الجمعة، 20 سبتمبر 2024

01:57 ص

تأجير الأرحام من قصص واقعية.. أمهات "صناديق سعادة" غيرهن

جنين -أرشيفية

جنين -أرشيفية

داليا أشرف

A A

"رحم للإيجار"، قضية عادت مرة أخرى لتتصدر المشهد في الجدال المحتدم بين مؤيدي ومعارضي تلك العملية الشائكة، مع رأي البعض أنها مجرد حمل أنثى سعادة الآخرين في أحشائها، ويخالفهم أخرون بأنه أمر يبيح ضرورة، كونهن تساعدهن على تحقيق حلم أناس لم تكتب لهم الأبوة لأسباب خارجة عن إرادتهم، مع استناد البعض في التجريم على الشريعة، تحت بند “خلط الأنساب”.

صلة رحم

مسلسل “صلة رحم”، ضمن أعمال رمضان الجاري، فجرت قضية تأجير الأرحام، ومفهومها “واحدة من أساليب التلقيح الصناعي المحظورة في بعض البلدان، يتم بها أخذ الحيوانات المنوية من الزوج والبويضة من زوجته، وتوضع العينة في أنبوب اختبار طبي إلى أن يتم التلقيح، ثم تزرع اللقيحة في رحم سيدة أخرى مقابل المال”.

أعمارهن مختلفة ودوافعهن لتأجير الرحم أيضًا اختلفت، حيث اضطرت سيدة لتأجير رحمها بحثًا عن المال، أما الأخرى ترى نفسها بطلة تؤدي عملا إنسانيا وتنفذ تعاليم دينها اليهودي، وروت السيدتان قصتهن مع إيجار الرحم لـ "تليجراف مصر"، يتبعه رأي الأزهر والطب والصحة النفسية.

سيدات تروي قصصهن مع تأجير الأرحام

ميندي شابر، يهودية أمريكية، على الرغم من أنها متزوجة ولديها طفلين 12 و11 عاما، إلا أنها أقدمت على عملية تأجير الأرحام، وترى أن الأهم من المال والشهرة والشرف هو أن تفعل الصواب وما يريده الله منك، حيث رأت الآخرين لم ينجحوا في إنجاب أطفال لكنها على عكسهم تستطيع ذلك، لماذا لن تساعدهم في تحقيق حلم الأبوة؟.

أول مرة حملت ميندي كانت في العشرينات من العمر، وترى أن حملها سهل جدًا ولم تنزعج منه أبدًا، حتى أنها في معظم الأحيان لم تتذكر أنها حامل -حسبما وصفت-، ولا تحمل قلقا حول الحمل بطفل آخر مثل بقية السيدات، لذلك رأت أنه من السهل جسديًا وعاطفيًا أن تكون أما بديلة.

ميندي شابر

"أحببت الولادة دون الاضطرار إلى تربية طفل بعدها"، بهذه العبارة وصفت “شابر” شعور أن تحمل بطفل من أبوين آخرين، فهي أحبت الولادة كثيرًا على الرغم من ألمها، موضحة، "لا أستطيع أن أصف مدى البهجة التي شعرت بها في الولادة، أحب هذا الشعور وكنت سعيدة بتجربته مرة أخرى دون الاضطرار إلى تربية طفل بعد ذلك".

أكدت م"يندي"، أنها أجرت رحمها مقابل 60 ألف دولار، لكن حتى وإن كان الإيجار مجانًا، فكانت ستفعل نفس الأمر أيضا، وترى أن المال حقها مقابل التعب والألم والمخاطر المحتملة للحمل والولادة.

سعر إيجار الرحم

تقول ميندي، إن الأمهات البديلات في الولايات المتحدة يكسبون ما بين 40 إلى 60 ألف دولار مقابل تأجير الرحم لمرة واحدة، بالإضافة إلى تحمل المستفيدان تكاليف الحمل والولادة، متابعة أنها اضطرت لذلك ليس فقط لمنح السعادة لعائلة لا تعرفها، وإنما لتغطية إنفاق 6 أشهر كانت عاطلة فيها عن العمل، وتراكمت عليها الديون.

