الجمعة، 22 نوفمبر 2024

02:26 م

"مبرر تاريخي للفقر".. هل تجاوزت مصر "اللعنة" السكانيّة؟

هل الزيادة السكانية ثروة بشرية هائلة للدول أم عبء ثقيل؟

هل الزيادة السكانية ثروة بشرية هائلة للدول أم عبء ثقيل؟

محمد سامي الكميلي

A A

"الزيادة السكانية".. جملة رنانة تجد صداها في الآذان ما بين مؤيد ومعارض حول فكرة أساسية تتلخص في هل الزيادة السكانية ثروة بشرية هائلة للدول، أم أنها عبء ثقيل؟.. فريق يرى أن دولا ضخمة في تعدادها مثل الصين حجزت لنفسها مكانة بارزة بين الدول ذات النهضة الكبرى في مقابل فريق آخر يرى أن النمو السكاني يلتهم معدلات التنمية ويعيقها.

النمو السكاني في مصر

في مصر سجلت معدلات النمو السكاني تراجعًا بنحو 46% خلال الفترة من 2017 حتى 2023، بانخفاض من 2.6% في تعداد 2017، إلى 1.4% عام 2023، بحسب بيان رسمي من إدارة المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية، التابع لوزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية.

وتراجع معدل المواليد بنسبة 10% بين عامي 2022 و2023، وصل في 2023 إلى 1.4%، وهي أقل معدلات نمو بالزيادة السكانية خلال الـ50 عاما الأخيرة.

وفي بيان لوزارة التخطيط، قال إن عدد المواليد في 2023 بلغ نحو 2 مليون مولود، بتراجع 15% مقارنة بـ2018 و7% مقارنة بعام 2022، وهو ما يعد تتويجًا لجهود الدولة في خفض معدلات النمو السكاني.

أفضل الاستثمارات

وفي هذا الصدد، علق خبير التنمية المستدامة، الدكتور ياسر شحاتة، بقوله إن زيادة النمو السكاني لعنة متسلسلة تلتهم معدلات التنمية، لكن الاهتمام بعنصر رأس المال البشري والاستثمار فيه، هو أفضل الاستثمارات على الإطلاق، والوحيد القادر على صناعة التنمية ودورانها.

وأكد شحاتة لـ“تليجراف مصر”، أن الاستثمار في رأس المال البشري يكون من خلال ورش العمل والندوات والدورات، والمنتديات من كل مؤسسات الدولة، والاهتمام بالدولة الشابة، مضيفا أن “اعتبار النمو السكاني نقمة، أمر من عصور سابقة مرتبط بالفقر”، لكن الآن، من خلال حزمة مشروعات بناء الإنسان المصري، والخطط الاستراتيجية التي انتهجتها الدولة، أضيف للاقتصاد القومي “قيمة جديدة” من خلال الاستثمار في عنصر رأس المال البشري.

دولة شابة

وتابع أن مصر دولة شابة، ومعدل الشباب بها أكثر من 60%، و"النقمة" هو تجاهل الاستثمار في عنصر المال البشري، ولكن إذا وضعت إجراءات تصحيحية لإحدات تنمية وهدفها الأساسي العنصر البشري، ستستطيع الدولة، الانطلاق بمعدلات الزيادة في النمو السكاني.

الاستثمار في الإنسان

أما عن انخفاض معدل النمو السكاني في آخر 50 سنة، قال خبير التنمية المستدامة: “لدينا حملات توعية للحد من الزيادة السكانية، ومن خلال خطط استراتيجية قومية، أدركت مصر أن الإنسان هو الشكل الأمثل للاستثمار”.

وأشار إلى أن زيادة معدل النمو مع انخفاض معدل النمو السكاني، يبرز المحصلة الجيدة للاقتصاد المصري، ويوضح أن الدولة وصلت للهدف المنشود.

وأكد أن انخفاض معدل النمو السكاني، أمر جيد لإحداث تنمية وظهور مؤشراتها، لتحقيق التنمية المستدامة الذي يتحدث عنها الرئيس عبد الفتاح السيسي، ولابد من القائمين على التنمية العامة، معرفة أمور في منتهى الأهمية، أولها التعريف بمفهوم التنمية فقط، ومفهوم التنمية المستدامة.

