امنحني هذا الدواء.. وراقصني
نظرت إلى المرآة، الفستان أنيق، والليل الدامس اِسْتَغْرَقَ فِي سباتٍ عَمِيقٍ على شعرها ومدد قدميه ملامسًا خصرها، وجه ملائكي وعينان ذاب فيهما العسل، محددتان كحُلْكَة من الظلام، شفتان صغيرتان ممتلئتان كحبات الكرز مستعدة للارتواء.
تمثال إغريقي.. هكذا نُحت جسدها، يبرز قسماته تلك الفستان الأبيض لترتسم صورتها المثيرة في عيون حبيبها.. رؤوف.
رؤوف ليس كأي حبيب، اجتمعت فيه خصال المروءة والصدق والحنان، قادر أن يتلون بحسب احتياجها له، فمرة يكون صديقتها وأخرى يكون والدها، ومرات يكون نفسها.. تستطيع أن تتعرى أمامه من الأقنعة الزائفة التي تجبرها الحياة على ارتدائها.
أحمر شفايف.. زيّن ابتساماتها لتعلن الاستعداد لاستقبال أي كلمة تطفأ لهيب الغياب، والعقد الذهبي على رقبتها بات جاهزًا لشنق أي ذكرى موجعة.
ذاك المكان الذي جمعهما في المرة الأولى، "رستوران عيون بيروت على ضفاف نيل المعادي"، أوائل الشتاء الماضي. الساعة العاشرة ليلًا، يمر الوقت ببطء وكأن دقات قلبها نغمات شاذة في نوتة موسيقية، يعلو صوته على صوت فيروز الذي أدفأ العصافير في مسكنها.
“حكايتي مع المكان”.. توهة تأخذها إلى الحنين، وأخرى تكشر عن أنيابها وتصفعها على وجهها "فاكرة لما ...."، صراع بين العقل والقلب، لكن دائمًا ما ينتصر الأخير بأوامر من حاكم ديكتاتور أطلق على نفسه اسم "المشاعر".
ذهاباً وإياباً، أخذت تتلفّت صوب الأبواب الخلفية والجانبية والأمامية للمكان الذي شهد مولد حبهما، تستجدي الوقت أن يمر سريعًا ليجمعها بـ"رؤوفها".
الرجل الغامض.. هكذا طل من بعيد، فرض اللون الأسود كلمته على إطلالته ذاك اليوم، "نظارة ومعطف وبنطال"، وانتفض القميص معلنًا تمرده، وتلون بالأبيض الزاهي ليزيد من أناقته وجاذبيته، كما لو كان "الدبلوماسي أو تمثال رمسيس التاني" بوصف السندريلا.
عطر فواح.. ما أن مسّ رقبته خرّ نادمًا على سنوات الوحدة التي قضاها في زجاجة.
الطاولة الأخيرة.. كلاهما مستعدان لتلك اللحظة، العيون لامعة والوجوه باتت مصفرّة، والأيادي مرتجفة، وقلباهما يتسابقان من شدة الخفق.
قبّل يديها، وفك أزرار قميصه، وبابتسامة هادئة سألها “لماذا اخترت تلك الطاولة تحديدًا؟”.ردّت بدلال وبصوت "مبحوح" أججت مشاعره قائلة “لعلها تكتب نهاية سعيدة لحكاية ولدت في نفس المكان قبل عام”.
أيقن هو أنه لا مفر من كسر حاجز الترقب الذي فرض نفسه كضيف غير مرغوب فيه على طاولتهما، وباغتها قائلًا “تسمحي لي بالرقصة دي؟”.
“كلمات”.. تعالت أغنية ماجدة الرومي وهو يعتصرها شوقًا "كالرّيشة تحملها النسمات".
ذابت كجبل جليد انفجر بقلبه بركان، شذرات من حمم الشوق سكنت ملامحها المتوهجة، وتمايلت بـ "دلع"، لتسجل انتصارها على ذكورته التي خرّت راكعة أمام حسنها معلنة استسلامها - قبلات حارة اقتحمت محميتها المتشوقة لتؤجج تلك اللحظة الحميمية، تَيَّمَه الحُبُ اقتادت لهيبهما إلى "الشَّبَقُ".
هُيامٌ أخذ رؤوف إلى عينين معشوقته، متمتمًا بين شفتيها “عيناكي كالخمر.. فيهما السكر والصحوة”.
لحظات مرت وعادت المعشوقة إلى "الطاولة الأخيرة" مجددًا، لا يزال طيف رؤوف يداعبها.. استلقت على كرسيّ ومددت ساقيها، وفتحت عينيها لتواجه صدمة غير متوقعة.
“الاختفاء الصادم”.. بدأت تستجمع قوى عقلها، وتستعيد وجوه من حولها، إلى أن وجدت شخصًا ألفت وجهه.
“فاكراني...؟ أنا دكتور رحيم”.. أومأت برأسها وعينيها كدلالة على المعرفة، وبصوت "مبحوح" يخفي نحيبًا: “رؤوف فين؟”
"رؤوف مات من سنة"...!!
عزيزتي ذات الفستان الأبيض، لا زلتي تغوصين في بحور الفصام، وتأخذك أمواجه إلى دروب ليس بإمكانك سلوكها بمفردك من دون "دواء".
اطوِ صفحة الماضي واسألي ربك يأتيك بـ"رؤوف" جديد، أو يجمعك بـ“الغائب" في جنات الحب.
الأكثر قراءة
-
04:55 AMالفجْر
-
06:26 AMالشروق
-
11:41 AMالظُّهْر
-
02:36 PMالعَصر
-
04:56 PMالمَغرب
-
06:17 PMالعِشاء
مقالات ذات صلة
ختامها مُر.. عندما دفنت "قلبي" بيدي
13 يناير 2024 06:06 م
عامٌ من الآهات.. رسالة إلى "الغائب"
21 ديسمبر 2023 01:30 م
أكثر الكلمات انتشاراً