الجمعة، 20 سبتمبر 2024

05:35 ص

"السفاح المثقف" محمود أمين... خلّد تاريخه الإجرامي نجيب محفوظ ومات محاصرا في مغارة

السفاح محمود أمين

السفاح محمود أمين

مصطفى منازع _ محمود رفاعي

A A

محمود أمين سليمان، الشهير بـ"القاتل المثقف"، سفاح شهير بث الذعر في نفوس جميع المصريين في فترة الخمسينيات، ونفّذ 14 جريمة قتل، حتى تمكنت الشرطة من قتله داخل مغارة في أوائل فترة الستينيات. 

خلّد نجيب محفوظ في بدايات سبتمبر من عام 1961، حكايته في رواية “اللص والكلاب”، والتي تحولت إلى أحد كلاسيكيات السينما المصرية، من بطولة شكري سرحان، والفنانة شادية.


 

مشاهير العصر

بدأ "سليمان" حياته موظفا في الحكومة، ولسوء سلوكه لم يستمر طويلا وتم فصله، كان يملك حينها دار نشر شهيرة، كوّن منها العديد من العلاقات مع مشاهير العصر، مثل المطرب الراحل عبد الحليم حافظ، والشاعر كامل الشناوي، والكاتب الصحفي مصطفى أمين.

اعتاد "سليمان" السهر مع كوكبة من النجوم في فندق هيلتون النيل، فهو من وجهة نظرهم صاحب دار نشر ومثقف، وجعل دار النشر الخاصة به ستارا ليخفى خلفها أعمال السرقة والإجرام.

سرقة وإجرام

اتجه "سليمان" لمجال السرقة، كان حبه وعشقه للسرقة والانحراف والإجرام يسيطر عليه، حيث بدأ بسرقة الماشية، ثم احترف سرقة الشقق.

كان "سليمان" يتصيّد الأماكن الفاخرة بالأحياء الراقية، مثل شقق وفيلات الأثرياء، وأخذ يتجول بين الإسكندرية والعاصمة بحثا عن السرقة.

قام ذات مرة بسرقة فيلا أمير الشعراء أحمد شوقي، وفيلا أم كلثوم، كان حينها يساعده في السرقة شقيق زوجته، في يوم من الأيام وقع بين "سليمان" وشقيق" زوجته" خلاف، حيث أبلغ عنه.

كانت الشرطة حينها قد تلقت الكثير من البلاغات التي سببت حيرة كبيرة لرجال الشرطة، لأنه لم يكن مسجلا لديهم.

58 جريمة سرقة

ألقت الشرطة القبض على "سليمان" في محافظة الإسكندرية ورحّلته إلى القاهرة للمحاكمة، لأن معظم سرقاته كانت في العاصمة، واعترف حينها بارتكابه 58 جريمة سرقة.

تمت محاكمته وإيداعه في السجن، وذاع صيت محمود سليمان حينها في الصحافة التي اهتمت به، لدرجة أنها حولته من مجرد لصّ عادى إلى "ظاهرة أسطورية"، وأبرع المجرمين في التنكر.

مرض الشك

كلفت زوجته حينها المحامي "بدر الدين أيوب" للدفاع وإخراجه من القضايا المتهم بها، لكن سرعان ما بدأ الشك الشيطاني يساور "سليمان"، والذي أوهمه بوجود علاقة بين المحامي وزوجته "نوال"، واتهمها بالخيانة.

بدأت غريزة القتل تتفاعل داخله، حيث بدأ يفكر في الهروب من السجن لقتلهما، في تاريخ الثالث من مارس 1960 استطاع الإفلات من الشرطة بكل سهولة وهرب من السجن، وسافر إلى الإسكندرية.

ذهب إلى منزل المحامي وحاول أن يتعقبه، حيث قام بإطلاق عدة أعيرة نارية عليه ولكن أنقذته العناية الإلهية من الموت واستطاع المحامي الإفلات منه، فذهب إلى منزل صديق "المحامي" ويدعى المهندس "محمد محمود أمين"، وسأله عنه فلما أخبره بأنه لا يعرف مكانه أطلق "سليمان" عليه الرصاص من مسدسه فأصابه في فخذه ثم لاذ بالفرار.


سجن ٤ سنوات

كانت أحداث مارس بمنزلة نقطة تحول في دراما " سليمان"، فذهب مرة أخرى للمحامي "بدر الدين" وتنكر في زي ضابط ليطارده ولم يجده، فقتل بواب المنزل وحاول قتل سائق وطباخ، كما سبق له أن ارتكب عدة سرقات من منازل لأسر كبيرة في الإسكندرية من عائلة سباهي، ومنزل السيد جمال قطبي أحد مديري شركات الملاحة.

