الثلاثاء، 17 سبتمبر 2024

10:05 ص

بعث جديد للحياة.. طقوس احتفال المصري القديم بشم النسيم

لوحة جدارية للمصريين القدماء

لوحة جدارية للمصريين القدماء

جهاد سداح

A A

تعددت الأعياد والمناسبات في مصر القديمة، حيث تختلف طقوس كل عيد عن الآخر، ومنها ما زال عالقا في الأذهان.


قال الخبير الأثري، هشام الرشيدي، إن شم النسيم من الأعياد الزراعية التي احتفل بها المصريون القدماء منذ 4700 سنة مضت، مرجع كلمة شم إلى أصلها سموا والتي تعني معنى "الحصاد".


وأضاف الرشيدي، في تصريحات خاصة لـ “تليجراف مصر”: المصري القديم قسم السنة إلى ثلاثة فصول فقط، فصل الفيضان ويطلق عليه "آخت"، ويبدأ من شهر يوليو، وفصل بذر البذور ويطلق عليه "برت" ويبدأ من شهر نوفمبر، وفصل الحصاد ويطلق عليه "سمو" ويبدأ من شهر مارس.


وأشار، إلى حرص المصريين القدماء لنشر البهجة في جميع المناسبات ليس فقط الأعياد الدينية، مستدلا بمقتطف العالمة الفرنسية، كلير لالويت والذي يسمي "أناشيد الضارب على الحنك".


وأكمل: جاء نص المقتطف كالتالي: "اقض يوما سعيدا، وضع البخور والزيت الفاخر معًا من أجل أنفك، وضع أكاليل اللوتس والزهور على صدرك، بينما زوجتك الرقيقة في قلبك جالسة إلى جوارك، فلتكون الأغاني والرقص أمامك، وأطرح الهموم خلفك. لا تتذكر سوى الفرح، إلى أن يحل يوم الرسو في الأرض التي تحب الصمت".


وأوضح أن المصريين القدماء كانوا يعتبرون عيد شم النسيم يوم بعث جديد للحياة، وذلك لأنه تتجدد فيها النباتات والزهور والبذور، مشيرا إلى أن هذا العيد هو عيد الخير لهم وذلك بسبب بداية موسم الحصاد وامتلاء المخازن والصوامع بالخير.


عادات وتقاليد قديمة

أكد أن عادات وتقاليد الشعب المصري في شم النسيم لم تتغير قط، مشيرا إلى أن المصري القديم كان يسجل جميع طقوسه في كافة المناسبات، ويخرجون الأماكن الموجود بها خضرة حاملي صنوف الطعام والشراب.

ونوه أن المصري القديم لم يختر الطعام في شم النسيم بشكل عشوائي بل تم اختياره بناء علي مدلولا دينيا، مثل السمك المملح والبيض والخس والملانة (الحمص الأخضر).


مدلول كل نوع من الطعام


وفسر الرشيدي، مدلول كل نوع من الطعام، قائلا: البيضة ترمز إلى بداية خلق جديد، ويعتقد أنها منشأ الحياة وخروج أجيال جديدة، مطلقا عليها "سوحت"، لافتا أن أهمية البيضة تظهر في مقتطف من أنشودة أخناتون، التي يمتدح فيها الإله: "أنت الذي يهب الحياة للابن في بطن أمه، وتخفف روعها وتجفف دموعها، وتمده بالغذاء في بطن أمه، واهبا الهواء لتحيا به جميع المخلوقات، وعند نزوله في يوم ولادته، تفتح فمه وتمنحه احتياجاته. والفرخ في العش يزقزق في بيضته، لأنك أنت من الآن تمنحه من خلالها نسمات تعطيه الحياة، وتشكله بالكامل، ليتمكن من تحطيم قشرة البيضة، ويخرج يزقزق سائرا على رجليه".


طقوس السمك المملح


ونوه إلى سبب اختيار السمك المملح ضمن طقوس عيد "شم النسيم"، هو اعتقاده أن الحياة خلقت من محيط مائي أزلي لا حدود له، وأطلق عليه " حابي "، وبدأ استخدامه من عصر الأسرة الخامسة في هذه المناسبة مع بداية تقديسه لنهر النيل.


وتابع: كان المصريون القدماء يخصصون أماكن لصناعة السمك المملح جاء ذلك جليا في نقوش مقبرة الوزير "رخ- مي- رع" في عهد الأسرة 18، مشير إلى أن بردية "إيبرس" الطبية تفيد أن السمك المملح يقي من أمراض حمى الربيع.


وأشار إلى أصل عادة "دق البصل" أمام أبواب البيوت يرجع إلى أسطورة تقول شفاء أمير صغير من مرض عضال عجز الأطباء عن علاجه، وكان البصل سببا في الشفاء بعد أن وضع النبات تحت وسادة الأمير، واستنشقه عند شروق الشمس في يوم وافق احتفال المصريين بعيد "شم النسيم" فكتب له الشفاء، فأصبح تقليدا حافظ عليه المصريون حتى الآن، لافتا أنه كان اسمه "بصر" في مصر القديمة وليس "بصل".


الحمص الأخضر

ولفت، إلى الحمص الأخضر، المعروف باسم "الملانة"، فقد عرفته عصور الدولة القديمة، وأطلق عليه المصريون اسم "حور- بك"، وكان يحمل دلالة عقائدية على تجدد الحياة عند المصري، لأن ثمرة الحمص عندما تمتلئ وتنضج، ترمز عنده بقدوم فترة الربيع، فصل التجدد وازدهار الحياة.


وكما كان "شم النسيم" قديمًا، مناسبة يقام بها الاحتفلات، وتبادل الورود، والتجمعات وولائم أكل السمك المملح "الفسيخ"، وغيره من الأطعمة التي ارتبطت بتلك المناسبة، فقد توارث المصريون الكثير من تلك المظاهر التي عرفتها مصر القديمة في الاحتفال بـ "شم النسيم".


وظلت تلك المظاهر باقية حتى اليوم، وفي مقدمتها الخروج للحدائق العامة، وشواطئ نهر النيل.

search