية وتشريعات قاصرة

أستاذ القانون الدولي محمد محمود مهران
قال أستاذ القانون الدولي وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي، محمد محمود مهران، إنه توجد فجوات تشريعية كبيرة في المنظومة القانونية الدولية المعنية بحماية الأطفال في الفضاء السيبراني، محذرًا من تنامي المخاطر الرقمية التي تستهدف الفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع.
وأوضح مهران لـ"تليجراف مصر"، أن الاتفاقات الدولية المتعلقة بحقوق الطفل صيغت في فترة ما قبل الثورة الرقمية، ما جعلها قاصرة عن مواكبة التطورات المتسارعة في عالم التكنولوجيا والتحديات الجديدة التي يواجهها الأطفال في الفضاء السيبراني.
وأضاف: رغم أن اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 تعد الإطار القانوني الأشمل لحماية حقوق الأطفال دوليًا، إلا أنها لم تتطرق بشكل مباشر لمخاطر الفضاء السيبراني، ما يستدعي تحديثها أو استكمالها ببروتوكولات إضافية تعالج هذه الثغرة القانونية.
ازدواجية المعايير القانونية
وتطرق إلى إشكالية قانونية معقدة تتعلق بالتعامل مع الأطفال في الفضاء السيبراني، سواء كانوا ضحايا أو معتدين، مشيرًا إلى أن المنظومة القانونية الدولية تواجه معضلة حقيقية في التوفيق بين مبدأ المسؤولية الجزائية المخففة للأطفال من جهة، والطبيعة عابرة للحدود للجرائم السيبرانية من جهة أخرى.
ولفت إلى أنه عندما يكون الطفل ضحية لانتهاك سيبراني، فإن الإطار القانوني الدولي يوفر حماية نظرية، لكنها تصطدم بتحديات عملية تتعلق بولاية القضاء عبر الحدود وصعوبة ملاحقة المعتدين في الفضاء الرقمي، أما عندما يكون الطفل هو المعتدي في الفضاء السيبراني، فإن الأمر يزداد تعقيدًا بسبب التباين الكبير بين التشريعات الوطنية في تحديد سن المسؤولية الجنائية.
وذكر الخبير الدولي أن بعض الدول تعتمد سن 7 سنوات كحد أدنى للمسؤولية الجنائية، بينما تعتمد دول أخرى سن 12 أو 14 أو حتى 18 عامًا، ما يخلق حالة من عدم اليقين القانوني في القضايا عابرة الحدود، خاصة مع انتشار ظواهر مثل التنمر الإلكتروني والقرصنة الإلكترونية التي يرتكبها أطفال في حق أطفال آخرين.
البروتوكول الاختياري
وأشار إلى أن البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال واستغلال الأطفال في البغاء وفي المواد الإباحية لعام 2000، قد حاول سد بعض الفجوات المتعلقة بالاستغلال الرقمي للأطفال، لكنه لا يزال قاصرًا عن الإحاطة بالتحديات المستجدة مثل الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي والتقنيات الناشئة الأخرى.
وأضاف مهران أن الوضع يحتاج إلى إطار قانوني دولي متكامل يراعي الخصوصية الرقمية للأطفال ويحميهم من الاستغلال والمحتوى الضار، مع ضمان حقهم في الوصول إلى المعلومات والمشاركة الرقمية الآمنة بما يتناسب مع تطور قدراتهم، وفقًا لمبدأ القدرات المتطورة الذي أقرته اتفاقية حقوق الطفل.
ثغرة قانونية كبرى
وانتقد الدكتور مهران غياب إطار قانوني دولي ملزم يحدد مسؤولية المنصات الرقمية العملاقة تجاه الأطفال، موضحًا أن معظم المبادرات الحالية تعتمد على التنظيم الذاتي للشركات الرقمية، وهو نهج أثبت محدوديته في ظل تعارض المصالح التجارية مع مصلحة الطفل الفضلى.
وأكد أن المبادرات الإقليمية مثل اللائحة العامة لحماية البيانات في الاتحاد الأوروبي (GDPR) وقانون حماية خصوصية الأطفال عبر الإنترنت في الولايات المتحدة (COPPA) تمثل خطوات إيجابية، لكنها تظل محدودة النطاق الجغرافي في عالم رقمي لا يعترف بالحدود.
جهود الدول العربية
وتطرق مهران إلى تجارب بعض الدول العربية في مجال حماية الأطفال في الفضاء السيبراني، مشيدًا بالمبادرات التي اتخذتها دولة الإمارات، قائلًا إنها تعد تجربة رائدة على المستوى العربي.
