الجمعة، 22 نوفمبر 2024

12:36 ص

القطاع الخاص.. "ليس لدى الجارية ما تطبخ به"

أحد مصانع الحديد في مصر

أحد مصانع الحديد في مصر

ولاء عدلان

A A

"قاطرة التعافي الاقتصادي في ظل عالم مليء بالتحديات"، هكذا وصف وزير المالية المصري، محمد معيط، القطاع الخاص خلال مشاركته في اجتماعات البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، قائلا إن مصر تسعى لمضاعفة إسهامه في حجم الاقتصاد إلى 65% على المدى المتوسط. فماذا لو كانت هذه القاطرة معطّلة؟

يعدّد عضو جمعية رجال الأعمال المصريين، رامي زهدي، لـ"تليجراف مصر" المعوّقات التي تواجه جهود الحكومة لدعم القطاع الخاص وتحول دون توسّعه. ويأتي في مقدمتها، بحسب رأيه، عدم وضوح السياسة النقدية، وتقلبات أسعار الصرف، مع حقيقة وجود سعرين للدولار في السوق المصرية، وبالتبعيّة يعزف المستثمر عن ضخ استثمارات جديدة إلى حين استقرار سوق الصرف. 

بحسب مؤسسة ستاندرد آند جلوبال، فالقطاع الخاص غير النفطي في مصر مصاب بانكماش منذ 37 شهرًا، ويعاني من تدهور في مستويات الطلب، وهي أشبه بضربات القلب، انتظامها من عدمه يؤثر على نشاط القطاع صعودًا وهبوطًا. 

 انكماش متواصل 

في نوفمبر الماضي، سجلت قراءة مؤشر ستاندرد آند بورز جلوبال لمديري المشتريات في مصر المعلنة أمس 48.5 نقطة، ارتفاعا طفيفا عن مستوى نوفمبر 2022، البالغ 48.4 نقطة. لكن المؤشر لا يزال أقل من مستوى 50 نقطة، الفاصل بين النمو والانكماش. 

هل تذكر آخر مرة خضعت فيها لتحليل صورة دم كاملة؟ مؤشر مدير المشتريات أقرب إلى هذا التحليل، فالأول يقيس الحالة العامة للجسم، من خلال مجموعة من المؤشرات، والثاني يقدم نظرة عامة عن نشاط القطاع الخاص، من خلال قياس مجموعة من المؤشرات مثل حجم الطلبيات الجديدة وحجم الإنتاج والتوظيف، وكما تفيد صورة الدم في الحصول على تشخيص دقيق ومعالجة المشكلة، الأمر نفسه يحدث في حالة مؤشر مديري المشتريات، فبناء عليه تتخذ الشركات قراراتها المستقبلية.

سجل المؤشر في مصر أعلى معدل له منذ أغسطس 2021 عند 49.2 نقطة في يوليو الماضي، وبحسب تقرير ستاندرد آند بورز الصادر أمس الأربعاء 3 يناير 2024، فالقطاع الخاص غير النفطي في مصر يواصل انكماشه بضغط من تدهور الطلب وارتفاع تكاليف الإنتاج وارتفاع التضخم (سجل نوفمبر الماضي 36.5% وفق الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء).

طموحات وحوافز 

ضمن مساعيها لرفع نسبة مساهمة القطاع الخاص إلى 65% في الاقتصاد، نجحت الحكومة المصرية في تهيئة بيئة استثمارية محفزة للقطاع الخاص، عبر حزمة من الإجراءات التي تضمن تكافؤ الفرص، وجذب المزيد من الاستثمارات الخاصة، وفق تصريحات وزير المالية على هامش اجتماعات البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية. 

يحيل عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات، محمد البهي، أزمة القطاع الخاص إلى نقص العملة الصعبة وصعوبة تدبيرها من خلال القطاع المصرفي، وهو أحد أسباب تراجع الإنتاج الصناعي وارتفاع تكاليفه، لا سيما بالنسبة للشركات التي تعتمد على مستلزمات إنتاج مستوردة من الخارج. 

