الخميس، 21 نوفمبر 2024

06:37 م

ريمون المصري

ريمون المصري

A A

تغطية جنازات المشاهير "صحافة مش جوافة"

تغطية جنازات المشاهير، أحد أهم المهام الصحفية على الإطلاق، ولو كان أسلافنا في مهن الصحافة والفن قد أخذوا بما ورد في بيان نقابة الممثلين البائس، لما وثقت ذاكرة الأمة المصرية جنازات عبد الناصر، السادات، أم كلثوم، طه حسين، عبد الحليم، عبد الوهاب، محمد فوزي، تلك التي نعتبرها ثروة تراثية مثل الأثار لا تقدر بأي قيمة.

حمل بيان نقابة الممثلين الذي ذيله توقيع الدكتور أشرف ذكي، نقيب الممثلين، إهانة بالغة واحتقار لكل من يمتهن الصحافة والإعلام، إذ قال: “تعتذر النقابة للسادة الصحفيين والمراسلين وتناشدهم التفضل باحترام رغبة أسرة الفنان الراحل صلاح السعدني، بعدم حضور الصحافة والإعلام والمراسلين لعزاء الراحل، حيث أن العزاء قاصر على العائلة والزملاء فقط”.

من المؤسف أن تعلن أسرة الراحل العظيم الفنان صلاح السعدني عدم الترحيب بحضور الصحافة لتغطية العزاء، والصحافة هي من ساهمت في صناعة الفنان ونجله، والأدهى أن أسرة السعدني الأصل فيها مهنة الصحافة.

السعدني ليس ملكا للعائلة وحدها، فهو ملك جمهوره ومحبيه الذين صنعوا نجوميته ومكانته.

وكان على نقابة الممثلين تحري الدقة في بيانها الذي نقلت من خلاله رغبة أسرة السعدني التي أرى أنها ليست لائقة وتفتقد إلى كثير من الذوق والاحترام في الحقيقة، فكان يمكنهم منع الصحفيين من تغطية العزاء دون اللجوء إلى بيان يعكس حالة عصبية غاضبة بسبب موقف عابر.

وعلى هذا الصعيد، علينا الوعي جيدًا أن الفنان أو الرياضي أو السياسي الذي ارتضى من البداية واختار بمحض إيرادته، بل وكافح وعافر كي يصبح شخصية عامة، وحصد مكاسب من كونه شخصية عامة، بكل ما حملته إليه الشهرة، من مكاسب مادية وأدبية، ومعنوية، مع وضع اجتماعي، يتمتع بتلك المكاسب هو ولأسرته وأبنائه من بعده، فهو ضمنيًا وافق أن يصبح الناس بكل تفاعلاتهم المزاجية، جزءً من حياته الشخصية، وليس من حقه حرمان الناس أو الرأي العام الذي صنع مكانته من هذا الحق.

أعتقد أن عائلة السعدني مدينة باعتذار للصحفيين والإعلاميين، وعلى نقابة الممثلين سحب هذا البيان، كان من الممكن أي من أقارب الفقيد التلميح برغبة الأسرة.

ولا بأس من  الرغبة التي أعلنها الدكتور أشرف زكي، نقيب الممثلين، في إبعاد الصحافة، ولكن على من يريد مقاطعة الصحافة فلتكن المقاطعة نهائية في كل شيء، لأن مهنتنا (صحافة وليست جوافة)، "مفيهاش نقاوة"، إما أن تقبلها بالكامل أو ترفضها بالكامل.

أتمنى من كل فنان وشخصية عامة ينزعج من الصحافة يبتعد عنها تمامًا، خاصة أن أغلب الفنانين هم من يرسلون أخبارهم السمجة للصحفيين، وتنشر على سبيل التشجيع أو المجاملة لا أكثر.

أما الصحافة فهي ليست مهنة متطفلة، ولو وجدت أخطاء، ولا تنتهك خصوصيات الناس وخاصة الفنانين وعائلاتهم، ولو وقعت أخطاء من الصحفيين فهو أمر وارد، كما هو وارد أن يخطئ الفنانون أثناء أداء عملهم، لكن ليس معنى هذا أن نتجاوز في حق الفن والفنانين.

 الصحافة هي ذاكرة الأمة، هي التي أعطت القيمة والقامة لأي فنان أو شخصية عامة،  فكم من أخطاء يرتكبها أعضاء نقابة الممثلين ومجلسها، ولم نصف مهنة التمثيل كلها بالابتزال.

من يقومون بهذه الفوضى في الجنازات والعزاءات ليسوا مندوبين مواقع وقنوات، بل أكثرهم أصحاب صفحات على السوشيال ميديا، يبحثون عن مشاهدات تتحول إلى مكاسب مادية هائلة لصاحب الصفحة والفنان على السواء، وعليه فالحديث عنهم بأنهم صحفيين وإعلاميين يفتقد إلى الدقة.

وحتى المواقع غير المرخصة، ونقيب الصحفيين شخصيًا قضى جزء من حياته رئيس تحرير لمثل هذه المواقع، وحتى صفحات السوشيال ميديا، الممثلين أنفسهم حريصين كل الحرص على  دعوتهم لمناسباتهم المختلفة لأنهم يدركوا جيدًا تأثيرهم على السوشيال ميديا وصناعة الترند وهو المطلوب، فدخول هذه الشريحة من الإعلام لحياة الفنانين كان بناء على رغبتهم، وبعض الفنانين بيدفعوا لهم فلوس مقابل اهتمامهم بالفنان، علشان يطلع ترند.

من ناحية أخرى، علينا التحري عن سبب السخط المفاجئ على تغطية جنازات المشاهير بهذا الشكل المدهش، وهي مهام صحفية أساسية من مهد الكاميرا، في الواقع أن هذا الموقف لم يكن أبدًا بوازع الأحزان والمشاعر الحزينة، بل لأن كاميرات الصحافة في كثير من الجنازات كشفت كذب وزيف المشاعر لكثير من الحضور.

ليس كل الحضور همهم مراعاة المشاعر، بل منهم من جاء قِلة أو كَثرة من جاء لمصلحة شخصية، من اقتناص فرص عمل، البزنس، صفقات، فنانات يتبادلن الحديث بسعادة واضحة "وسط الحنازة" يتبادلن الحديث أين سيقضوا الصيف في الجونة ولا الساحل؟، أو فنانة تظهر بدون مكياج فتكشف الكاميرا عوار عمليات التجميل، وأمور كثيرة لا علاقة لها بالجنازة، أذكر في جنازة لوفاة والدة مطرب معروف "كان واقف يهزر" وهو يتلقى عزاء والدته، ولما رصدته كاميرات الصحافة، أعلن سخطه، واتهمهم بالتطفل.

الحديث عن منع تغطية جنازات المشاهير لا يخرج إلا من شخص لم يعرف مهنة الصحافة يومًا، وتنظيمها هو في الواقع جزء من مهنة بالكامل تحتاج إلى تنظيم، فهل يوجد أي جهة تستطيع السيطرة على وسائل مستحدثة من الميديا ليس لها أي مرجعية رسمية؟، أم أن المقصود هو التقويض لا التنظيم؟، وهل يفلح تعاون نقابتي الممثلين والصحفيين في تنظيم ما يصعب تنظيمه؟.

search