الجمعة، 22 نوفمبر 2024

02:46 ص

كعكة المقرات.. لعبة "شد حبل" اقتصادية بين الرياض ودبيّ

دبي والرياض تتنافسان على جذب مقرات الشركات العالمية

دبي والرياض تتنافسان على جذب مقرات الشركات العالمية

ولاء عدلان

A A

منذ بداية 2024، منعت السعودية كافة جهاتها الحكومية من التعاقد مع أية شركة أجنبية لها مقر إقليمي خارج المملكة. قرار حاسم، يهدف بوضوح إلى إجبار الشركات العالمية على فتح مقرات لها على الأراضي السعودية.

قرار مجلس الوزراء السعودي يأتي في سياق سعي المملكة لتوطين الشركات الأجنبية، طبقا لرؤية 2030، الأمر الذي يضعها في منافسة مباشرة مع الإمارات ودبي تحديدا.

يقول رجل الأعمال السعودي عبدالرحمن كريدة في تصريح لـ"تليجراف مصر"، إن استقطاب الشركات متعددة الجنسيات سواء كانت قيادية أو ناشئة إلى المملكة أمر يخدم الطرفين، فوجود مثل هذه الشركات سيخدم الاقتصاد السعودي ويصب في صالح تحقيق أهداف رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان 2030، تحديدا فيما يتعلق بتنويع الاقتصاد وتحويل المملكة إلى مركز للتجارة الدولية، وفي المقابل هذه الشركات ستستفيد بالعديد من المزايا التشغيلية والضريبية. 

الهيئة العامة للاستثمار السعودية

اقتصاد متين

أطلقت المملكة في 2021 برنامجا خاصًا لجذب المقرات الإقليمية للشركات متعددة الجنسيات، تحت إشراف وزارة الاستثمار، بهدف استقطاب نحو 480 شركة عالمية لتأسيس مقرات لها في الرياض وإضافة نحو 67 مليار ريال للاقتصاد المحلي، وتوفير قرابة 30 ألف فرصة عمل إضافية بحلول 2030، فضلا عن تعزيز الصناعة الوطنية وتوطين الصناعة المتقدمة. 

استقطب البرنامج في عامه الأول نحو 44 شركة، أبرزها يونيلفر وإيلي ليلي الأمريكية للأدوية وبيكر هيوز وسامسونج، وخلال العام الماضي تمكن من جذب أكثر من 180 شركة جديدة متجاوزا هدفه للعام البالغ 160 شركة، وحتى فبراير الماضي أصدرت وزارة الاستثمار تراخيص لنقل مقرات أكثر من 350 شركة عالمية إلى الرياض بينها علامات عالمية مثل شركة بيبسيكو وعملاقة الاستشارات المالية برايس ووترهاوس كوبرز ، وفق تصريحات سابقة لوزير الاستثمار خالد الفالح. 

يصف عبدالرحمن كريدة الاقتصاد السعودي بأنه “متين يتمتع بريادة واضحة في قطاعات عدة، أهمها البتروكيماويات والمواد الأساسية والصناعات التحويلية”، مضيفا أن وجود شركات عالمية على أراضي السعودية التي تتمتع بموقع جغرافي متميز يربطها بدول شمال العالم وجنوبه، سيكون إضافة للشركات الراغبة في العمل ضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فضلا عن حقيقة أن الاقتصاد السعودي هو الأكبر في المنطقة ويأتي في المرتبة الـ18 عالميًا والأسرع نموا بين دول العشرين.

 

حوافز ضخمة 

يرى الخبير الاقتصادي مصطفى بدرة، أن المملكة تشهد نهضة اقتصادية ترمي لتنويع اقتصادها واستغلال عوائد النفط على النحو الأمثل، وفي هذا الإطار حرصت خلال السنوات القليلة الماضية على تذليل كافة العقابات أمام المستثمر الأجنبي وتحولت إلى بيئة صديقة للأعمال تقدم حوافز ضخمة للشركات العالمية من أجل نقل مقراتها إليها بما يفتح الباب أمام تدفق المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية وتوطين الصناعات المتقدمة. 