خلال الفترة من مايو 2022 إلى سبتمبر 2023، نفذت الحكومة نحو 171 إجراء لدعم القطاع الخاص، 144 إجراءً من بينها جاءت لتعزيز إصلاحات سعر الصرف والأطر القانونية والتنظيمية، وتحقيق الحياد التنافسي ودعم الاستثمار وتحسين بيئة الأعمال، فضلًا عن 46 إجراءً لدعم القطاع الصناعي، وفق بيان لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، بمجلس الوزراء في 18 سبتمبر الماضي. 

 

مؤشر مديري المشتريات في مصر من أغسطس حتى أكتوبر 2023

تراجع الثقة

خلال نوفمبر الماضي تراجعت توقعات شركات القطاع الخاص بشأن الأداء المستقبلي للقطاع خلال الأشهر الـ12 المقبلة إلى أدنى مستوياتها منذ 11 عامًا، وأرجعت ستاندرد آند بورز ذلك إلى ارتفاع تكاليف ومستلزمات الإنتاج مقابل تراجع الطلبيات الجديدة.

منذ بداية العام الماضي، تحمل المستهلك المصري نحو 90% من تكلفة مستلزمات الإنتاج، وفق التقرير الشهري لوزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية. يوضح محمد البهي أنه في ظل ارتفاع تكاليف الإنتاج مرّرت الشركات هذا الارتفاع إلى المستهلك، الأمر الذي أدى إلى زيادة في أسعار السلع والخدمات وتراجع للطلب، وبالتبعية انكماش القطاع ككل، والحدّ من قدرة الشركات على التوسع في حجم أعمالها.

يتابع “في حالة المشروعات المتوسطة والصغيرة تظهر المشكلة بشكل أكبر، لأن هذه المشروعات يصعب عليها اللجوء إلى الاقتراض، كحل للحصول على التمويلات اللازمة للتوسع، في ظل ارتفاع أسعار الفائدة وعدم قدرتها على تحمل أعباء إضافية وسط تراجع الطلبيات الجديدة”.

يرى رامي زهدي أن الكيانات الكبيرة في القطاع الخاص، تبدي مرونة في التعامل مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة سواء عالميًا أو محليًا، لكن المشروعات المتوسطة والصغيرة، وهي تمثل نحو 70%، قد لا تصمد كثيرًا.  

جانب من تقرير سابق لوزارة التخطيط لعرض نتائج مؤشر مديري المشتريات

ظروف صعبة 

يشير “البهي” إلى أن شركات القطاع الخاص لا تزال تعاني من تداعيات صدمة جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية وانعكاسها على تعطل سلاسل الإمداد عالميًا، وهذا أيضا أثّر على مستويات الإنتاج، وجعل الأزمة مزدوجة.

يضيف أن الشركات في الوقت الراهن تسعى للاستمرار داخل السوق قدر الإمكان، وحتى إن أرادت الخروج فهذا سيكون صعبًا في ظل الظروف الراهنة، فمثلا لو أن شركة أرادت تصفية أعمالها وبيعها، فهي غالبا ستخسر أكثر من تكلفة استمرارها انتظارًا لتحسن ظروف السوق، وعودة مستويات الطلب.

الصعود والهبوط في عالم البيزنس أمر طبيعي، لكن عندما تكون الظروف الاقتصادية صعبة هنا تشأ الفرصة. يقول رامي زهدي “في هذا التوقيت من المهم أن تحافظ الشركات على استمرارية أعمالها، حتى وإن اضطرت إلى تخفيض هوامش الربح، لتكون مستعدة عند حدوث الانفراجة سواء داخل مصر أو خارجها، فعندها ستشرق الشمس على الجميع، لكن المستعد هو من سيتمكن من اقتناص الفرصة”.

search