الإثنين، 25 نوفمبر 2024

06:14 ص

"اجتياح رفح".. ورقة ضغط أم طوق النجاة لـ"نتنياهو"؟

نيتنياهو

نيتنياهو

تحليل - محمد خيري

A A

يرفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من وقت لآخر ما يعرض عليه من مسودات تتعلق بفرض وقف لإطلاق النار في قطاع غزة.

ويلوح بالاستمرار في الحرب وعدم وجود رغبة في وقف توغل آلته العسكرية ضد المدنيين العزل في قطاع غزة، أو عناصر حركة المقاومة الإسلامية حماس، ويتعهد دائمًا بالقضاء على حماس من خلال عملية "اجتياح رفح" الفلسطينية بشكل لا يمكن أن يرقى إليه الشك.

تصريحات نيتنياهو المستمرة عن "حتمية" الاجتياح البري لرفح تشير إلى أن نيتنياهو ماضٍ في عزمه على تهديد الأمن والسلم في منطقة الشرق الأوسط للحفاظ على بقائه في السلطة، في ظل مطالبات داخلية بسرعة إجراء انتخابات مبكرة في إسرائيل لإزاحة نيتنياهو من السلطة، بعد فشله في استعادة الرهائن المحتجزين لدى الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، في حرب امتدت منذ أكتوبر الماضي ولا تزال مستمرة.

مخيمات رفح الفلسطينية


وضع رفح الفلسطينية في اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل 


بمجرد حديث نيتنياهو عن عملية "اجتياح رفح" وتشدقه المستمر بها في المحافل الداخلية، وخلال لقاءاته بالمسؤولين الأمريكيين، بدأ متابعون في مراجعة بنود اتفاق السلام الموقع بين مصر وإسرائيل عام 1979، والمعروف إعلاميًا باسم "اتفاق كامب ديفيد"، لبيان وضع رفح الفلسطينية من ذلك الاتفاق، وطبيعة الرد المصري على أية تحركات إسرائيلية لاجتياح رفح، وما إذا كان ذلك سيهدد الأمن القومي المصري من عدمه.

وتشير بنود الاتفاقية وتحديدًا المادة الثانية منها على أن: "الحدود الدائمة بين مصر وإسرائيل هي الحدود الدولية المعترف بها بين مصر وفلسطين تحت الانتداب كما هو واضح بالخريطة في الملحق الثاني، وذلك من دون المساس بما يتعلق بوضع قطاع غزة. ويقر الطرفان بأن هذه الحدود مصونة لا تمس، ويتعهد كل منهما باحترام سلامة أراضي الطرف الآخر بما في ذلك مياهه الإقليمية ومجاله الجوي".

وطبقًا للملحق الثاني من الاتفاقية، فإن منطقة رفح الفلسطينية تقع ضمن المنطقة "د"، والتي تنص على أنه لا يحق لإسرائيل نشر أي جندي فيها أو عتاد أو آليات، وأن نشر قوات إسرائيلية في تلك المنطقة بدون إذن من مصر يعد نقضًا للاتفاق.

حكومة الحرب الإسرائيلية


اتفاق فيلادلفيا

وقد كان مسموحًا لإسرائيل في وقت سابق بنشر قوات إسرائيلية وآليات في تلك المنطقة بعد معاهدة السلام مباشرة، إلا أن تصديق الكنيست الإسرائيلي على انسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة عام 2004، وهو القرار الذي دخل حيز التنفيذ في عام 2005، أجبر إسرائيل على التراجع عن التواجد العسكري في القطاع، بما فيها محور صلاح الدين أو "محور فلادلفيا"، وهو ما دعا إسرائيل فيما بعد لأن تعقد اتفاقًا مع مصر يسمى "اتفاق فيلادلفيا".

ويعمل الاتفاق على تحديد الترتيبات المتفق عليها فيما يتعلق بنشر قوات في تلك المنطقة الحدودية، إذ سمح الاتفاق لمصر بنشر 750 فرد حرس حدودي وتسيير دوريات على الجانب المصري للمحور، بدون إعطاء الجانب الإسرائيلي الحق ذاته في التواجد العسكري بتلك المنطقة.

