الجمعة، 22 نوفمبر 2024

01:00 ص

بعد شهر من تحرير سعر الصرف.. انتعاشة دولارية وثقة دولية

الجنيه المصري

الجنيه المصري

ولاء عدلان

A A

في السادس من مارس 2024، أعلن البنك المركزي المصري بشكل مفاجئ، تحرير سعر الصرف وتركه يتحرك وفق آليات السوق ورفع أسعار الفائدة بمقدار 6%؛ وهذه الخطوة قلبت الموازين رأسا على عقب وعززت الرهانات على خروج الاقتصاد المصري من أزمته الممتدة منذ قرابة العامين. 

قال الخبير الاقتصادي الدكتور محمد شادي إن قرار تحرير سعر الصرف أعاد الأمور إلى نصابها الصحيح بالقضاء على السوق السوداء وساهم في حسم قرار صندوق النقد الدولي لصالح مصر إذ أعلن في أعقاب قرار المركزي موافقته على رفع قيمة القرض المتفق عليه نهاية 2022 من 3 إلى 8 مليارات دولار، في أول مؤشر على عودة الثقة الدولية في الاقتصاد وقدرته على عبور الأزمة التي بدأت منذ 2022 مع خروج أموال ساخنة من السوق المصرية بقرابة 22 مليار دولار. 

عودة الثقة 

وتوقع شادي أن تتحسن الأوضاع الاقتصادية في مصر تدريجيا خلال الفترة المقبلة مع بدء استلام شرائح الصندوق والتدفقات التمويلية الأخرى، بما فيها حزمة الدعم المقدمة من الاتحاد الأوروبي بـ8.1 مليار دولار و3 مليارات دولار من البنك الدولي، فضلا عن الدفعة الثانية من تدفقات صفقة رأس الحكمة التي أبرمتها الحكومة في فبراير الماضي وجاءت بقيمة فاقت التوقعات (35 مليار دولار)، الأمر الذي دفع العديد من المؤسسات الدولية لإعادة النظر في تقييماتها السابقة للاقتصاد المصري. 

وعقب قرار التعويم، أعلنت وكالة موديز للتصنيف الائتماني تعديل نظرتها المستقبلية لمصر إلى إيجابية من سلبية، بعد نحو شهرين من تحذيرها من ارتفاع المخاطر المتعلقة بقدرة مصر على سداد الديون، بينما قالت كالة ستاندرد آند بورز التي بتاريخ 8 مارس إنها تدرس تعديل التصنيف الائتماني لمصر في ضوء التطورات الأخيرة بما فيها صفقة رأس الحكمة وقرار التعويم. 

ومن جانبها قالت مؤسسة كابيتال إيكونوميكس قبل أسبوع، إن مصر تسير في الاتجاه الصحيح، ومن المتوقع أن تسهم التطورات الأخيرة في زيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي وأن ترسي الأساس لتحقيق نمو اقتصادي أقوى خلال السنوات المقبلة وتحديدا اعتبارا من العام 2025/2026. 

فيما أشادت مديرة الصندوق كريستالينا جورجييفا، في بيان بتاريخ 29 مارس الماضي، بالخطوات التي اتخذتها مصر لترسيخ استقرار مؤشرات الاقتصاد الكلي ولمواصلة جهود الإصلاح الاقتصادي، في إشارة إلى قرار التعويم، مشددة على ضرورة الحفاظ على مرونة سعر الصرف. 

المصريون يتنازلون عن الدولار

من جانبه رأى الخبير المصرفي هاني العراقي، أن قرار التعويم سمح بعودة الأمور إلى طبيعتها في القطاع المصرفي بعد أن تغولت السوق الموازية للعملة ودفعت الدولار لتسجيل مستويات تاريخية تجاوزت الـ70 جنيها، مضيفا بعد تراجع تعاملات السوق الموازية وتوحيد سعر الصرف سارع حائزو النقد الأجنبي وتحديدا الدولار للتخلي عنه لصالح القطاع الرسمي (البنوك وشركات الصرافة) في ظل وجود سعر موحد مرتفع مقارنة بسعره الرسمي قبل القرار ( 30.8 جنيه).  