سؤال يراود كل من يفكر في موضوع تأجير الأرحام، هل أحست “ميندي” بمشاعر الأمومة نحو الطفل الذي نما في رحمها بعد ولادته ومنحه للأخرين، وإجابتها، "نهائيًا ولا لثانية واحدة".

قبل بضع سنوات، وحينما كبر أطفال ميندي، عانت عائلتها من أزمة مالية كبيرة، وكانت بحاجة إلى كسب الأموال واضطرت إلى العمل بدوام كامل وحتى عملت في وظيفة مسائية، وكانت تعمل كـ سائق أوبر في العطلات، موضحة، "حياتي كانت بائسة وعلاقتي بزوجي تنهار وكل يوم نغرق في الديون، لكن لحسن الحظ أنني أجرت الرحم وعاد كل شيء في حياتي إلى التوازن".

تقول، "أنا سعيدة جدًا بحمل طفل أم ثانية لمدة 9 أشهر، كما أنني سعيدة جدًا بتسليمه ومشاهدته وهو وسط عائلته الحقيقية، ولن يخطر ببالي ولو للحظة أن أرغب في شيء ليس ملكي".

تابعت، "كنت سعيدة بأن الطفل كان يتمتع بصحة جيدة، وشعرت بسعادة غامرة لأن الوالدين قد أنجبا طفلهما، لكنني لم أشعر بأي ارتباط أقوى مما أشعر به مع أي طفل عشوائي".

 الشريعة اليهودية

تلقت ميندي فور إعلانها إيجار الرحم، المزيد من التعليقات الإيجابية والسلبية أيضًا، وترى أنه لا بأس في أن تكون أما بديلة، طالما هو جائز في ديانتها اليهودية، وهو أمر يدعمه الحاخامات الشرعيين، موضحة أن الشريعة اليهودية هي من دعمتها، وبعد الولادة كان الجيران والأصدقاء يحضرون لها الطعام والهدايا.  

تقول، إن الوصية الأولى في التوراة هي "أثمروا وأكثروا"، ومن المفترض أن يكون لكل رجل يهودي ابن واحد وبنت واحدة لتحقيق الوصية، ما يجعل مساعدة الزوجين على إنجاب طفل أمر مهم للغاية.

حسب شريعتهن، يعتقد أن المرأة اليهودية غير المتزوجة يمكن أن تؤجر رحمها، لكن آخرون لا يسمحون للمرأة المتزوجة بأن تكون أما بديلة، لأنهم يرون أن الحمل بالجنين من رجل آخر سيكون بمثابة "الخيانة الزوجية".

مغربية ضاق بها الحال

من الولايات المتحدة  إلى المغرب، ذات القضية لكن مع أم مختلفة، الشابة أميرة، 23 عاما، لديها ابنة من طليقها، وبعد الانفصال عنه وابتعدت عن أسرتها ما عرضها لظروف قاسية لم تجد فيها مال لنفقاتها وابنتها.

أعلنت "أميرة" عن استعدادها لتأجير الرحم، مشترطة أن تعمل الأم الأصلية على تسفيرها إلى أوروبا، وقالت، "عشان الفلوس أكيد.. ومش في طرق أخرى بالنسبالي".

تلقت أميرة بعض العروض التي تفاضل بينها حاليًا، استعدادًا لأن تكون أم بديلة وتحمل في رحمها طفلا لأبوين أخرين، ولا ترى سبيلا أخر لجلب المال.

تقول، "سمعت إنه حرام، لكني مطلقة وليس لدي أي وسائل لجلب المال، ولن أحاول أخذ الطفل في أحشائي لأني أعلم جيدًا أنه ليس طفلي، ويعود لأبوين آخرين".

