
ماذا يقصد نتنياهو بتغيير الشرق الأوسط؟
إن منطقة الشرق الأوسط لطالما كانت مطمعًا لكل الإمبراطوريات التي نشأت منذ أن بدأ الإنسان حياته على الأرض، لأن من يحكم الشرق الأوسط هو من يتحكّم في العالم، وذلك لأسباب عدة، أهمها:
الشرق الأوسط غني بالثروات الطبيعية المتنوعة، ولذلك فهو مطمع لكل القوى التي تسعى إلى زيادة نفوذها في هذا العالم.
موقع الشرق الأوسط مهم جدًا، فهو شريان الحياة في العالم، ويتمتع بمزايا موقعه الجغرافي المتميز، ويمتلك أهم الممرات الملاحية والمضائق البحرية في العالم.
الشرق الأوسط هو بؤرة تجمع الحضارات في العالم القديم، ويزخر بالمعالم التاريخية التي تؤكد أن تاريخ العالم بدأ من حيث نشأ الشرق الأوسط.
الشرق الأوسط مهد الديانات السماوية، ومهبط الرسالات، ودائمًا ما كان محل صراع بين القوى المتناحرة في العالم.
إن تقسيم الشرق الأوسط بدأ منذ سقوط "الرجل المريض"، أي الدولة العثمانية، التي ورثت الخلافة العباسية العربية. لم تركز الدولة العثمانية على تنمية وتقوية ذلك الإرث من الدول العربية، بل كانت سببًا في إضعاف المنطقة العربية وتهميشها ونهب ثرواتها، حتى أصبحت مطمعًا للاستعمار الإنجليزي والفرنسي والإيطالي والإسباني والبرتغالي.
كانت الدولة العثمانية، خاصة في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، في أضعف حالاتها. لم يكن السلطان على دراية بأن أرض فلسطين هي محل أطماع، بعد فشل حملة نابليون في السيطرة عليها. لكن هناك من كان يسعى لتقسيم المشرق العربي إلى شطرين، وهم "الاتحاد العالمي لليهود" الذين اجتمعوا عام 1948 وقرروا إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
كان هرتزل، مؤسس الصهيونية، صديقًا للسلطان عبد الحميد، وكان يعلم بأزمة البلاط السلطاني واحتياجه إلى عشرين مليون جنيه إسترليني. وتكفّل روتشيلد بدفع هذا المبلغ مقابل قبول السلطان بهجرة اليهود إلى فلسطين، وإقامة دولة لهم هناك تحت السيادة العثمانية. وهكذا تم رسم شرق أوسط جديد، بدولة يهودية في المنطقة العربية، تكون نواة لتغيير ديموغرافية الشرق الأوسط.
إن رسم حدود الشرق الأوسط الجديد لم يكن سرًا، فقد تم كما رُسمت حدوده سابقًا في خيمة في الحجاز، وعلى ضوء خافت، بين مارك سايكس والجنرال بيكو عام 1916. وقالا حينها عن هذا التقسيم: "كنا نقسّم المنطقة العربية وكأننا نقسّم كعكة". وكانت هذه اللبنة الأولى لوضع قدم لإسرائيل في المنطقة وتقسيم الدول العربية، حتى وقعت النكبة عام 1948، وأُعلن قيام دولة إسرائيل.
من الخطأ الشائع القول بأن العرب حاربوا عام 1948 من أجل إزالة إسرائيل؛ بل المفاجأة أن العرب حاربوا من أجل تنفيذ قرار تقسيم فلسطين بالنسب التي أقرّتها الأمم المتحدة في نوفمبر 1947، بحيث تكون الدولة الفلسطينية بنسبة 49%. لكن اليهود نكثوا الاتفاق واحتلوا القدس الغربية عام 1948، لتصبح نسبة الأراضي التي سيطروا عليها 78%. وهكذا تشكل شرق أوسط جديد بزرع دولة يهودية في محيط عربي يرفضها.
إذن، تم رسم شرق أوسط جديد أكثر من مرة، ولكن مع صعود التيارات الإسلامية المتطرفة في المنطقة، استخدمت الولايات المتحدة هذه الجماعات كوسيلة لتقسيم الدول العربية، كما حدث في السودان عام 2010 بإعلان انفصال جنوب السودان عن شماله.
استغل جورج بوش العمليات الإرهابية التي نفذتها التيارات المتأسلمة، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، ليجد الذريعة لاحتلال أفغانستان، ثم العراق، معلنًا مشروعه: "شرق أوسط جديد". هذه النبرة الأمريكية الإمبريالية كانت تهدف بالأساس إلى خدمة إسرائيل، فجاء مشروع "الشرق الأوسط الجديد" بقيادة كونداليزا رايس ليكمل ما تبقى من تقسيمات سايكس-بيكو، حتى تتوسع دولة إسرائيل وتدخل في مشروع "إسرائيل الكبرى".
إن صياح نتنياهو يوم 8 أكتوبر 2023، بأنه سيُغيّر الشرق الأوسط، لم يكن وليد الصدفة، بل كان يعلم أن انفجارًا ما سيقع في غزة، وكان على علم بأن ما حدث في 7 أكتوبر جاء تنفيذًا لأطماعه في المنطقة العربية.
لقد استطاعت الولايات المتحدة، عبر وكيلها إسرائيل، التخلص من أذرع إيران في المنطقة مثل حزب الله وحماس، والعمل على تغيير النظام السوري، وكذلك إضعاف الحوثي في اليمن، كخطوة نحو إعادة تشكيل المشهد الإقليمي وتقليم أظافر "الأخطبوط الإيراني".
نتنياهو يريد شرقًا أوسطًا جديدًا تتسع فيه حدود إسرائيل، حتى وصلت قوات الجيش الإسرائيلي إلى منطقة جبل الشيخ المطلة على دمشق. إن رسم حدود جديدة للشرق الأوسط، في رأيي، سيفشل، لأن الجميع بات يدرك أن نتنياهو يسعى فقط لكسب الوقت للتهرب من محاكمات الفساد.

الأكثر قراءة
-
12:00 AMالفجْر
-
12:00 AMالشروق
-
12:00 AMالظُّهْر
-
12:00 AMالعَصر
-
12:00 AMالمَغرب
-
12:00 AMالعِشاء

أكثر الكلمات انتشاراً