إسلام أبو النجا
مائة عام من الحرب في براري الدلتا اختفت بعدها (البشما)
مائة عام من الحرب في براري الدلتا اختفت بعدها (البشما) وكثير من البلاد أسفل أسفل الأرض.
كان الشاب (أبايروس) يجمع الضرائب لصالح الأمويين، كونه من أصحاب الأملاك والنفوذ في بلاده، وخلال سيره وحيدًا في البراري التي يبست من غياب الفيضان للعام الثالث على التوالي،
شك أنه استمع لنحيب فتاة..
توقف ليدقق السمع فتأكد من الصوت المنبعث خلف سيقان الغاب.
فتاة تتضرع مستغيثة بأنين، مع صوت أنفاس رجال بحشرجة مفترسة، هرع على الفور مزيحًا سيقان الغاب بكفيه..
إذ بها فتاة صريعة على الأرض ملطخة بالدماء، يجثم فوقها ثلاثة رجال بعيون جاحظة وأجسادهم هياكل عظمية مكسوة بالجلد، يأكلون الفتاة، واحد ينهش في الكتف، وآخر يلتهم أجزاءً من فخذها، ويحاول الثالث ثقب بطنها بأسنانه، والدم ينهمر فوق جسد الفتاة، توقفوا عندما شعروا بوجوده، فقفزوا مختفين بين الغاب والحامول كحيوان بري، حمل أبايروس الفتاة مذهولًا دون كلمة حتى وصل بيته، وأمر بعلاج الفتاة والاهتمام برعايتها، قضى الليل مذهولًا، صائمًا عن الكلام والطعام، وفي الصباح باع أملاكه وتبرع بها لإطعام المحتاجين، تجمع الناس حوله معتبرينه المخلِّص.
كانوا داكني البشرة، أقوياء البدن بشعور وعيون ملونة مثل السمك كسائر جنس البشموريين، فوقف خاطبًا فيهم محرضًا عن الامتناع من دفع الضرائب.. فهللوا لذلك وأحاطوه مشجعين، وكانت هذه بداية حرب استمرت في براري الدلتا ما يقرب من مائة عام، وقُتل على إثرها مئات الآلاف من البشموريين، سكان البراري الأصليين، الذين اختفوا أسفل أسفل الأرض.
بدأت الحرب في 749 وانتهت عام 831 ميلادية، عندما حضر الخليفة العباسي المأمون بجيش عرمرم، يقال إنه وصل لـ 100 ألف جندي، لينهي مقاومة البشموريين التي استمرّت من 749 إلى 831 في كل براري مصر .
رغم فتح العرب لمصر سنة 639 على يد عمرو بن العاص والسيطرة على كل شئون الحكم وتدفق العرب بأعداد كبيرة، إلا أنهم لم يستطيعوا السيطرة على أقصى شمال الدلتا وتعرضوا لهزائم متتالية نتيجة تضاريس المنطقة المليئة بالمستنقعات والأرض الوحلة، حتى حرب البشموريين الأخيرة سنة 831 والتي أوصى بعدها الخليفة المأمون بحسن معاملة المصريين.
(البشمورد) بكسر الباء، وإهمال الراء والدال، آخر شعب مصري تحدث اللغة المصرية القديمة، عاشوا حول بحيرة البرلس والبراري.. كانت بحيرة البرلس تمتد حتى مدينة الحامول الحالية في شمال كفر الشيخ.. وكانت البراري تمتد حتى مدينة سخا الحالية في كفر الشيخ، وكانوا يعملون في صيد الأسماك وصناعة أوراق البردي، ولهم شكلًا مميزًا وغريبًا، العيون الخضراء الواسعة والشعر الكستنائي مع لون بشرة داكن، وأجسادهم نحيفة وفارعة الطول.
البشما من بلاد مصر القديمة التي اندثرت واختفت بعد الفتح العربي ، لكن يتبقى منها ترعة طبيعية (بحر البشما) تبدأ من الجرايدة وتتجه شمالًا حتى قرب الحامول ثم البرلس، وتتغذى من رافد يمر على بلدة دميرة بالقرب من المنصورة ثم مدينة بلقاس والمعصرة، و التي يذكر أنها شهدت أول مواجهة بين العرب والبشموريين .
بدأ استقرار العرب بشكل كامل في هذه المنطقة منذ سنة 831 ميلادية وكانوا من شرق المدينة المنورة، ثم توافدت أعداد كبيرة من قبائل وجهات شتى، شجعتهم المنطقة على ممارسة الرعي في البداية ثم تعلموا الزراعة.
يقال إن ميل جيبسون الممثل الأمريكي الشهير متحمس لإنتاج فيلم عن البشمور، ليعيد النجاح الكبير الذي لاقاه فيلم القلب الشجاع الذى تتشابه كثير من تفاصيله بتفاصيل حروب البشموريين مع اختلاف البيئة ما يجعل احتمالية النجاح مضمونة تقريبًا، ولا نعرف لماذا لا تتحمس شركات الإنتاج المصرية لهذه المواضيع التي يمكن أن تدخل السينما المصر في المنافسة العالمية ما يعني مكاسب مالية أكبر، وجودة فنية أعلى.
رواية البشموريين الجزء الأول، واحدة من أهم الروايات المصرية في هذا القرن برأي النقاد، وتحكي كثيرًا من التفاصيل حول هذه الحرب وهذه المنطقة في ذاك الزمان، بشكل وثائقي وأسلوب أدبي رفيع المستوى.
يوجد في هذه الناحية ثلاثة مواقع لبلدات من مصر القديمة، تم ردمهم، ليصبحوا ما يعرف بـ(الكردود) وهي كلمة غير عربية تعني (أرض المستبعدين) ، وتنتشر في أكثر من مكان في الدلتا، وقد نمت في كل البلاد حكاية شعبية أسطورية تختلف في بعض التفاصيل، لكنها تجتمع أن هذه الأماكن كانت لقوم تنزلت عليهم اللعنات فسخطت بلادهم، ولذلك كانوا يخافون منها ولا يسكنوها، والحقيقة أنهم قوم مساكين من الفلاحين والرعاة وصناع الورق تركوا هذه البلاد نتيجة لأحداث معقدة ما بين طبيعية وبشرية، تحتاج هذه الفترة الزمنية المهمة المزيد من الدراسات التاريخية وهذا يعتمد على وزارة الآثار التي لا تهتم بهذه المنطقة لأنها كانت منطقة فقراء من الفلاحين المصريين الذين لا يشكلون أي احتمالية لوجود آثار مادية عالية القيمة.
الأكثر قراءة
-
04:55 AMالفجْر
-
06:26 AMالشروق
-
11:41 AMالظُّهْر
-
02:36 PMالعَصر
-
04:56 PMالمَغرب
-
06:17 PMالعِشاء
أكثر الكلمات انتشاراً