ريمون المصري
"لحظة غضب" التصالح مع القتل
عندما قدم الفنان الكبير أحمد مظهر فيلم الجريمة الضاحكة، قامت المعالجة على أساس أن بطل القصة لم يقم بالجريمة أصلًا، وأنه توهم ذلك كونه مخرجًا سينمائيًا، ومن هنا كان للكوميديا السوداء أساسًا من اللامنطقية لصناعة الضحك..
في مسلسل لحظة غضب المختلف كليًا في كافة تفاصيله وتركيبته الدرامية عما يقدم حوله، و بين نفس النوعية، ولكنك في النهاية أمام عملًا ينتمي لنفس نوعية الكوميديا السوداء.
ولكن سيطرة المشاعر السلبية على أغلب التفاصيل تفصلنا كثيرًا عن هذا القالب فتحتار أي تصنيف لهذا العمل، وأي محتوى تحمله الأحداث، هل أنت أمام عملًا فانتازيًا تسيطر عليه أحداث لا منطقية بهدف الإضحاك في هذا الحالة أنت بعيدًا عن أي تطبيق منطقي لما يحدث، أو أنك أمام عملًا بوليسيًا مثيرًا تصنع المفاجآت هنا محطات ينتقل بينها المشاهد من حلقة إلى أخرى، والتحديد هنا مطلوب لأن على هذا الأساس الذي تثير عليه القصة، ستصل الرسالة إلى وجدان الجمهور.
في النهاية تشعر أنك أمام عملًا ملتبسًا فهو يقدم جريمة حدثت بالفعل في قالب كاريكاتيري يدعوك في كل مشهد للتصالح مع جريمة القتل كأنها لعبة أو مسألة مألوفة..
مع مستهل الأحداث تتعاطف مع يمنى الزوجة التي تتعرض للقهر من زوجها شريف حيث أذلها لحظة الانفصال حتى طلب منها التجرد من ملابسها، ولكن سرعان ما ندرك أنه "كابوس" لا وجود لأحداثه إلا في خيال الزوجة فقط، ونتعرف بالتدريج على شخصية شريف الذي وإن كان بارد المشاعر متصلف في تعبيره لكنه ليس بالصورة الشريرة التي تراها الزوجة في أحلامها، . وتسيطر على وجدانها.
في يوم عيد ميلاد يمنى تسأل زوجها عن رأيه في فستانها فيعبر بصلف عن رأيه السلبي وفي لحظة غضب، تقتل يمنى زوجها لكلامه لأنه لا يكترث لمشاعرها، وفي صورة من كلاسيكيات الجريمة الزوجية تغلفه بأكياس القمامة وتضعه في حقيبة سفر وتلقي به في النيل.
بنى كاتب المسلسل مهاب طارق كامل أحداثه على 5 شخصيات فقظ، قد يكون هذا مؤشرًا على قدرات خاصة للكاتب، ولكن مع مرور الأحداث تكتشف أنها جميعًا شخصيات فقيرة لا يطلها أي تغير درامي أو تصاعد برغم ارتفاع حدة الأحداث، مع بعض الشخصيات الثانوية الضعيفة في تركيبها أشبه بالشخصيات الممسوخة.
مصطفى شقيق شريف، وشقيقته المهتمة بالدجل والشعوذة والتي أفرد العمل لهذه الممارسات مساحة كبيرة بالأحداث، وشخصية العمة التي لا يؤثر غيابها كثيرًا في مجريات الأحداث.
وتقابل يمنى شخصية نسوية تكن كراهية استثنائية للرجال، تتبنى مجموعات علاجية هدفها الوحيد تقليب الزوجات على أزواجهن وتحريضهن على العنف والكراهية ضدهم، ولكي تستعرض قوة شخصيتها على يمنى ادعت أنها قتلت زوجها بالسم، ومع مرور الأحداث نكتشف أنها كاذبة ومدعية، ولكن هذا لم يمحي تأثير بث سمومها طيلة الأحداث، ونكتشف أنها امرأة قبطية من باب أن الهم واحد.
لحظة غضب تقلب حياة يُمنى رأسًا على عقب وتدمر حياة كل من حولها أيضًا الطفل ابن شقيق زوجها أصيب بصدمه افقدته النطق، شقيق الزوج أهمل زوجته لانشغاله باختفاء أخيه فتقوم بخيانته، حتى صديقتها الأنثوية كادت تفقد حياتها.