كما يذكر أن المتهم كان قد حكم عليه بالسجن 4 سنوات في لبنان لارتكابه جريمة قتل هناك وبعد أن أمضى فترة العقوبة، طردته السلطات.

جمال عبد الناصر

يذكر أن "سليمان" تحدث مع الرئيس جمال عبد الناصر في الهاتف وعرض عليه أنه يقوم بجلب رأس عبد الكريم قاسم رئيس العراق في ذلك الوقت الذي كان على خلاف مع عبد الناصر.

شكه فى عديله 

كان "سليمان" لا يثق في أحد على الإطلاق، ذات يوم بدأ الشك يساور "سليمان" وأراد قتل عديله "جمال أبو العز"، وذلك لشكه بأنه قام بالإبلاغ عنه لدى البوليس.

كما أيضا أطلق النار على موظف حكومي يدعى "على محمود سليمان"، بذات الوقت لظنه بأنه على علاقة بشقيقته الصغرى "جميلة".


14 جريمة قتل

تحولت بعد ذلك حياة "سليمان" إلى مطاردة مستمرة بينه وبين الشرطة ولسوء حظه كان حبه وعشقه للسرقة والانحراف والإجرام يسيطر عليه، ما جعله يرتكب 8 وقائع قتل، أهمها كان مقتل خليل خضر بيومي، أحد تجار الحبوب الكبار بمنطقة محرم بك، وسرقة مبلغ ألفين جنيه كانت بحوزته، ثم توالت جرائمه التي كان أساسها السرقة ثم القتل وارتفعت حصيلته إلى 14 جريمة قتل.


خطاب للشرطة

كثفت رجال الشرطة من جهودها للقبض على اللص، بعد هروبه من السجن غير أنه عاد إلى الظهور مرة أخرى في مدينة الإسكندرية، داخل إحدى دور السينما ثم ظهر في الساعة الواحدة صباحا في شارع السلطان حسين.

كما استقل سيارة أجرة أخرى إلى أحد الشوارع في قلب حي محرم بك، أثناء الطريق عرض على سائق السيارة إحدى الصحف الصادرة حينها والمنشورة فيها صورته وسأله: تعرف صورة مين دي؟ وقبل أن يجيب السائق قاطعه اللص قائلا: دي صورتي أنا. ارتبك السائق حينها وكاد يغمى عليه، ولكن اللص هدأ من روعه، وأخرج خطابا من جيبه، سلمه له وكلفه بتوصيله إلى العقيد محمد البشبيشي مفتش المباحث الجنائية، ثم غادر التاكسي دون أن يدفع أجراً.

أفاق السائق من ذهوله، ليسرع إلى قسم البوليس ويقدم الخطاب الذي سلمه إليه اللص، كان الخطاب مكتوبا بالقلم الرصاص وفيه يعتب اللص على رجال الشرطة لأنهم يتولون حماية زوجته "نوال" والمحامي "بدر الدين" والمهندس المصاب "محمود محمد أمين".

 قال إن الآخرين خانوه مع زوجته، ومن أجل هذا فإنه مصرّ على قتلهم هم الثلاثة مهما كلفه الأمر.


مقتل "سليمان"

يوم التاسع من أبريل عام 1960، تمكنت الشرطة من قتله بعد مواجهة معه بإحدى مغارات حلوان، وحصار دام 60 يوما تقريبا.

انتهت الشرطة من مطاردته وسقط "سليمان" بعد حصار لمدة 75 دقيقة، ومات بعد أن اخترقت جسده 17 طلقة نارية من أسلحة رجال الشرطة، وصادف يوم مقتله في نفس العام الذي تم فيه قرار تأميم الصحافة.

عندها نشرت الصحف خبر مقتله، قبل نشر خبر زيارة "جمال عبد الناصر"، لـ "باكستان"، وظهر عنوان "مقتل السفاح.. جمال عبد الناصر في باكستان"، كأنهما نفس الخبر.

هكذا كانت نهاية لص حولته الصحافة إلى سفاح خطير، وكتب عنه نجيب محفوظ بأسلوبه الرائع قصة حياة السفاح في رواية تحولت إلى فيلم لا ينسى بنفس العنوان: "اللص والكلاب" قصة السفاح محمود أمين سليمان.

search