وأوضح شحاتة أن مفهوم التنمية، هو الذي تقوم عليه الدولة المصرية في الوقت الحالي، وهي التغيير الجذري في كافة القطاعات الإنتاجية، أما التنمية المستدامة، هي أن تفي الدولة باحتياجات الحاضر دون المساس بحقوق الأجيال المستقبلية، من خلال عدة أهداف، أهمها التنمية الصناعية الشاملة، لرفع مستوى المعيشة.

وأردف أن انخفاض معدل النمو السكاني، مؤشر أن الدولة تسير على الطريق الصحيح، لإحداث تنمية حقيقية يراها المواطن، لتنقله إلى بعد اجتماعي آخر، مثل مبادرة القرن “حياة كريمة”، ولرنامج "تكافل وكرامة"، التي غيرت شكل الحياة.

أزمة 60 عامًا

في السياق ذاته قال أستاذ الإدارة والاستثمار، الدكتور محمد الشوادفي، إن مصر تعاني من الزيادة السكانية على مدار 60 سنة ماضية.

وأضاف الشوادفي لـ"تليجراف مصر"، أن مصر تملك أكبر قوة بشرية في المنطقة، وما يقرب من 60 مليون نسمة هي قوة العمل من 13 إلى 35 سنة، ولكن عجزت خلال النصف قرن الماضية عن استغلال المورد البشري الكامل، نتيجة الظروف الاقتصادية التي مرت بها، والحروب والأزمات  المتعاقبة.

وأوضح أنه منذ 10 سنوات تقريبا، اتبعت الدولة استراتيجية في التنمية تأخذ في اعتبارها النمو السكاني، وهذه الاستراتيجية كانت عبارة عن مشروعات صغيرة ومتوسطة، والتنمية الزراعية والتوطين الصناعي، وعمليات المجمعات الصناعية، كل ذلك حتى يمكن أن يستخدم رأس المال البشري.

مصر نموذج مختلف عن الصين

وأكد أن التنمية في الدولة المصرية مختلفة بأدواتها عن التنمية في دول أخرى، فهي تحتاج التنمية التي تعتمد على المورد البشري، وعليه المقارنة بيننا وبين الصين ليست في صالحنا، لأن الصين بدأت تنميتها في خمسينيات القرن الماضي، في حين أهملت مصر الزراعة والصناعة خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، واعتمدت على السياحة كمصدر أساسي للتنمية.

تصحيح مسار

وأوضح أن “الجمهورية الجديدة”، بدأت في تصحيح المسار المصري بالاعتماد على مشروعات صغيرة ومتوسطة، منها “ابدأ”، ومشروعا ريادة الأعمال وتنمية القرية، والمشروعات الحرفية وغيرها، فضلًا عن مشروعات التنمية الزراعية، وخطة حكومية مستقبلية لاستصلاح 4.5 مليون فدان، أنهت 1.5 مليون فدان منها، وتعمل على 3 ملايين متبقية.

ثروة بشرية

وأشار  الشوادفي إلى أن الزيادة الزيادة السكانية ثروة بشرية للدولة حال استخدامها بالشكل الأمثل.

وقال إن المعادلة تقول، “إن الدولة تكون في حالة رضا وتوازن إذا كان معدل الناتج الإجمالي يساوي ضعف معدل نمو السكان بـ3 أضعاف، وإذا كان معدل نمو السكان في مصر 2%، لابد أن يكون معدل الناتج القومي الإجمالي لا يقل عن 6%، وإذا قل عن هذا تتعرض الدولة لأزمة اقتصادية”.

وذكر أن الدولة خلال السنوات الماضية، سجلت معدل نمو ضعيف مقارنة بالناتج الإجمالي، مع معدل نمو سكاني كبير، الأمر الذي أحدث مشكلة اقتصادية كبيرة، تمثلت في عجز الموازنة وعدم قدرة الدولة على التصدير الكافي، وزيادة حمل الدولة لعجز الواردات، مع غياب الاستثمارات، وضعف معدل الإدخار لدى السكان ضعيف، ما فاقم الأزمات الاقتصادية، بسبب عدم علاج المشكلة السكانية بأساليب أكاديمية وواقعية.

الصين والهند نموذجان ينبغي تبنيهما

وأضاف أن النموذج الواجب على الدولة المصرية أن تتبناه حتى لا تكون الزيادة السكانية عبئا، هو النموذج الصيني والهندي، لأن تقارير الأمم المتحدة تؤكد أن الدول كثيفة السكان، هي الدول القادرة على النمو في الفترة المقبلة باعتبار أن رأس المال البشري ورأس المال الفكري هو المكون المعرفي للنهوض، لافتا إلى أن التنمية في الصين والهند ومصر تعد أمرا واحدا، وعلينا أن نأخذه النموذجين في الاعتبار.

