الخميس، 19 سبتمبر 2024

07:06 ص

نجوى مصطفى

نجوى مصطفى

A A

في حضرة الـ"إمام"

بتوقيت السيارة، فالانتقال من السنبلاوين إحدى مراكز محافظة الدقهلية، إلى الجزيرة يحتاج 4 ساعات على الأقل، وبتوقيت الطائرة فالسفر من كوبنهاجن الدنماركية إلى القاهرة يستغرق 5 ساعات، أما بحسبة جماهير الأهلي فالدخول إلى قلوبهم يحتاج إلى سنين طويلة يُثبت فيها اللاعب انتماؤه إلى "الفانلة الحمراء"، فما بالك لو كان اللاعب قادم من صفوف الغريم التقليدي، وما بالك أيضًا لو اختار هذا اللاعب رقم "22" بكل ما يعنيه الرقم في قلوب جماهير القلعة الحمراء.


لكن، ربما لأنه مواليد برج الحوت الذين يدركون جيدًا أن خيالهم حقيقة وحقيقتهم خيال، وربما لأنه يثق في قدراته الفنية جيدًا، وربما لأنه أدرك أنه سينضم إلى نادِ قادر على ضبط إيقاع الجميع في منظومة غير مسموح الخروج عنها، ربما لتلك الأسباب اختار طواعية أن يتحمل تلك الأعباء، فيقطع الطرق بالسيارة في وقت قياسي، ويهبط على "التتش" بالمظلة، ويقدّم نفسه إلى الجمهور مصرًا على إنه يليق بالرقم الذي اختاره ويعرف قيمة من ارتداه قبله، وأمام هذا الطوفان من التحدى لم يملك الجمهور سوى الجلوس والانتظار.


هكذا رأيت صفقة انتقال إمام عاشور إلى الأهلي في يوليو الماضي، وحقيقة لم تكن العقود وقيمة الصفقة والراتب مشكلة بالنسبة لي، بل هي أهون العقبات مقارنة بالاختبار الفعلي داخل المستطيل الاخضر، لذلك تقبّلت أنا وغيري هذا الانتقال دون اكتراث بالتفاصيل، حتى المعترضين صمتوا وجلسوا يتابعون الوافد الجديد وما الذي  سيضيفه، والحقيقة أن البداية لم تكن تليق بالوهج المعروف، وإن كان ذلك يعود للإصابة التي تعرّض لها "إمام" ورافقته أثناء الانتقال، وبالتالي احتاج وقت للتكيف والتأقلم، واحتجت أنا وقت للكتابة عنه بإنصاف دون تمجيد أو تقليل من شأنه.


ولأن التحديات كبيرة، واللاعب يناطح السماء فعلا، كانت البداية الحقيقية لـ"إمام" في مونديال الأندية بالرياض، ومنذ أول مباراة للأهلي مع اتحاد جدة بكل ما يملكه الأخير من لاعبين بقيمة كريم بنزيما، تألق عاشور ناشرًا سحره الذي أسفر عن تسجيله للهدف الثالث ليكون "عربون محبة" لجماهير الأحمر التي ارتاحت قليلًا لهذا الظهور المميز الذي تتالى في مباريات كأس العالم للأندية الذي حصل فيه "إمام"على رجل المباراة في لقاء أوراوا الياباني ثم توّج بالميدالية البرونزية لأول مرة في مسيرته كلاعب.


هل انتهت التحديات؟ الإجابة لا، فإمام بالتزامن مع ذلك، فُرضت عليه معركة إثبات ذاته للمدير الفني السابق لمنتخب مصر روي فيتوريا، من أجل المشاركة في مباريات كأس الأمم الإفريقية الأخيرة، ورغم الضغط هنا وهناك لاستبعاده، تمكّن "عاشور" من اقتناص مكانه الذي لم يتركه حتى غادرت مصر البطولة، وعاد "إمام" وهو يعلم أن أمامه أسابيع قليلة وسيخوض التحدي الأكبر وهو مواجهة الزمالك، ناديه الأسبق والغريم التقليدي للقلعة الحمراء.


لم تكن مجرد مواجهة أو لقاء، بحسابات الأندية هي بطولة ومباراة لا تقبل القسمة على اثنين، وبحسابات مجالس الإدارات هي فرصة لإنعاش الخزينة بـ950 ألف دولار ستكون من نصيب الفائز، وبحسابات الجمهور هي أرض معركة بين إمام عاشور بالقميص الأحمر لأول مرة في مباراة قمة وبين عبد الله السعيد بالقميص الأبيض لأول مرة أيضًا في مباراة قمة، وكان السؤال، لمن سينتصر التاريخ؟، للمستقبل والحاضر أم للماضي بكل ما يحويه من حنين.


لا يعترف التاريخ كثيرًا بالماضي، ولا يتوقف أمام الحنين، فهو سيف قاطع ينحاز فقط للحاضر الذي جسّده إمام عاشور من أول دقيقة بالتحركات والمحاولات وبعض المهارات حتى صار الاسم الأكثر ترديدًا خلال شوط المباراة الأول، ولأن التاريخ أحيانًا مُنصف، ولأنه أحيانًا يمنح للمجتهد حقه، لم ينتهى الشوط الثاني إلا وكان "إمام" صاحب الافتتاحية بهدف قبل أن يصنع الثاني ويرد الجميل لـ"أفشة"، وتتويجًا لصورة لم يكن كثيرًا يتخيلها وكثيرًا خشاها، تُوج إمام برجل المباراة.


يرى نيوتن أن النسبية هي التي تقرر عظمة أي شيء ومقداره، فما يحدث خلال سنوات ليس كمن يحدث خلال أشهر قليلة، وإذا نظرنا إلى الصورة من "كادر" أوسع، نرى أنه خلال 6 أشهر تقريبًا هناك لاعب انضم من نادي منافس، ودخل قلوب الجماهير التي كانت في السابق تهتف ضده كحال أي جمهور، بل ويصبح هذا اللاعب نفسه صاحب بصمة واحدة في فريقه الجديد وفرس الرهان الذي لا يخيب، وحين يأتي موعد الاختبار الصعب كلقاء "القمة" يتألق ويحرز الهدف الذي غيّر المسار ويفوز برجل المباراة نفسها، ما يعني إن كل ما راهن عليه "إمام" كسبه، لذلك فحين نقول نحن في حضرة الـ"إمام" فهذا ليس أكثر من تجسيد للحاصل، وإن كان على "عاشور" أن يحذر من فخ "الحرافيش"  فلا يصدّق أن هناك درجة يستطيع أن يقف عليها ولا يبذل أي مجهود، فسلالم مجد الأهلى لا تعترف بالتوقف.

search