الجمعة، 20 سبتمبر 2024

12:37 م

نزيف غزة يأبى الالتئام

ما ستقرأه في السطور التالية عزيزي القارئ هو شهادات حية من داخل القطاع الملكوم والحزين الذي التحف أهله بالسماء غطاًء وبالأرض فراشًا.

نشاهد جميعا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وشاشات التلفاز، ما يحدث من مجازر ومآسٍ لإخواننا في فلسطين، على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي الذي يدعّي التحضر واهتمامه بحقوق الحيوان، ناهيك عن حقوق الإنسان المزعومين، وهذا ما جعل ملايين المصريين يبكون في المظاهرات التي خرجت تساند إخوانهم، بسبب المجازر التي تحدث في أطفالنا وشيوخنا ونساءنا في أرض الرباط.

دعني أعود بك عزيزي القارئ إلى الوراء لكي تفهم عقلية الكيان المحتل والعقيدة التي يستند إليها في الصهيونية، وحتى قبل انتشار الفكرة، أو بمعنى أصح خروجها للعلن وتنفيذها وتطبيقها أمام العالم.

لا يخفى على أحد منكم ما فعله يهود بني قريظة من نقض العهود مع النبي محمد - صلى الله عليه وسلم- وتآمرهم مع الأحزاب للقضاء على المسلمين، هذا ديدنهم وهذه سجيتهم، وهو ما أخبرنا به القرآن الكريم في سورة البقرة الآية (100)، قال تعالى "أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ".

هؤلاء القوم الذين قتلوا الأنبياء والمرسلين، وجادلوا الله عز وجل، ولم يسلم من لسانهم رب العباد، حيث أخبرنا الله عز وجل أنهم عليهم اللعنة، قالوا لله عز وجل "وقالت اليهود يد الله مغلولة" سورة المائدة الآية 64، فمن ينتظر منهم بعد كل ذلك أن يفوا بعهد أو يرحموا طفلًا أو سيدة أو مسنًا.

أعود بك إلى الحاضر والواقع الأليم، حيث الشهادات التي تُدمي القلب قبل العين والتي سمعتها من بعض الأشخاص العائدين من جحيم القتل والتدمير في غزة، حيث قال شاب جنسيته مصرية، ويدعى أحمد.م، وهو مصري ذهب إلى قطاع غزة لزيارة بعض أقاربه، حيث قال إن ما شاهدوه من قتل وتدمير، جزء بسيط مما نشاهده على شاشات التلفاز، حيث أن الذي يعيش الأحداث يوميا وفي كل لحظة ومنتظر استشهاده، يرى الأحداث بعين مختلفة تماما.

يتنهد أحمد وينظر إلى طفلته التي كانت معه في العدوان الغشيم على غزة، قائلًا “اللي طلع من هناك على خير عمره طويل، إحنا البيوت اللي قعدنا فيها كلها اتقصفت وروحنا قعدنا في مدارس الأونروا وبردو قصفونا في المدرسة”، يستكمل أحمد كلامه: “ما بقيتش قادر أشوف الجثث وأشلاء الأطفال المتناثرة والتي عدت أمرًا طبيعيًا علينا خلال الشهرين الماضيين”.

أخرج أحمد هاتفه المحمول من جيب بنطاله وقال لي "الفيديو ده بيوثق قتل الاحتلال للمدنيين في مدارس الأونروا التابعة للأمم المتحدة"، وأشار إليّ قائلًا "المكان اللي واقع فيه الصاروخ ده الخيمة بتاعتي كانت بعده بأمتار والحمد لله وكقتها ما كناش موجودين أنا وأسرتي فيها".

دعني أعود بك لأرض الوطن هنا في مصرنا الحبيبة، وأسرد لك شهادتي أثناء تغطيتي الصحفية بمعبر رفح البري، عن بعض النماذج المصرية التي تبتهج وأنت تشاهد حرصهم على مساعدة إخوانهم في قطاع غزة.

كنت جالسًا مع أحد الأصدقاء في خيمة على الحدود المصرية الفلسطينية، حيث تنامى إلى مسامعي أن هناك طبيب تابع لإحدى القوافل الخيرية، يتشاجر مع أحد الأشخاص، خرجت مهرولًا إلى الطبيب فوجدته يبكي أثناء حديثه مع شخص يبدوا أنه مسئول الأطباء في المؤسسة الخيرية التابع لها، حيث بدأ الشجار الصوتي يحتدم، جميع الشباب بدأوا يتدخلوا لفض النزاع.

بدأ الطبيب الشاب ينهار ويبكي بحرقة، ويقول: "أنا جي من آخر الدنيا عشان أساعد إخواتي في فلسطين افتحوا لي خلوني أساعدهم"، موقف وشعور هذا الشاب الطبيب الذي لامس صدقه قلبي، أحزنني على شعوري اتجاه القضية الذي بت أشك في صدقه بعد ذلك.

وفي الليل جاء لي شاب ويبدوا على ملامحه الإنهاك والتعب إثر سفره، متسائلًا: عن أحد المسئولين في الجمعيات الخيرية لكي يساعده في الدخول إلى قطاع غزة، حيث علمت بعد مناقشته لفترة وجيزة أنه طبيب في الامتياز، وجاء من إحدى المحافظات الريفية ووصل إلى هنا بعد عناء وصعوبة شديدين بسبب عدم العثور على وسائل نقل تُقله إلى معبر رفح البري.
 

وفي نهاية الأمر لا أقول سوى جفت الأقلام من الكتابة والدفاع عن القضية التي تؤرق العالم كله وستؤرقه بسبب دفاعها واستبسالها أمام هذا العدو القاتل الإرهابي.

search