الأحد، 10 نوفمبر 2024

07:39 ص

الدكتور علاء جانب
A A

لماذا هذا القلم؟

لم يكن يصحبني في الامتحانات إلا هذا القلم.. كنت أهابه في التعليم الابتدائي، وحين سمحوا لنا باستخدام القلم الجاف كانت رهبته مثل رهبة الدخول على مجهول.. نحن أبناء المدارس الحكومية.. وأبناء أهل مصر العاديين جدًا.

ماذا فيك أيها القلم لكي يجعلوك مرحلة لاحقة لابد من التدرب عليها أولًا؟ 

كان القلم الرصاص يشبه الأمهات التي تغفر الخطأ وتمحوه.. فيما كان نظيره الجاف يشبه الآباء في الصرامة وعدم التراجع في القرار. 
كان استخدام القلم الجاف الأزرق إيذانًا بأنك أصبحت تتحمل مسؤولية قرارك وأن ما تقوله مثل ما تكتبه. 
نعم لقد أصبحت الكلمة عقدًا ومسؤولية يجب الوفاء بها وتحمل نتيجتها.. القلم الجاف كالرجولة فالرجل إذا قال الكلمة التزم بها ولم يتنصل منها. 
القلم الجاف شجاع يمضي ولا ينظر خلفه.. القلم الأحمر كان وعدًا ووعيدًا وثوابًا وعقابًا كان مهيبًا يشبه أستاذ الحساب وأستاذ العلوم لأنهما يدرسان لنا شيئًا غير الحروف والكلمات.. إن تقديرنا في الفصل وفي البيت رهن سن القلم الأحمر الذي يمسك به الأستاذ. 
منذ الصغر وأنا لا أحب الأرقام؛ أحب ائتلاف الحروف والأناشيد، وتفتنني الأساليب العالية في القرآن والشعر. أسافر مع عقلة الأصبع في رحلته، وفي الامتحانات كان الصديقان الدائمان لي قلمين فرنساويين (أساسي واحتياطي)، وقلم رصاص للتسطير به، ومسطرة. 
كانت لحظات الامتحان تسقط من حساب الزمن لأني كنت أستغرق حتى الغياب في ورقتي وكتابتي لتخرج على أكمل وجه وأجمل صورة.
كان خطي جميلًا وكنت أحيانًا أشكل بعض الإجابات؛ لذلك كانت درجاتي دائمًا فوق الـ 90٪؜ في كل المواد تقريبًا. 
كانت أيام الامتحانات أيام سعادة بالنسبة لي وكنت أحب الإجابة عن الأسئلة الأكثر صعوبة وتفاصيل عدة في الاختبارات؛ ببساطة لأنها لم تكن صعبة عليّ.
كنت أحب كليتي جدًا وأحب المواد الدراسية فيها لذلك كان جهد المذاكرة لذيذًا ومحببًا فكانت تأتي أيام الامتحانات وقد تدربنا على ما هو أدق وأصعب من أسئلتها. 
ادخل كلية تحبها.. 
ذاكر من أول يوم..
استمتع بهذا..
واستعمل الأقلام التي تحبها.

*د. علاء جانب الشاعر والأستاذ بجامعة الأزهر

search