السبت، 05 أكتوبر 2024

05:22 م

عقارب ساعة الحكومة تتسارع.. هل يتكرر سيناريو 2016؟

لقاء سابق لمسؤولي صندوق النقد مع وزير المالية محمد معيط

لقاء سابق لمسؤولي صندوق النقد مع وزير المالية محمد معيط

ولاء عدلان

A A

تسارعت عقارب ساعة الحكومة في دورانها منذ بداية 2024، مع دخولها في مباحثات جادة مع صندوق النقد ورفعها لسعر الفائدة بواقع 2% تزامنًا مع إقرار حزمة ضخمة للحماية الاجتماعية وخطوات حاسمة لتحجيم السوق السوداء للعملة، وأخيرًا الكشف عن صفقة تاريخية تقترب من إجمالي احتياطي النقد الأجنبي، فيما يشبه محاكاة لسيناريو مصر والصندوق في 2016.. فهل يتكرّر؟
 

أعلنت الحكومة نهاية الأسبوع الماضي تفاصيل صفقة بـ 35 مليار دولار لتطوير مدينة رأس الحكمة الواقعة على الساحل الشمالي الغربي للبلاد، الأمر الذي ساهم في الضغط على سعر الدولار في السوق الموازية ليتراجع باتجاه مستويات تتراوح بين 49 و52 جنيهًا بعد أن كان يتداول عند 63 جنيهًا قبل الصفقة بيوم واحد فقط، وفق الخبير الاقتصادي، مصطفى بدرة. 
وأضاف بدرة من المتوقع أن تسهم السيولة الدولارية المباشرة الناجمة عن الصفقة خلال شهرين من الآن في سد الفجوة التمويلية للموازنة وفي تضييق الفجوة مع السوق الموازية أكثر وبدرجة تسهم في تقويض التضخم وإقناع صندوق النقد بالتخلي عن شرط خفض الجنيه في الوقت الحالي.

ما شروط الصندوق؟ 

بحسب تصريحات سابقة لمديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجييفا، فإن الصندوق يسعى حاليًا لإعطاء الاقتصاد المصري دفعة ثقة تعزز مرونته في مواجهة التحديات الناجمة عن حرب غزة، وتدور المفاوضات مع القاهرة حول سعر صرف مرن وليس تعويمًا كاملًا، مع إعطاء الأولوية لكبح التضخم وتعزيز الحماية الاجتماعية. 
بالعودة لعام 2016، نجد أن الصندوق وافق على منح مصر قرضًا بقيمة 12 مليار دولار في إطار برنامج إصلاح اقتصادي أبرز شروطه تحرير نظام الصرف لحل أزمة نقص العملة الأجنبية وتشجيع الاستثمار والصادرات واحتواء التضخم وتقوية شبكة الأمان الاجتماعي فضلًا عن إجراءات تقشفية للسيطرة على سقف الدين العام.

خفض الجنيه

قبل أيام من موافقة الصندوق على منح مصر قرض الـ12 مليار دولار، قرّر البنك المركزي 3 نوفمبر 2016 رفع سعر الفائدة بواقع 300 نقطة أساس لتصل إلى 14.75% للإيداع و15.75% للإقراض، بالتوازي مع إعلانه تحرير سعر الصرف لينخفض الجنيه إلى 19 جنيهًا للدولار الواحد من مستوى 8.8 جنيه، وذلك قبل أن يستقر لاحقًا عند مستويات بين 15 و16 جنيهًا في  السنوات اللاحقة حتى 2022. 
قرار تحريك سعر الصرف في 2016 جاء بهدف القضاء على السوق السوداء التي وصل فيها سعر الدولار إلى 18 جنيهًا في ظل معاناة الدولة من أزمة شح بالعملة الصعبة، خلفتها تداعيات أحداث 25 يناير 2011 التي تسببت في ضغوط على احتياطي النقد الأجنبي للدولة ليتراجع إلى 19 مليار دولار في أكتوبر 2016 مقابل قرابة 36 مليار دولار بنهاية 2010. 
ما أشبه اليوم بالبارحة، فسعر الدولار في السوق السوداء (52.5 جنيه للدولار) مرتفعًا بنحو 70.5% مقارنة بسعره الرسمي البالغ 30.8 جنيه للدولار، وكذلك تعاني الدولة ضغوطًا متصاعدة على احتياطي النقد الأجبني منذ بداية 2022 فهو حاليًا عند مستويات 35.2 مليار دولار مقارنة بـ40.9 مليار دولار بنهاية 2021.
بحسب مدير الاستثمار بشركة إنترناشيونال لتداول الأوراق المالية، الخبير الاقتصادي، حسام عيد، فإن الحكومة تسير باتجاه حسم قرار تحريك سعر الصرف قريبًا، لا سيما بعد رفعها مطلع فبراير لسعر الفائدة وإقرار حزمة حماية اجتماعية بقيمة 180 مليار جنيه، كخطوات استباقية لاحتواء الضغوط التضخمية التي سيخلفها أي خفض جديد للجنيه.