وأوضح أنه نص المرسوم بقانون اتحادي رقم (34) لسنة 2021 في شأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية في المادة 34 صراحًة على عقوبات مشددة تصل للسجن مدة لا تقل عن سنة، والغرامة التي لا تقل عن 500 ألف درهم، لمن ينتج أو يعد أو يرسل أو يخزن مواداً إباحية تتعلق بالأطفال.
كما شدد القانون الإماراتي العقوبة لمن حرض أو أغوى حدثًا على ارتكاب الجريمة بواسطة شبكة معلوماتية، مضيفًا أن التجربة تميزت بإصدار قانون وديمة لحقوق الطفل رقم 3 لسنة 2016، الذي خصص أحكامًا خاصة لحماية الأطفال من مخاطر الفضاء الرقمي.
وأضاف أن القانون نص في المادة 29 على التزام الجهات المعنية باتخاذ التدابير اللازمة لوقاية الطفل من مخاطر المعلومات والاتصالات الإلكترونية الضارة، إضافةً إلى إنشاء هيئات متخصصة مثل المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، والهيئة العامة لتنظيم الاتصالات.
وأشار إلى أن مصر شهدت أيضًا في السنوات الأخيرة تطورًا ملحوظًا في منظومتها التشريعية لحماية الأطفال سيبرانيًا، حيث نص قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 في المادة 25 منه على تغليظ العقوبة لمن استخدم تقنيات المعلومات في الاعتداء على المبادئ والقيم الأسرية أو نشر محتوى يحرض على انتهاك الخصوصية.
كما أفردت المادة 12 من قانون حماية البيانات الشخصية رقم 151 لسنة 2020 معاملة خاصة للبيانات المتعلقة بالأطفال، حيث اشترطت موافقة الممثل القانوني للطفل على معالجة بياناته الشخصية، ومنح القانون مركز حماية البيانات الشخصية صلاحية وضع ضوابط وشروط خاصة لمعالجة بيانات الأطفال بما يكفل حمايتهم.
وأضاف مهران أن التحدي الأكبر يكمن في آليات التنفيذ وبناء القدرات التقنية اللازمة لتتبع الجرائم السيبرانية ضد الأطفال ومكافحتها، فضلًا عن رفع الوعي المجتمعي بمخاطر الفضاء الرقمي.
دعوة لاتفاقية دولية جديدة
ودعا أستاذ القانون، إلى صياغة اتفاقية دولية جديدة متخصصة في حماية الأطفال في الفضاء السيبراني، تتضمن آليات فعالة للتعاون الدولي في مجال التحقيق والملاحقة القضائية للجرائم السيبرانية التي تستهدف الأطفال، وتوحيد المعايير الدولية للتعامل مع الأطفال المخالفين للقانون في الفضاء السيبراني.
وأكمل: نحتاج إلى توافق دولي على مبادئ توجيهية واضحة للتعامل مع قضايا مثل العمر الأدنى للموافقة الرقمية، والحق في محو البيانات الشخصية، والتشفير الآمن لاتصالات الأطفال، مع مراعاة الخصوصيات الثقافية والقانونية للدول المختلفة.
وشدد مهران على أن حماية الأطفال في الفضاء السيبراني هي مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الدول والمنظمات الدولية والقطاع الخاص والمجتمع المدني، وتتطلب مقاربة شاملة تجمع بين التشريعات الملزمة والتوعية المجتمعية وتطوير قدرات الأطفال أنفسهم للتعامل الآمن مع التكنولوجيا.
-
12:00 AMالفجْر
-
12:00 AMالشروق
-
12:00 AMالظُّهْر
-
12:00 AMالعَصر
-
12:00 AMالمَغرب
-
12:00 AMالعِشاء


أخبار ذات صلة
باب خلفي للقراصنة.. "كاسبرسكي" تحذر من صور الذكاء الاصطناعي الكرتونية
23 أبريل 2025 09:49 ص
يوفر 1300 فرصة عمل.. افتتاح المقر الجديد لشركة "إنتلسيا" بمصر
22 أبريل 2025 06:49 م
تحذير عاجل.. سحب 429 ألف شاحن محمول بسبب خطر الاشتعال
20 أبريل 2025 06:00 ص
كل ما تريد معرفته عن مواصفات iPhone 17 الجديد
19 أبريل 2025 08:33 م
أكثر الكلمات انتشاراً