الأحد، 07 يوليو 2024

04:08 ص

من مصر إلى المغرب ووصولا للبنان.. صندوق النقد يقود تحرير أسعار الصرف

مبنى صندوق النقد

مبنى صندوق النقد

ولاء عدلان

A A
سفاح التجمع

تخطط المملكة المغربية لحسم قرارها بشأن تحرير سعر صرف عملتها الوطنية خلال الفترة المقبلة، بينما أعلنت مصر في السادس من مارس الحالي تعويم الجنيه، تأتي هذه التحركات من كلا البلدين للوفاء بشروط برنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه سلفا مع صندوق النقد الدولي. 

قال الخبير الاقتصادي رشاد عبده، إن صندوق النقد يشترط دائما لإقراض الدول التي تعاني من خلل في أداء المالية العامة، صياغة برنامج للإصلاح الاقتصادي لضمان استرداد أمواله ومن ثم إعادة إقراضها لدول أخرى ما يضمن استمرار عمله، وفي هذا الإطار هو يقدم قروضه بشروط تخدم في المقام الأول مصالحه ومصالح الدول الأعضاء، ومن أبرز هذه الشروط إلغاء الدعم الحكومي وخفض قيمة العملة الوطنية.  

من جانبه رأى رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية الخبير الاقتصادي الدكتور عادل عامر أن تحرير سعر الصرف أحيانا يكون ضرورة لاسيما في ظل وجود تراجع كبير في احتياطي النقد الأجنبي للدولة وكذلك نشاط السوق الموازية للعملة ما يجعل الدولار يتداول بأكثر من سعر وهو أمر يقلل من جاذبية الدولة للاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة. 

أكثر من مسار

وأضاف عامر في حالة مصر تحرير سعر الصرف يجب أن ينظر إليه على أنه جزء من الحل، إلى جانب ضرورة العمل على مسارات أخرى أبرزها دعم الصادرات باعتبارها مورد هام للنقد الأجنبي وفي المقابل يجب العمل على خفض فاتورة الاستيراد حيث تعتمد مصر على الأسواق الخارجية لتأمين أكثر من 75% من احتياجاتها السلعية، مشددا أيضا على ضرورة دعم الصناعة وتعزيز نسبة مشاركتها في الناتج المحلي باعتبارها قاطرة للنمو الاقتصادي. 

وفي اجتماع استثنائي خلال الأسبوع الأول من مارس أعلن البنك المركزي المصري تحرير سعر الصرف وتركه ليتحرك وفق آليات السوق، وقال في حيثيات قراره إنه يعتبر هذه الخطوة بالغة الأهمية، حيث من المتوقع أن تسهم في القضاء على تراكم الطلب على النقد الأجنبي بعد إغلاق الفجوة بين سعر صرف السوق الرسمي والموازي.

وفي اليوم نفسه الذي أعلن فيه المركزي تحرير سعر الصرف جاءت موافقة صندوق النقد على زيادة قيمة القرض المتفق عليه نهاية العام 2022 من 3 مليارات دولار إلى 8 مليارات دولار، وذلك بعد أكثر من عام من المفاوضات وتأجيلات متكررة لمراجعات الصندوق منذ ديسمبر 2022 عندما تلقت مصر الشريحة الأولى من قرض الـ3 مليارات البالغة قيمتها 347 مليون دولار، وكان السبب الرئيس لهذه التأجيلات عدم الالتزام بشروط الإصلاح الاقتصادي. 

ولجأت مصر إلى صندوق النقد خلال العام 2022 وسط موجة نزوح لرؤوس الأموال الساخنة التي تخارجت من السوق المصرية بحجم وصل إلى 22 مليار دولار في أعقاب نشوب حرب أوكرانيا وبداية موجة التشديد النقدي عالميا، لكن لم تكن هذه المرة الأولى التي تطرق فيها مصر أبواب الصندوق أو حتى تلجأت إلى خفض عملتها ضمن اتفاقها معه. 

ولجأت مصر للمرة الأولى في تاريخها للصندوق في العام 1977 ووقتها أيضا اشترط خفضا للعملة وتخفيض فاتورة الدعم الحكومي ، وحدث بالفعل إذ قام البنك المركزي وقتها بخفض قيمة الجنيه إلى 60 قرشًا للدولار من 39 قرشًا، ومن وقتها بدأ الجنيه دورة نزولية بلا توقف، وخلال 2022 و2023 فقد قرابة 60% و25% من قيمته على التوالي، وخلال الأيام الأولى من أحدث قرارات تحرير سعر الصرف تداول الجنيه في نطاق بين 49 و50 جنيها قبل أن يتعافى قليلا خلال الأيام الماضي ليتداول بين 46.5 و47 جنيها. 