ونصت المادة التاسعة من اتفاق فيلادلفيا على: "يجب على جميع الأطراف إدراك أن نشر قوات حرس حدود لا يعدل ولا يغير ولا ينقح معاهدة السلام بأي حال من الأحوال، بل هي ترتيبات محور صلاح الدين وتدابير أمنية إضافية لمواجهة التسلل وافق عليها الطرفان". 

وبالتالي فإن وجود قوات إسرائيلية في تلك المنطقة يخالف قرار الكنيست الإسرائيلي القاضي بالانسحاب الكامل من غزة بشكل كامل، كما يخالف اتفاق فيلادلفيا بين مصر وإسرائيل، وكذلك اتفاق السلام بين الجانبين، والتي تؤكد مادته الثالثة على: "يتعهد الطرفان بالامتناع عن التهديد باستخدام القوة على نحو مباشر أو غير مباشر لتهديد أيًا منهما، كما يتعهد كل طرف بأن يكفل عدم صدور فعل من أفعال الحرب أو الأفعال العدوانية ضد السكان أو الممتلكات الخاصة بالطرف الآخر".

نيتنياهو زوجته سارة 


الحرب طوق النجاة لنيتنياهو


تشير المعلومات التي تنشرها المواقع الإخبارية الإسرائيلية المحسوبة على المعارضة إلى أن نيتنياهو يواجه الكثير من الدعاوى القضائية التي تتهمه بالفساد، واستغلال النفوذ، كان أبرزها القضية المعروفة باسم "الملف 1000"، وهو الملف الذي يحوي اتهامات لنتنياهو بتلقي رشاوى وهدايا فاخرة له ولزوجته وابنه يائير، وأموال تقدر بـ 700 ألف شيكل أي ما يعادل 180 ألف يورو مقابل خدمات مالية لصديقه المقرب أرنون ميلتشين، وهي القضية نفسها التي أدلى فيها زعيم المعارضة يائير لابيد بشهادته فيها، خاصة وأنه كان وزيرًا للمالية بين الأعوام 2007 و 2016.


علاوة على ذلك، فإن نتنياهو يخشى من المواجهة القضائية بعد الحرب مباشرة، وهي المواجهة التي سيحاسب فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي على فاتورة حربه على غزة، والخسائر التي مني بها الاقتصاد الإسرائيلي جراء تلك الحرب، وهو ما يخشى نتنياهو من مواجهته، خاصة وأنه غير قادر على تحمل تبعات الحرب وحده، وهو ما جعله يشرك كل رموز المعارضة الإسرائيلية في "حكومة حرب" بحيث يعلن نتنياهو أن المعارضة - إن هاجمته - شاركت في صناعة خارطة طريق الحرب، وبالتالي يمكنه أن يتنصل من تحمل المسؤولية كلها بمفرده، ويوزع تلك المسؤوليات على كل المشاركين معه في حكومة الحرب.

خاتمة
في المجمل فإن نتنياهو يسعى لإطالة أمد الحرب لتجنب الوقوف أمام القضاء الإسرائيلي في قضايا عدة أبرز الفساد وخسائر الحرب، علاوة على الأصوات التي تطالب بإجراء انتخابات مبكرة قبل عام واحد فقط من نهاية فترة نتنياهو، بالإضافة إلى أن خروجه من السلطة يحمل في طياته نهاية سياسية له، في ظل ما تسببت فيه حربه على غزة في إعادة الزخم للقضية الفلسطينية، ولجوء بعض دول أوروبا للإعلان عن رغبتها في الاعتراف بالدولة الفلسطينية، فضلًا عن الدعم الشعبي والطلابي الكبير في جامعات العالم لغزة، وفشله في استعادة الأسرى من خلال الحرب، وتجاهله لمطالب أهالي الأسرى بعقد اتفاق مع حماس، لذلك فإن تلويح نتنياهو بـ"اجتياح رفح" هو طوق النجاه له وهو الضامن لاستمرار الحرب وبقاءه في السلطة لأطول فترة ممكنة.

search