الخميس، 19 سبتمبر 2024

04:49 ص

طارق سعد

طارق سعد

A A

لماذا لا تستثمر المتحدة في صناعة الموسيقى؟!

سؤال مباشر يبحث عن إجابة واضحة.. لماذا لا تستثمر المتحدة للخدمات الإعلامية في صناعة الموسيقى؟!.

سلسلة النجاحات التي حققتها شركة "المتحدة" في مجالات الإعلام والسينما والدراما والرياضة والإعلان أيضاً تدفعنا للبحث عن منتشل لصناعة الأغنية من حالة الغرق التي تعرضت لها منذ ما يتخطى الـ 1 سنوات، اختفت فيها الكيانات المنتجة القائمة بالخبرة والتخصص على صناعة الموسيقى وتركت الصُناع يعملون بأداء الذئاب المنفردة وكل حسب نصيبه من مهاراته الشخصية، وهو ما لا يمكن في ظله اعتبار ما يحدث على الساحة صناعة موسيقى إلا اعتبارياً لكن احترافياً هو اجتهادات لاستمرار التدفق الموسيقي فقط لا غير.

تملك مصر أجيالاً متنوعة من المواهب في هذه الصناعة بين شعراء وملحنين وموزعين ومطربين وهو ما يجعلها دائماً على قمة الأغنية العربية وهو أيضاً ما دفع إحدى كبريات شركات الإنتاج العربية في فترة سابقة لاجتذابهم وتجميدهم لإفساح الطريق للأغنية الخليجية واللبنانية، وفض السيطرة المصرية على السوق الغنائي في الوطن العربي فنجوم الوطن العربي على مدار الأجيال قممهم مصرية وكذلك الإنتاج المصري من منتجين صاغوا الساحة بخبراتهم وذكائهم الفني، فهل يعقل بكل هذه المقومات أن تصبح مصر بلداً بلا كيان موسيقي؟.

منذ سنوات طويلة بدأ انهيار صناعة الموسيقى بعد تراجع شركات الإنتاج عن القيام بمهمتها بداعي الخسائر من القرصنة على المنتج الغنائي، فأصبحت تتهرب من العملية الإنتاجية برمتها ووجدت النجوم نفسها مضطرة للإنتاج بنفسها لحتمية الاستمرار في الوقت الذي اكتفت فيه الشركات بلعب دور الموزع لألبوماتهم بينما ظل المنتج "نصر محروس" يعافر وحيداً، ومع ارتفاع تكاليف الصناعة لم يسطع أن يكمل الطريق إلا من يمتلك قوة الاستمرار المادية ثم ذكاء الاختيار وتقلصت صناعة الموسيقى في منتجها الذي تحول من ألبوم 12 و14 أغنية إلى ألبوم 8 أغاني إلى "ميني" ألبوم 4 أغاني، ثم انتهى الحال إلى "سينجل" تطرحه النجوم على فترات حسب المقدرة المادية، ولم يصمد أمام هذا التيار الجارف للأغنية سوى الكبار الذين قرروا إنشاء كيان إنتاجي خاص بهم بدأه "عمرو دياب" و"حكيم" ثم "تامر حسني"، أما "محمد فؤاد" ففشل كيانه الإنتاجي في بدايته وتراجعت أسماء كبيرة مثل "هشام عباس وإيهاب توفيق وخالد عجاج" وترنحت "شيرين" وتخبطت "آمال ماهر" وجاهدت "أنغام" مع كيان عربي منافس وغيرهم من الأصوات الناجحة، لتفقد مصر أحد أهم أذرع قوتها الناعمة المتمثلة في "الأغنية" ويبقى منها فقط أغنيات الأفلام والدراما!.

الغريب أن وسط تلاطم أمواج أزمة صناعة الموسيقى، استطاع جيل جديد من المطربين الظهور وإثبات وجوده في سباحة مجهدة ضد التيار الجارف للتقاعد ومعهم مجموعة من الشعراء والملحنين والموزعين أصحاب مواهب جديدة ومختلفة، واستطاعوا أن يصنعوا قاعدة جماهيرية ويتركوا بصمة بنجاحات بشكل جديد من خلال التسويق الإلكتروني عبر المنصات بلا ألبومات وطباعة وتوزيع فأصبحت الموسيقى الرقمية هي المنتج الرسمي المعتمد انتشارا،ً وهو التطور الذي يناسب المرحلة ويقضي تماماً على فكرة القرصنة التي أغلقت شركات الإنتاج أبوابها بسببها ولم تسطع مواكبة التكنولوجيا الحديثة وتركت مشاريع المطربين يصارعون التواجد والبقاء منفردين بمجهودات ذاتية.

