الجمعة، 20 سبتمبر 2024

05:51 ص

سرقة ونصب واعتداء.. السوق السوداء للدولار مصيدة مصريي الخارج

بعض مصريي الخارج يحتفظ بالدولار دون تحويل

بعض مصريي الخارج يحتفظ بالدولار دون تحويل

A A

32 ألف دولار أراد المهندس المقيم في إحدى دول الخليج، "أ.ع"، تحويلها إلى أهله بمصر. مبلغٌ يعادل - بسعر البنك - مليون جنيه إلا قليلا، لكنه يقدّر بنحو 1.8 مليون جنيه بسعر السوق السوداء. الفارق كبير، دفعه للبحث عمن يشتري العملة الصعبة، حتى وجده.

كان الاتفاق بسيطًا، سيلتقي "السمسار" في مكان عام، يسلّمه المبلغ الدولاريّ، وفي نفس اللحظة، ثمة شخص سيسلّم أهله حقيبةً فيها المبلغ بالجنيه المصري.

في الوقت المحدد، استقبل المهندس اتصالا من أحد أقربائه "استلمت الأمانة"، ليؤدي جانبه من الصفقة، ويسلّم الدولارات للسمسار، كما اتفقا، ويذهب كل منهما لحال سبيله.

جاءته الصدمة بعد قليل، في اتصال ثانٍ من قريبه، ليخبره أن أشخاصًا هاجموه وهددوه بالقتل، وأجبروه على الاتصال به وإبلاغه بأنه استلم النقود. حينها أدرك أنه وقع ضحية عملية نصب محكمة، لكنه لم يجرؤ على إبلاغ الشرطة، لأن العملية غير قانونية بالأساس، وسيجعله هذا متهمًا معترفًا بتجارة العملة.

 

تعاملات بالدولار في إحدى شركات الصرافة 

النصب بـ"جنيه زيادة" 

في واقعة أخرى، يقول "ز. م"، مقيم في الخليج أيضًا، إنه تعرض لاحتيال مماثل لكن دون وقوع اعتداء، إذ وثق في سمسار، حصل منه على مبلغ مالي يوازي 350 ألف جنيه، واختفى بعد ذلك واكتشف أنه غادر الدولة بعد أن احتال على آخرين بنفس الطريقة.

أما "م. ح"، فيقول إنه خسر ما يقارب من 650 ألف جنيه مصري بعملة الدولة التي يقيم فيها، حينما طلب من شخص عرفه عن طريق أحد الأصدقاء، تحويل مبلغ بعملة الدولة التي يقيم فيها، لكنه تعرض للاحتيال، ولم يحصل على شيء في النهاية. 

مصريون كثر قالوا إنه لا سبيل أمامهم سوى السوق السوداء لتحويل رواتبهم ومدخراتهم من عملات البلدان التي يعملون فيها إلى الجنيه المصري، رغم كل هذه المخاطر، في محاولة للاستفادة من الفارق الكبير بين سعر التحويل الرسمي عن طريق البنوك أو شركات الصرافة، وأسعار السوق السوداء المغرية.

لا فرصة للإبلاغ

يقول المحامي محمد فاروق، إن ضحية النصب في السوق السوداء لا يمكنه اللجوء فيها للإبلاغ، لأنه صار شريكا في تعامل غير شرعي، ومتهمًا في قضية اتجار في العملة الأجنبية، فيما يخضع الجاني لقضيتين، الأولى هي الاتجار في العملة الأجنبية، والثانية التهديد باستخدام العنف والقوة، كما حدث في حالة القضية الأولى، أو النصب. 

وأضاف "فاروق" أن الدولة تراقب العمليات التي تجرى في سوق الصرف الرسمية، بشكل شرعي من خلال البنوك، بما يحقق مصالح كل الأطراف، عكس السوق السوداء غير الخاضعة للرقابة.

أما العقوبة التي تواجه المتهمين والضحايا، كما يقول "فاروق"، فتتراوح ما بين 3 و10 سنوات وغرامة مالية تساوي المبلغ محل الجريمة. 

صورة لأحد المتهمين في قفص خلال المحاكمة 

“نداهة” السوق السوداء

على مدار العام المالي الماضي تراجعت تحويلات المصريين بالخارج، إلى أدنى مستوى لها في ست سنوات مع لجوء المغتربين للتحويل عبر الطرق غير الرسمية (في ظل الفجوة بين السعرين الرسمي في البنوك والسوق الموازية للدولار). 

وبلغت تحويلات المصريين في الخارج 22.1 مليار جنيه، في عام 2022/23 بعد أن فقدت 9.8 مليار دولار، إذا ما قورنت بالعام المالي الأسبق 2021/22، بتراجع وصلت نسبته إلى 30.8 % وفقًا للبيانات الرسمية للبنك المركزي.

بيانات البنك المركزي المعلنة في يونيو الماضي، أظهرت أن تحويلات المصريين في الخارج شهدت تراجعًا حادًا في الربع الأخير من العام المالي 2022-2023، حيث بلغت 3.6 مليار دولار مقابل 8.2 مليارا للفترة نفسها من 2021/2022.

البنك المركزي المصري 

يحتفظون بالدولار

الخبير المصرفي، محمد البيه، يفسر التراجع في تحويلات المصريين، التي تمثل الحصة الأكبر من إيرادات مصر الدولارية، قائلاً: أغلبية المصريين في الخارج اتجهوا للسوق السوداء لتحويل أموالهم بعيدًا عن السوق الرسمية". 

كما أضاف أن الجزء الأكبر من تحويلات المصريين في الخارج، مصروفات للمعيشة لأسرهم بالداخل أو للاستثمار، وبالتالي فارق سعر الصرف بين الرسمي وغير الرسمي مغر، ويحفز على المخاطرة، مشيرًا إلى أن البعض ربما يقع في فخ النصب، أو تحت طائلة القانون. 

الخبير الاقتصادي، مصطفى بدرة، يقول إن تحويلات المصريين في الخارج ترتبط بتحركات سعر الصرف دائمًا، إذا كان السوق مستقرًا ترتفع، لكن في الظروف الحالية والتي بدأت مع شح الدولار في السوق، وظهور الدولرة، تنخفض.

كما أضاف أن بعض المصريين المقيمين بالخارج يحتفظ بالدولار دون تحويل، وتلك الشريحة التي لا ترغب في اللجوء للسوق السوداء خوفًا من المساءلة القانونية، تنتظر أن يتحرك السعر رسميًا.

التحويلات سترتفع

توقع تقرير لمؤسسة "فيتش سوليوشنز" ارتفاع قيمة تحويلات المصريين في العام المالي الحالي 2023-2024 بنسبة قد تصل إلى 10% لتصل إلى 25.6 مليار دولار مقابل نحو 23 مليار دولار، العام المالي الماضي. 

وبنيت "فيتش" توقعاتها على ترجيحات خفض محتمل للجنيه المصري ليصل الدولار إلى مستويات 38 جنيهًا في السوق الرسمية، ذلك قبل أن تحدث توقعاتها في نوفمبر الماضي لتراجع الجنيه إلى مستوى بين 40 و45 جنيها خلال الفترة من يناير إلى مارس 2024، وذلك من مستواه الحالي في البنك المركزي عند 30.8 جنيه للدولار. 

وتعتقد "فيتش" بأنه حال انحسار التقلبات التي تشهدها سوق الصرف في مصر، فإن ذلك من شأنه توجيه تحويلات المصريين في الخارج إلى القنوات الرسمية.

search