وتابع “هناك أيضًا خطوات متسارعة لخفض فاتورة الإنفاق الحكومي، وحسم عدة صفقات على غرار رأس الحكمة، لتوفير السيولة اللازمة للدفاع عن قيمة الجنيه حال تعرضه لمضاربات عنيفة عقب قرار خفضها”.
نعود مرة أخرى لسيناريو 2016، نجد أن معدلات التضخم ارتفعت بقوة عقب قرار تحرير الصرف لتتجاوز مستوى 30% خلال 3 أشهر فقط مسجلة أعلى مستوياتها في 41 عامًا، بعد أن كانت بحدود 14% في أكتوبر 2016، ويتوقع حسام عيد حال صدور قرار تحريك سعر الصرف أن يقفز التضخم إلى مستويات قياسية تتجاوز 40% بعد أن تباطأ إلى 29% خلال يناير الماضي.

محافظ البنك المركزي في 2016 أثناء الإعلان عن قرار تحرير سعر الصرف

صفقات ضخمة

بالتفتيش في أوراق 2016، سنجد إعلانا مشابها لصفقة رأس الحكمة، تحديدًا في إبريل من العام المشار إليه، عندما أعلنت الحكومة توقيع 20 اتفاقية مع السعودية إحداها لإنشاء صندوق استثمار مشترك بقيمة 60 مليار ريال، واتفاقيات مع الصندوق السيادي السعودي، بقيمة تتجاوز 1.5 مليار دولار، لتنفيذ مشروعات في سيناء، واتفاقية مع اقتصادية قناة السويس لتطوير مدينة صناعية بنحو 3.3 مليار دولار، فضلًا عن اتفاقيات بـ7.7 مليار دولار للتعاون في مجالات مختلفة. 
وفي أبريل 2016 أيضًا، أعلنت الإمارت تخصص 2 مليار دولار كوديعة في المركزي المصري لدعم الاحتياطي النقدي فضلًا عن تعهدات باستثمارات إضافية بقيمة 2 مليار دولار، والمدهش أن الصحف وقتها اعتبرت هذه الاتفاقيات خطوة قد تجنب مصر الاقتراض من صندوق النقد الأمر الذي تكرر مع صفقة رأس الحكمة.

مجموعة عجلان توقع اتفاقية استثمار بمصر على هامش زيارة العاهل السعودي للقاهرة يونيو 2016

تمويل وشيك

في أول تعليق مباشر على صفقة رأس الحكمة، قالت مديرة صندوق النقد، أمس، إن الاستثمار الإماراتي الضخم علامة إيجابية للغاية، في ظل التحديات التي تواجهها مصر على خلفية استمرار حرب غزة. 
وأضافت على هامش مشاركتها في اجتماع مالي لدول مجموعة العشرين في البرازيل، أن الصندوق حل القضايا الأساسية مع القاهرة فيما يتعلق بمراجعته لبرنامج قرض الـ3 مليارات دولار المتفق عليه نهاية 2022، ومن المتوقع أن يضع اللمسات النهائية على التمويل الإضافية في غضون أسابيع.
وردًا على سؤال بشأن احتمالات رفع قيمة القرض من 3 إلى 12 مليار دولار، قالت جورجيفا  “ليس عيبًا أن تكون طموحًا”. ومن جانبها توقعت وكالة “فيتش” في يناير الماضي، أن تصل قيمة القرض إلى 8 مليارات، وأن تُقدِم القاهرة على خفض الجنيه إلى مستوى بين 40 و45 جنيهًا نهاية مارس المقبل. 
من جانبه، اعتبر الخبير الاقتصادي، عادل عامر، أن صفقة رأس الحكمة تمهّد الطريق لإعلان تفاصيل الاتفاق النهائي مع صندوق النقد ربما في مارس المقبل، متوقعًا أن ترتفع قيمة القرض إلى 10 مليارات دولار.

search