وأكد أن أنماط التنمية في أوروبا لا تناسب مصر، لأن الصناعات في الصين والهند هي الصناعات الحرفية التي تعتمد على الموارد البشرية ورأس المال الفكري، وهي الصناعة كثيفة العمالة وليست كثيفة رأس المال النقدي، وبالتالي أن نعتمد على صناعات تتشابه مع الصناعات الصينية والهندية، وهذا يتطلب ضرورة عمل بؤر تنموية تعتمد على نشر الصناعة في القرى، فالبؤر الصناعية تعتمد على أن يكون هناك قرية بها ميزة نسبية ومن هنا تقوم الصناعة على هذه الميزة.

روشتة حل

وشدد على أن مصر تحتاج إلى الصناعات كثيفة رأس المال “العامل” باعتبار أننا دولة يوجد بها نمو سكاني هائل، وهذا يتطلب ضرورة تطوير التعليم وسياسات الإنتاج وأن تتناسب مع الصناعات المختلفة، وأن تكون تكون صادرة على التصدير لاستقطاب النقد الأجنبي.

من جانبه قال نائب وزير الصحة والسكان لشؤون السكان، الدكتور طارق توفيق، في تصرح خاص لـ“تليجراف مصر”، إن مجهود خفض معدل النمو السكاني لـ1.4 عملت عليه وزارات ومؤسسات، موضحا أن أكثر المحافظات من حيث عبء المواليد، كانت القاهرة بسبب زيادة سكانها.

وأضاف توفيق أن أكثر المحافظات التي شهدت معدلات مرتفعة بالنسبة لعدد السكان هي أسيوط والمنيا وقنا والفيوم، والمحافظات الحدودية “مرسى مطروح وشمال سيناء”، لافتا إلى أن هذه المحافظات معدلات المواليد بها عالية.

وأردف أن معدل النمو السكاني يقل في مصر كلها خلال الفترة الأخيرة، ولكن يرتفع نسبيا في محافظات الصعيد، موضحا أن الدولة تسعى جاهدة إلى أن يكون معدل الإنجاب الكلي 2.1 أي طفلين لكل امرأة، متوقعا أن هذا سيحدث في مصر خلال الـ5 أو الـ6 سنوات القادمة.

5 محاور لتنمية الأسرة

ومن جهتها، قالت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، إن المحاور الخمسة للمشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية هي: محور التمكين الاقتصادي، والتدخل الخدمي والثقافي والتوعوي والتعليمي لخطة تنمية الأسرة المصرية، ومحور التحول الرقمي، والمحور التشريعي.

واتخذت الدولة عددًا من الخطوات، علي رأسها المشروع القومي لتنمية الأسرة، الذي أطلقه الرئيس عبد الفتاح السيسي في فبراير 2022، للارتقاء بجودة حياة المواطن والأسرة بشكل عام، من خلال ضبط معدلات النمو المتسارعة وغير المنضبطة، والارتقاء بخصائص السكان.

وذكرت وزيرة التخطيط، الدكتورة هالة السعيد، أن المشروع القومي لتنمية الأسرة يرتكز على مدخل تنموي لمعالجة القضية السكانية، بهدف تحسين خصائص السكان بشكل أساسي.

وأكدت الوزيرة، أن النتائج المحققة جاءت بسبب توافر كل جهود الوزارات العاملة على ملف القضية السكانية، بجانب زيادة وعي المواطن بضرورة تنظيم عملية الإنجاب، بما يسهم في تحسين أوضاعه المعيشية.

النمو السكاني في الصين

وفي مطلع العام الجاري أظهرت بيانات رسمية أنّ عدد سكان الصين انخفض في عام 2023 للعام الثاني على التوالي بسبب تباطؤ معدل المواليد في مواجهة ضغوط اقتصادية متزايدة وتغيّر السلوكيات الاجتماعية، وبلغ في نهاية العام المنصرم 1.409 مليار نسمة، أي بانخفاض قدره نحو مليوني فرد مقارنة بنهاية عام 2022.

ومع تباطؤ معدل المواليد في الصين ما زالت تعاني من أزمة عقارية وتباطؤ في الاستهلاك وشكوك في مدى قدرة ثاني أكبر اقتصاد في العالم على النهوض من تداعيات جائحة فيروس كورونا.

search