وزير المالية المصري خلال لقاء مع مديرة الصندوق 

المغرب على الطريق 

وبينما أنهت مصر خطوة التعويم، تبدو المغرب الأقرب للمضي قدما في هذا المسار خلال الفترة المقبلة، فبحسب تصريحات صحفية لمحافظ بنك المغرب المركزي، عبداللطيف الجواهري قبل يومين، البنك يعتزم تحرير سعر صرف الدرهم في ضوء المراجعات الدورية التي يجريها مع صندوق النقد، إذ يرى الأخير أن الوقت الحالي مناسب لقرار التعويم أكثر من أي وقت مضى في ضوء ارتفاع احتياطي النقد الأجنبي إلى نحو 34.3 مليار دولار وهو رقم يغطي احتياجات التمويل قصيرة الأجل بأكثر من 3 مرات، وذلك بالتوازي مع معدلات فائدة عند مستوى 3% وتضخم متوقع هذا العام بحدود 2.2% فقط. 

خلال العام الماضي حصل المغرب على قرض من صندوق الاستدامة البيئية التابع لصندوق النقد ت بقيمة 1.3 مليار بهدف تعزيز مرونة الاقتصاد في مواجهة التحديات الناجمة عن التغير المناخي، كما وافق الصندوق بشكل مبدائي على منح الرباط قرضا بقيمة 5 مليارات دولار، ليبدأ جولة مفاوضات بشأن برنامج الإصلاح الاقتصادي وشروطه.

وسبق أن اتخذ المركزي المغربي قرارات بتحريك سعر الصرف عدة مرات، كان أخرها في 2020 عندما سمح بتذبذب سعر الدرهم بنسبة 5% مقابل سلة من العملات الأجنبية على رأسها اليورو، وتتوقع مؤسسة كابيتال إيكونوميكس التي تتخذ من لندن مقرا لها أن يتجه المركزي المغربي خلال العام الحالي لتعويم الدرهم، وسط توقعات بأن يسهم ذلك في تعزيز جاذبية صادراته ورفع سعر صرف الدرهم مقابل العملة الأوروبية الموحدة "اليورو" إذ تعد دول الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول للمملكة بحجم تبادل تجاري يتجاوز الـ45 مليار دولار سنويا.

لبنان حالة خاصة 

في العام 2022 توصلت لبنان إلى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد للحصول على تمويل بـ3 مليارات دولار على شرائح ممتدة على 4 سنوات لكن وفق شروط من بينها إعادة هيكلة الاقتصاد وتوحيد سعر الصرف وتقدير حجم خسائر النظام المصرفي وإصلاح المؤسسات الحكومية ومكافحة الفساد. 

وبحسب تقارير الصندوق يعاني لبنان من أزمة اقتصادية ومالية منقطعة النظير منذ 2019، وسط ركود اقتصادي شرس وانهيار لقيمة الليرة بأكثر من 98% وتضخم تجاوز عتبة الـ 221% خلال 2023، وحتى الآن لا يزال ملف سعر الصرف مادة للتناوش بين الطبقة الحاكمة في لبنان رغم الفجوات غير المنطقية بين أسعار الصرف التي يتعامل بها اللبنانيون يوميا، فهناك سعر الصرف الرسمي البالغ 15 ألف ليرة للدولار الواحد يقابله سعر السوق الموازية البالغ 89 ألف ليرة بينما يصل السعر على منصة صيرافة إلى 85 ليرة للدولار.    

وحاليا تتقاذف 3 جهات كرة المسؤولية عن قرار تحرير سعر الصرف، هذه الجهات هي مصرف لبنان (البنك المركزي) والحكومة ومجلس النواب، ووفقا للقانون اللبناني لا يوجد نص يخص البنك المركزي بصلاحية اتخاذ هذا القرار بينما ينص القانون على أن السلطة التشريعية "مجلس النواب" هي من يملك هذا الحق ويمكنها أن تفوض هذه الصلاحية للحكومة، وقال رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في تصريحات صحفية الشهر الماضي إن سياسة أسعار الصرف من اختصاص وزارة المالية وأن الحكومة تسعى لتوحيد سعر الصرف دون نية للتثبيت. 
وبحسب موازنة لبنان 2024، حددت وزارة المالية سعر الصرف عند 89 ألف ليرة للدولار الواحد لحساب معظم بنود إيرادات الضرائب، بينما حددت سعر أخر لبنود أخرى. 
 

search