وهكذا تصحبك الحلقات في سلسله من الأحداث تحمل في كل تفاصيلها كافة الأدوات لإقناع المشاهد أن قتل يمنى لزوجها أمر مألوف، بل أحيانًا ستجد الأحداث تقدم للمشاهد واقعة القتل كحدث كوميدي.
وتمهد عناصر العمل لهذه المهمة بداية من الموسيقى التصويرية والتركيبة الكاريكاتيرية للأشخاص، والأحداث الأقرب للفانتازيا وبعض الأغاني الناعمة التي تجعلك راضيًا عن هذه الجريمة، وأجواء تدعوك للابتسامة بشكل ما، فالقتل حدثًا مضحكًا في كل مشهد يدعوك للتأقلم مع الجريمة على أنها أمرًا عاديًا.
يمنى التي تحاول باستمرار إثبات أنها امرأة قوية ومستقلة، وتعمل على تحويل أثر الجريمة عليها إلى فعلًا لا للندم بل للتباهي وادعاء القوة، تخضع لابتزاز جارها الذي سجل لها مقطعًا مرئيًا وهى تقتل زوجها، فيستغلها ويستخدمها في أعمال ضد القانون ، وفي النهاية يحبها دون أى مبرر درامى لذلك.
المعالجة لم تكن دعوة للتصالح مع القتل فحسب، بل قدمت مكافأة ليمنى على قتل زوجها، إذ تسفر التحقيقات عن وفاة شريف نتيجة غيبوبة سكر، وليس بأثر ضربة الزوجة، وتحاكم في النهاية بتهمة إخفاء جثة،
وبدلًا من أن تتعلم يمنى من تجربتها وتسير على لحظات الغضب، تكرر نفس الجريمة مع مصطفى شقيق شريف ولكنها في هذه المرة تقرر إبلاغ الشرطة فيكافئها المؤلف مرة أخرى ونكتشف أن شقيق زوجها لم يمت، وكأن الشروع في القتل تحول إلى لعبة مسلية..
هذا ليس كل شيء بل وأثناء سجنها تتحول يمنى إلى رمزًا أنثويًا، ويذهب إليها عشرات الفتيات لزيارتها في محبسها كي يستدلوا منها كيف يقتلن أزواجهن، فتنظر إلى المشاهد نظرة انتصار مليئة بالتحريض على ارتكاب ذات الفعل ومتعة القتل، قاتلة زوجها تتحول إلى قدوة، هذا الهراء تم تمثيله في عمل درامي فعلًا.
ولأن مساحة القصة فقيرة فوقع مهاب طارق في فخ التكرار وبدأ يلجأ لمشاهد الدجل من ناحية، ومشاهد السيدة التي تدير مجموعات نسوية تقوم فيها بتحريض النساء على رجالهن ، ومصطفى شقيق الزوج يذهب ليمنى ليسألها عن غياب زوجها، هي مشاهد تكرر كل حلقة بلا حبكة أو أي جديد، ربما ما أنقذ العمل موهبة صبا مبارك، وخبرة محمد شاهين الذي قدم أحد أفضل مشاهده عندما بكى عند التعرف على جثة أخيه، هذا على صعيد العناصر الفنية.
أما على صعيد المضمون فهي رسالة لا تقبل تفسيرين، العمل ينتصر للكراهية والخروج على القانون، والتحريض الصريح على العنف بين الأزواج وقتل الزوجات لأزواجهن، إذ تتحول يمنى قاتلة زوجها إلى قدوة لكثير من الزوجات يطلبن إرشادها كيفية قتل أزواجهن، تقدم لهن كتالوج لقتل الأزواج، هنا معذرة لكل وجهات النظر، فالقتل ليس مجرد فعلًا بل مشاعر وأفكار واتجاه داخلي، مبدأ يتعارض مع فطرة الانسان، والعدالة الإلهية.
الأكثر قراءة
-
04:55 AMالفجْر
-
06:26 AMالشروق
-
11:41 AMالظُّهْر
-
02:36 PMالعَصر
-
04:56 PMالمَغرب
-
06:17 PMالعِشاء
أكثر الكلمات انتشاراً