الخميس، 21 نوفمبر 2024

06:49 م

طارق سعد

طارق سعد   -  

A A

نظام شيرين!

كثير ما تقسو الحياة علينا ونقع في حفرها الواحدة تلو الأخرى فهناك من يستسلم وهناك آخر يعافر للخروج منها قدر ما يستطيع بأقل خسائر وقليلاً ما تعطي الحياة فرصاً أخرى للنجاة أما الأقل هو أن تقذف له طوقاً للخلاص والبدء من جديد.

هذا تماما ما تعيشه "شيرين عبد الوهاب" وهو حالها الذي بنسبة كبيرة لا تعيه بشكل كافٍ عندما وقفت على مسرح الأوبرا وسط كوكبة من نجوم مصر والعرب برعاية سعودية في ليلة تاريخية تجمع فيها أهل الفن في قاعة واحدة لتخرج "شيرين" من عزلتها التي فرضتها عليها نتائج أفعالها ويعود الجمهور ليستقبل صوت "شيرين" المعشوق الأول الذي يمنحها دائماً عند كل نهاية قبلة الحياة.

ربما لا تستوعب "شيرين" حجم موهبتها وجماهيريتها تمام الاستيعاب ودائماً ما تأتي أفعالها بما على الأرض وتضعه فوق رأسها ولكن الأكيد أنها في كل مرة ينتهي بها الحال لمحاولة الحياة مرة أخرى والرجوع لمكانها الطبيعي ولكنها تكتشف في كل مرة وتكشف لنا أن نَفَسها قصير لتقع مجدداً وبعد فترة تحاول النهوض مرة أخرى وهو ما سحب منها رصيد كبير من دعم جمهورها وصبره عليها لتعود من جديد وتبعث صوتها بمجاله المغناطيسي ليجذب ما يستطيع من الجمهور وتؤكد له أنها عادت وأن هذه هي المرة الأخيرة.

"شيرين" النجمة الوحيدة التي تستحق لقب "صوت مصر" الحائر الذي يتصارع عليه جمهور المطربات للفوز به إلا أنه يستقر طوعاً على أحبال "شيرين" الصوتية التي تغنت بكل الألوان لكل الطبقات فهي الوحيدة من بين مطربات مصر التي تحظى بالإجماع الجماهيري حتى وهي في أسوأ حالاتها ويبقى الهجوم عليها وقتها كله حباً وغيرة على نجمة تمتلك موهبة فريدة ولا تستحق ما تدور بداخله فمن الطبيعي أن ينتفض الجمهور الغيور عندما يرى "شيرين" تقف على مسرح الأوبرا في هذه الليلة التاريخية تغني وهي تقرأ كل الأغنيات من الأوراق المثبتة أمامها على الحامل حتى أغنياتها القديمة .. 
أغنياتها الخاصة لا تستطيع أن ترفع عيناها من على الورق وتنظر إلى الجمهور وتتفاعل معه كعادتها وإن فعلتها بعفوية يتوه منها الكلام وتهرب إلى الورق سريعاً مرتبكة وهو ما أثر على أدائها ككل فتشعر أن "شيرين" تقف على المسرح وتغني "متكتفة" تريد أن تنهي الأغنية بسلام فخفت بريق صوتها وخفت بريق إحساسها وقل طربها .. فالمطربة لم تطرب!

نحترم محاولات "شيرين" للعودة ونقدر "معافرتها" ولكن ما تظهر عليه الآن حصاد زراعتها "الخايبة" وهو ما وضح في أولى أغنياتها "الدهب" التي أطلقتها قبل الحفل بأيام فبالرغم من جودتها إلا أنها أقل بكثير جداً من "شيرين" ورصيدها الغنائي ولا تصلح إلا أن تكون "حاجة خفيفة في فيلم" لا أكثر حتى أن بصمة صوتها المميزة مختفية وهو ما يترجم إحساسها في الاختيار الذي تسبب في مرور الأغنية مرور الكرام بلا أي صدى رغم أنها تتعاون فيها مع الشاعر "تامر حسين" والملحن "مدين" والموزع "توما" أصحاب النجاحات الساحقة وهو نتاج طبيعي لفقدان "شيرين" لذبذباتها الفنية.
كل ما مرت به "شيرين" في السنوات الأخيرة أوضح حقيقة واحدة هي أنها قادرة على ترك حياتها وحاضرها ومستقبلها في يد أخرى تسوقها وتسير بها كما تشاء .. تستسلم لهذا الوضع وتتكيف معه وتحارب من أجله .. فقط أنها أرادت ذلك لسبب ما تقتنع به ويدفعها في هذا الطريق وهنا السؤال الذي قد تعيد إجابته "شيرين" لـ "شيرين" ...

لماذا لا تريد "شيرين" نجاحها وعودة سيطرة أغنياتها على الساحة وسيطرة صوتها على سوق الغناء وطالما ترضى بفكرة ترك نفسها لمن يسوقها .. فلماذا لا تعود للتعاون من جديد مع منتجها وصانعها "نصر محروس" الأب الروحي لوجودها ونجاحها الفني؟

الحقيقة أن هذه العودة هي الفرصة الأخيرة لـ "شيرين" لتعود كما كانت على أن تكون عودة التعاون الفني هذا "على قديمه" بمعنى أن يعود "نصر محروس" لاحتكار "شيرين" والسيطرة التامة على كل تفاصيلها طواعية منها ليعيدها على "ضبط المصنع" فالفرق الجوهري بين تعاونهما وتعاون "شيرين" مع أي صناع موسيقى آخرين حتى ولو كانوا قمماً هي الرؤية فالجميع يعمل مع "شيرين" على اعتبارها مصدر النجاح وتتم صناعة الأغنية على هذا الأساس منذ خروجها إلى "روتانا" ورفعها لافتة "لن أعيش في جلباب نصر محروس" الذي يعمل مع "شيرين" على إنجاحها هي شخصياً فيتم صناعة الأغنية التي تناسب صناعة جديدة لـ "شيرين" نفسها وشتان الفارق بين الصناعتين ونتائجهما وهو الفالق الذي صنعه الزلزال الذي ضرب حياتها وقُذفت فيه.

"شيرين" تحتاج لنجدة عاجلة لإنقاذها برصيدها الفني الذي يتآكل فهي الآن على نظام "انجدني شكراً" وهي مؤهلة تماماً للنجدة إذا أرادتها أما شحن "نظام شيرين" الجديد فمتوافر فقط وحصري في منفذ "نصر محروس" الذي يحتفظ بكل أكوادها السرية ولابد أن تكون المبادرة الجدية منه وفوق مائة خط طواعية منها.

الوحيد الذي يملك طوق النجاة هو "نصر محروس" القادر على نجدتها وإلقاؤه لها إلا إذا كان هو نفسه مثل الجميع .. فقد الأمل في "شيرين"!

search