استطاعت "المتحدة" للخدمات الإعلامية خوض تجربة مغامرة مجبرة وقت ذروة فيروس "كورونا" وحالات حظر الخروج والمخالطة وقررت استغلال التطور بعمل حفلات تذاع على شاشاتها لكبار النجوم بدون جمهور، وهي سابقة لم تحدث من قبل، فكان حضور الجمهور مباشر من مكانه أمام الشاشة مواكبة للمرحلة الجديدة التي بدأ فيها البث المباشر عبر المواقع ومحاولة تقديم حفلات "لايف" لإشباع الجمهور فنياً والتخفيف عليه من آثار الحظر، لتلتقط "المتحدة" الخيط وتحقق به نجاحاً تاريخياً.

"المتحدة" أيضاً أعطت قبلة الحياة للسينما بالإنتاج والمشاركة في الإنتاج السينمائي لتضخ في قطاع السينما وتنقذه من عثرته وتعود الإيرادات إلى شباك التذاكر بعودة الجماهير للسينما، بعدما كانت انتهت إكلينيكياً بأزمة "كورونا"، ولكن بإدارة متطورة واستغلال المنصات الرقمية تسويقياً زادت الأرباح مضاعفة وهو ما تكرر مع الدراما ليتحول الموسم الدرامي إلى عام كامل من الضخ الدرامي المتنوع غير معتمد على زخم شهر رمضان فقط وتزيد حدة المنافسة، وهو ما منح الفرصة لظهور عدد كبير جداً من المواهب الجديدة والنجاح والانتقال لمصاف النجوم وأيضاً عودة نجوم كبيرة كانت تقاعدت مجبرة لظروف العرض والطلب لتجد مكانها وسط الشكل الجديد للدراما وتصبح من أعمدتها الرئيسية في أعمال متتالية، وهو الاستثمار الأنجح الذي حققته "المتحدة" بذكاء واحترافية شديدة في وقت قصير.

لماذا لا تستثمر "المتحدة" في صناعة الموسيقى؟

ما زال السؤال الأهم الذي ينتظر إجابة بعد انتقال "المتحدة" للسوق الرياضي أيضاً وتحقيق نجاحات متوقعة جديدة، فلماذا لا تكرر "المتحدة" تجربتها مع السينما والدراما مع الأغنية أيضاً؟.

لماذا لا تعيد "المتحدة" ترتيب السوق الموسيقي بشراكات مماثلة مع صناع الموسيقى من عتاولة المنتجين أمثال "محسن جابر ونصر محروس وطارق عبدالله"، وإعادة إحياء شركات الإنتاج بصناعتهم المحترفة وإعادة الروح إلى السوق الغنائي بتقديم نجوم جدد من المتألقين على الساحة وعودة النجوم الكبار ممن لم تسعفهم المغامرة الإنتاجية لتحقيق التوازن وعودة سيطرة الأغنية المصرية والقضاء على العشوائية الغنائية التي خلفت أنواعاً رديئة أساءت لسمعة مصر الموسيقية على مدار تاريخها.

ولأن الأرباح والمكاسب المادية هي العنصر الفيصل في أي مشروع فتستطيع "المتحدة" تحقيقها بمنتهى السهولة بخطة بسيطة تعتمد على الآتي مبدأياً.

إنتاج موسيقى رقمية – جلب رعاة ومعلنين للمشروعات الغنائية المتنوعة – حفلات للنجوم في العلمين الجديدة ومدن سياحية جاذبة ويشارك في كل حفلة أحد النجوم الجدد – معلنين ورعاة للحفلات الغنائية والتي ستبقى من زاوية أخرى عنصراً جاذباً للسياحة الداخلية والخارجية – التسويق الرقمي للحفلات والأغنيات الذي سيحقق عوائد كبيرة متوقعة.. إلى جانب أفكار كثيرة ستخرج من رحم التجربة.

المفارقة أن أكثر من حقق نجاحات من المواهب الجدد "مطربات" استطعن صناعة أسمائهن بمواهبهن المتميزة والمميزة وحققن النجاح برحلة كفاح وصلن بها للصفوف المتقدمة الملاصقة للأولى مثل "نور عبد السلام – شيماء المغربي – صابرين النجيلي – دنيا النوبي – أية سلطان" وغيرهن ممن استطعن الصمود أمام معاناة الصناعة بأصوات ساحرة، فهل يعقل أن نمتلك مثل هذه الأصوات المصرية القوية ونتوه في "عاركة" صوت مصر بين "شيرين وأنغام وآمال ماهر" للاستحواذ على اللقب؟!. 

الحقيقة أن صوت مصر هي أغنيتها.. ذراعها من القوة الناعمة.. يؤديها من هو كفء بها وأهل لها وإن لزم الأمر التسمية فإن صوت مصر بها حتى هذه اللحظة هي "أم كلثوم".

صناعة الموسيقى في مصر تحتاج لإعادة صياغة.. إعادة تأهيل.. تحتاج منقذ.. ليبقى السؤال..

لماذا لا تستثمر "المتحدة" في صناعة الموسيقى؟!

search