وفي أول مؤشر على تراجع تعاملات السوق الموازية للعملة، بلغت حصيلة شركات الصرافة التابعة لأكبر 3 بنوك حكومية (الأهلي ومصر والقاهرة) من تنازلات العملاء عن النقد الأجنبي لصالح الجنيه ما يعادل 10.8 مليار جنيه خلال الفترة من 6 مارس إلى 5 أبريل وسط استحواذ العملة الأمريكية على نصيب الأسد من هذه التنازلات بنسبة تتراوح بين 60 إلى 65% من إجمالي التنازلات.  

لقطة من داخل أحد البنوك 

جاذبية الجنيه

وأشار الدكتور محمد شادي إلى أن قرار التعويم ساهم بشكل فوري في عودة الأموال الساخنة إلى السوق المصرية وذلك كان ملموسا من خلال ارتفاع شهية الاستثمار الأجنبي في أدوات الدين والأسهم المصرية كونها تقدم عائدا مرتفعا وتشكل فرصة في ضوء توحيد سعر الصرف وتراجع قيمة الجنيه.  

وبعد يوم واحد من قرار التعويم، أوصى بنك جيه بي مورجان بشراء أذون الخزانة المصرية (وهي أدوات دين قصيرة الأجل تصدرها وزارة المالية) وقال إن المحفزات التي كنا ننتظرها متوفرة حاليا بعد أن رفع المركزي الفائدة بشكل كبير وسمح بمرونة سعر الصرف، وظهر البنك الشهير كمشتر في أحد عطاءات الأذون التي يطرحا المركزي نيابة عن وزارة المالية، هذا فضلا عن بنوك أخرى مثل جولدمان ساكس وسيتي بنك.  

وخلال الفترة من 6 مارس إلى 19 مارس الماضي باع البنك المركزي أذون خزانة مقومة بالجنيه بأكثر من 600 مليار جنيه وسط طلب مرتفع تجاوز الـ 1.6 تريليون جنيه، الأمر الذي قفز بمشتريات الأجانب في سوق ادوات الدين خلال الربع الأول إلى نحو 18 مليار دولار، وفي البورصة المصرية، سجل المستثمرون الأجانب صافي شراء بقرابة 857.2 مليون جنيه خلال مارس. 

الاحتياطي الأجنبي

ووفقا لبيانات البنك المركزي قفز صافي احتياطي النقد الأجنبي إلى 40.36 مليار دولار بنهاية مارس (شهر التعويم)، مقارنة بـ35.3 مليار دولار في فبراير.  

وبحسب شادي فقرار التعويم من المتوقع أن يسهم خلال الأشهر المقبلة في تعزيز احتياطي النقد الأجنبي للدولة سواء من خلال زيادة تحويلات المصريين بالخارج أوعودة الاستثمار الأجنبي المباشر. 

وفي مذكرة حديثة رجح بنك الاستثمار الأمريكي جولدمان ساكس أن تستقطب مصر بنهاية هذا العام استثمارا أجنبيا مباشرا بـ33.5 مليار دولار، وأن يقفز احتياطي النقد الأجنبي إلى 50 مليار دولار على أقل تقدير مدفوعا بالتدفقات المتوقعة لصفقة رأس الحكمة وبدء صرف شرائح قرض صندوق النقد واستلام تمويلات من شركاء دوليين آخرين فضلا عن عودة نشاط تحويلات المصريين بالخارج لتتجاوز 28 مليار دولار بنهاية 2024. 

الجنيه يتعافى 

وخلال الأيام الأولى لقرار التعويم تراجع الجنيه بأكثر من 60% مقابل الدولار، لكنه تعافى تدريجيا ليصل حاليا إلى نحو 47.5 جنيه للدولار الواحد، وسط توقعات بأن يستهدف مستويات بين 42 و36 جنيها خلال الفترة المقبلة في ضوء استمرار تحسن الحصيلة الدولارية للدولة، بحسب الخبير المصرفي هاني العراقي. 

وفي وقت سابق توقع بنك جولدمان ساكس أن يستمر تعافي الجنيه ليصل قريبا إلى مستوى 40 جنيها للدولار مدفوعا بارتفاع شهية الاستثمار في أذون الخزانة المصرية وإقبال المصريين على بيع الدولار فضلا عن التدفقات الدولارية المتوقعة من الشركاء الدوليين، فيما تتوقع كابيتال إيكونوميكس أن يصل الجنيه إلى 49 جنيها للدولار بنهاية العام.

search