تأجير الأرحام.. هل يضر؟

استشاري أمراض النساء والتوليد، الدكتور عمرو عبد العزيز، يقول إن الحمل للأم البديلة مثل أي حمل، فيما ينطوي عليه من مخاطر ومن عبء على الجسم واستهلاك مخازن الفيتامينات والمعادن والتأثير الذي قد يتركه على الجسم.

أضاف عبد العزيز في تصريحات لـ "تليجراف مصر"، أنه عند التطرق إلى الناحية السيكولوجية، فإن العلم أثبت وجود مجموعة من الجينات التي يتم ترجمتها بطريقة مختلفة، نظرا للظروف والبيئة المحيطة بالجنين، وقد تتأثر الجينات تأثرا بالغا بالرحم البديل.

أوضح استشاري أمراض النساء والتوليد، أنه بناء على ذلك قد يحمل الطفل الكثير من الصفات الوراثية من الأم التي حضنته، بسبب تأثر ترجمة جينات الطفل بالبيئة المحيطة، وهي بيئة مخالفة لأمه الأصلية، يقصد صاحبة البويضة.

إسبانيا وإيطاليا وألمانيا وفرنسا، يمنع فيها كل أشكال تأجير الأرحام، وفي هولندا وبلجيكا وأيرلندا وجمهورية التشيك، تعتبر تلك العملية باطلة، فهي تشريعات لا تعترف بتأجير الأرحام.

دول تحظر تأجير الأرحام

لكن يعتبر تأجير الأرحام في بريطانيا قانونيًا إن انطوى على دوافع إنسانية، في حين أن البرتغال تسمح بتأجير الأرحام للأزواج إذا كان هناك مشكلات صحية تتعلق بالقدرة على الإنجاب.

وعن أكثر القوانين مرونة بشأن تأجير الأرحام في أوروبا، فتتمتع بها أوكرانيا وروسيا، ذلك الأمر الذي يدفع الكثير للسفر إلى الدولتين المذكورتين.

تأجير الأرحام في ميزان الدين

يقول الداعية الإسلامي محمد علي، أحد علماء الأزهر الشريف، إن تأجير الأرحام من أجل الولادة محرم شرعًا لما فيه من مفاسد كثيرة، أهمها إفساد معنى الأمومة كما فطرها الله وعرفها الناس، فضلا عن اختلاط الأنساب.

أضاف علي خلال حديثه مع "تليجراف مصر"، أن تأجير الرحم يؤدي إلى تنازع ولاء الطفل بعد الولادة، متسائلًا، “هل سيكون ولاؤه لصاحبة البويضة، أو للَّتي حملته وأرضعته من ثدييها؟”.

الداعية الإسلامي يستطرد في تعديد أسبابه لتحريم تأجير الأرحام بالقول، “قد أجمع الفقهاء على حرمة ذلك، سواء أكان بالتبرع أم بالأجرة، ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}”. 

"هذا النوع من التلقيح يؤدي إلى شبهة اختلاط الأنساب، لاحتمال أن تفشل عملية التلقيح بعد وضع اللقيحة فى الرحم المؤجر، ويحدث الحمل عن طريق جماع الزوج لزوجته الحاضنة، فيُظَنُّ أن الحمل للمستأجر، مع أنه في الواقع ليس كذلك".

اختتم حديثه، "ورد في الأحاديث النبوية نهي عن وطء الحامل التي هي من هذا القبيل، فعن رُوَيفِع بن ثابت الأنصاري رضى الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، (لا يَحِلُّ لامرئ يُؤمِنُ بالله واليومِ الآخِرِ أَن يُسقِي ماءَه زَرعَ غيرِه"، يعنى، إتيان الحُبالى، وفى رواية، "فلا يَسقِ ماءَه وَلَدَ غيرِه".

الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية السابق، تناول جواز تأجير الأرحام من عدمه في برنامجه الرمضاني “نور الدين”، موضحًا أنه ينتج عنه اختلاط الأنساب لذلك هو ممنوع، لأنه سيؤثر على مشكلات لا حل لها في قضية الميراث، أيضًا ينتج عن اختلاط الأنساب مشكلة الزواج.

أضاف مفتي الديار السابق، أن قضايا الميراث والزواج والتقاضي حول هذه المسألة، مبررات لمنع تأجير الأرحام، موضحًا أن الله رسم لنا خريطة الكون في قوله بسورة الشورى، "يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا".

أوضح، “هذا الترتيب يريدون أن يخرجوا منه قصرًا، والخروج القصري قد يسمى بأطفال الأنابيب، لكنه أهون، لأن التقاء البويضة بالحيوان المنوي يزرعه في رحم نفس السيدة، لكن تأجير الأرحام قضية منعهتا المجامع الفقهية ودور الإفتاء، من أجل ما يترتب عليها مما لا يوائم هيكل الأحكام الشرعية المتبقية”.  

في المسيحية.. أمر معقد 

بعد الإسلام، هل يختلف موقف الدين المسيحي بشأن تأجير الأرحام؟، سؤاال يجيب عليه أستاذ اللاهوت الدفاعي في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية عبد المسيح بسيط، كاهن كنيسة العذراء بمسطرد، ويقول إن تأجير الأرحام لم يكن على أيام المسيح، ولم يُشرع فيه بالموافقة أو بالرفض، واصفًا الأمر بأنه معقد جدًا وصعب.

أضاف عبد المسيح، خلال حديثه مع "تليجراف مصر"، أنه على الرغم من صعوبة الأمر وتعقيده، إلا أن هناك جنين تربى في رحم سيدة، يأكل ويشرب منها ويتغذى على جسدها بالكامل، حتى وإن كان يتبع لأمه الأصلية، لكنه في هذه الحالة له "أُمين".

يوضح، أن أمر تأجير الأرحام يحتاج إلى دراسة قوية، متابعًا، "حتى الأم البديلة الحامل في الجنين كأنها أمه تمامًا، حملت وولدت، هيكون ابنها لأنه تربى في بطنها، كونها إنسانة وليس آلة ولا حضّانة".

الأمر متروك للطب

الأب دوماديوس الراهب، كاهن عام بالقاهرة للأقباط الأرثوذكس، يرى أن أمر تأجير الأرحام يترك للأطباء، ولكن بشرط عدم اختلاط الأنساب أو الضرر بأي طرف، وفي المسيحية يجب أن تكون تلك الأمور للطب.

يعزز المثلية الجنسية 

أخذنا من رأي الأب دوماديوس وسألنا الدكتور وليد هندي، استشاري الصحة النفسية عن الأمر، وقال إن تأجير الأرحام موجود بشكل قانوني في بعض الدول والطريق ممهد إليه، بغرض إشباع الحاجة الإنسانية والتغلب على اليأس.

أضاف هندي لـ"تليجراف مصر"، أن تأجير الرحم أرض خصبة للابتزاز وتسليع الإنسان وبه اختزان لمشاعر الأمومة، كما يترتب على الأم الأصلية مشاعر منقوصة حتى إذا ربت طفلها وألبسته وأطعمته وقامت بدورها بالكامل، فهي لم تحمله 9 أشهر.

أوضح هندي، أن تأجير الأرحام قد يترتب عليه سلوكيات شاذة وغير مرغوبة، مثل عدم زواج العازب مع إمكانية إنجابه، وانتشار فكرة "السنجل مازر"، فضلًا عن تعزيز المثلية الجنسية، وكذلك يولّد الكثير من المشاكل المجتمعية وهدم القيم، خاتمًا، "الأمر إذا انتشر سيكون كارثة وشر لو تعلمون عظيم".

search