الجمعة، 22 نوفمبر 2024

03:06 م

لماذا أمر الله بتحويل القبلة إلى مكة؟

د.فاطمة جابر السيد يوسف

د.فاطمة جابر السيد يوسف

فادية البمبي

A A

في ظهر يوم الثلاثاء، الموافق النصف من شهر شعبان من السنة الأولى للهجرة النبوية، -أي بعد البعثة النبوية بـ 13 سنة-، أمر الله المسلمين أن يحولوا قبلتهم من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة.

 قالت عضو هيئة تدريس بقسم الفقه المقارن بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات بني سويف جامعة الأزهر الشريف، الدكتورة فاطمة جابر السيد يوسف، إن الله -عز وجل- لا يأمر العباد إلا بما فيه مصلحة لهم، ولا ينهاهم إلا عما فيه مضرة عليهم، وتشريعاته جميعها لحكمة يعلمها -"سبحانه"-. 

مسجد ذو القبلتين

وأضافت "وما على المؤمن إلا الاستجابة والانقياد لأوامر الله وأوامر رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا هو الذي عمل به صحابة نبينا -رضي الله عنهم- فقد ثبت في الصحيحين أن الرجل الذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى قباء ليخبرهم بتحويل القبلة أتاهم وهم يصلون الفجر في "مسجد بني سالم" هذا المسجد في الحال الحاضر يعرف بمسجد ذو القبلتين أو مسجد القبلتين، ويقع شمال غربي المدينة المنورة على مقربة من مسجد الفتح". 

تحويل القبلة من بيت المقدس إلي مكة 

وتابعت "أخبرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أُنزل عليه الليلة قرآن، وأن القبلة قد تحولت، فتحولوا وهم ركوع ولم يتخلف واحد ولم يسأل عن الحكمة من ذلك، وهذا من قوة إيمانهم وصفاء قلوبهم من أي شك أو تردد رضي الله عنهم، بعكس ضعاف الإيمان ومن تأثر بدعاية اليهود".

الحكم من تحويل القبلة

وأوضحت، أن التصريح بموقف الفريقين من تحويل القبلة قد جاء، في قول الله تعالى: (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ ) [البقرة: 143] .

وأضافت، أن أهل العلم قد ذكروا بعض الحكم من تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة منها: 

حكمة تربوية.. واستخلاص القلوب

أوضحت أن قبلة المسلمين كانت إلى المسجد الأقصى لحكمة تربوية حيث أشارت إليها الآية الكريمة (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ) فقد كان العرب يعظمون البيت الحرام في جاهليتهم، ويعدونه عنوان مجدهم القومي. 

وأضافت "ولما كان الإسلام يريد استخلاص القلوب لله، وتجريدها من التعلق بغيره، فقد نزعهم نزعا من الاتجاه إلى البيت الحرام، واختار لهم الاتجاه إلى المسجد الأقصى ليخلص نفوسهم من كل ما كانت تتعلق به في الجاهلية، وليظهر من يتبع الرسول، ممن ينقلب على عقبيه".

كذب اليهود.. يخالفنا ويتبع قبلتنا

وأكملت "عندما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أمره الله بالتوجه إلى بيت المقدس، تأليفا لليهود وتحبيبا لهم للدخول في الإسلام، ولكن اليهود لم تثمر معهم هذه السياسة، واتخذوا من توجه النبي إلى بيت المقدس ذريعة للطعن فيه فقالوا: يخالفنا ويتبع قبلتنا؟!".

وأضافت: "أشاعوا كذبا بأن محمدا صلّى الله عليه وسلّم، يأخذ عنهم في التقاليد والطقوس، ولذلك فقد كان وقع تغيير القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة شديدا على اليهود، فأنزل الله تعالى: (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ )، ولما يئس اليهود من محاولتهم الأولى، زعموا بأن البر هو التوجه بالصلاة إلى بيت المقدس، فأنزل الله في ذلك قرآنا: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقام الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)".

كثرت أقاويل السفهاء

أشارت إلى أن أمر تحويل القبلة كان اختباراً، للجميع فقد قال جل شأنه {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} [البقرة:143]، وهذا الكلام ليس فقط في أمر القبلة، وإنما في كل أمر من أوامر الدين، فالمؤمنون قالوا سمعنا وأطعنا، وأما اليهود فقالوا: خالف قبلة الأنبياء قبله ، وأما المنافقون، فقالوا: ما يدرى أين يتوجه؟ إن كانت الأولى حقاً فقد تركها وإن كانت الثانية هي الحق، فقد كان على الباطل، وكثرت أقاويل السفهاء من الناس.

انتقال القيادة والإمامة في الدين

كما أن تحويل القبلة فيه إشارة إلى انتقال القيادة والإمامة في الدين، من بني إسرائيل الذين كانت الشام وبيت المقدس موطنهم إلى العرب الذين كانت الحجاز مستقرهم، والنبي صلى الله عليه وسلم من ذرية إسماعيل، وقد شارك أباه إبراهيم عليهما السلام في بناء البيت، بخلاف أنبياء بني إسرائيل فإنهم من ذرية إسحاق عليه السلام. 

 وتختتم عضو هيئة تدريس الفقة المقارن بجامعة الأزهر ،حديثها قائلة: "إن تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة كان عاملًا مهمًّا وأساسًا متينًا في بناء الدولة الإسلامية الكبرى بعد ذلك، فلقد ساعد على تأليف قلوب أهل مكة وسائر القبائل العربية في أرجاء الجزيرة، وهم الذين يعظمون البيت الحرام ويتوارثون تقديسه على توالي الأجيال كما  ساعد على تأليف قلوبهم نحو الإسلام رويدًا رويدًا حتى أشرقت به جزيرة العرب، ثم نفذ ضياؤه بعد ذلك إلى سائر الأرجاء، ليصبح دين العالمين".

search