السعودية وهي أكبر مصدر للنفط في العالم، تسعى ضمن رؤية 2030 لتنويع اقتصادها والوصول بصافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 388  مليار ريال سنويا، وتحويل الرياض إلى مركز إقليمي للشركات العالمية، وفي هذا الإطار قدمت حكومتها العديد من الحوافز لجذب هذه الشركات سواء فيما يتعلق بالاستشارات القانونية أو خدمات الانتقال والتوظيف أو حتى خدمات السكن والسفر، لتبقى الحوافز الضريبة هي الأبرز. 

في ديسمبر 2023 وصلت مدة الإعفاء الضريبي التي تمنحها الرياض لمقرات الشركات العالمية إلى 30 عامًا من تاريخ إصدار ترخيص المقر، هذا فضلا عن منح هذه الشركات الأفضلية في العقود الحكومية وتمتعها بقواعد مرنة لتطبيق السعودة في الوظائف واستقطاب الكفاءات الأجنبية للعمل في مقرها الإقليمي. 

جاء محمد بن سلمان برؤية طموحة لتطوير المملكة

سوق كبير

من جانبها تقول الخبيرة الاقتصادية هدى الملاح إن السعودية على يد الأمير محمد بن سلمان اتخذت خطوات ناجحة صوب تنويع الاقتصاد ضمن رؤية 2030 المعلنة في العام 2016، وبالفعل خلال السنوات القليلة الماضية ظهرت كمنافس يسعى لتعزيز موقعه على خارطة الاستثمار الأجنبي والمقرات الإقليمية للشركات. 

وتتابع أن السعودية طوال السنوات التي سبقت تولي ولي العهد لرئاسة صندوق الاستثمارات العامة في العام 2015 كانت أشبه بسوق مقفول على الشركات المحلية باستثناء قطاع النفط، أما الآن فالصورة تبدلت كثيرا، وأصبحت المملكة واجهة للمستثمرين العرب والأجانب، الراغبن في تأسيس أعمالهم في كافة قطاعات الاقتصاد، الأمر الذي يشي بقدرتها خلال السنوات المقبلة على تحقيق طفر اقتصادية بعيدا عن النفط. 

وتعد السعودية سوقا كبيرا إذ يتجاوز عدد سكانها 32 مليون نسمة، ما يخلق فرصا أوسع للشركات التي تتخذ منها مقرا، لفهم حاجات هذا العدد من المستهلكين، والوصول أسرع لهم، وفق الملاح.

دبي تتعاون مع ماستركارد لإطلاق أول شراكة رقمية على مستوى المدن - يونيو 2023

 

الرياض في مواجهة دبي

لحظات افتتاح المقرات الإقليمية في قلب الرياض، تبدو مشاهد تستحق الاحتفاء والتقييم ضمن برنامج جذب المقرات، باتت هذه المشاهد أقرب للروتينية في دولة الإمارات منذ أعوام مضت، ففي العام 2021 على سبيل المثال كانت الأخيرة تستحوذ على 96% من مقرات الشركات العالمية المدرجة على قائمة فوربس السنوية لأقوى الرؤساء التنفيذيين الإقليميين، بينما غابت المملكة، وفي 2008 كانت دبي مقرا لجوجل في الشرق الأوسط.

حسب هدى الملاح، لا تزال السعودية وغالبية دول الخليج بعيدة كثيرا عن الإمارات فيما يتعلق بجهود التنويع الاقتصادي بعيدا عن النفط، موضحة أن دبي تحديدا قطعت شوطا واسعا على مدار العقدين الماضيين ليس فقط فيما يتعلق باستقطاب المقرات الإقليمية للشركات العالمية بل في تحولها إلى بيئة صديقة للأعمال تجذب إليها المليارديرات من حول العالم ورواد الأعمال لتأسيس شركاتهم فيها بل والإقامة فيها بشكل كامل. 

وتضيف أن دبي تحولت إلى مركز مالي عالمي خلال السنوات الأخيرة، بفضل نهجها الاستباقي لبناء اقتصاد يمتلك كافة مفردات المستقبل.

دبي للاستثمار

وفقا لكثير من التصنيفات العالمية، تعد الإمارات أقدر على استقطاب الشركات متعددة الجنسيات، فدبي وحدها تحتضن اليوم نحو 70% شركة مدرجة ضمن قائمة مجلة فورتشن الأمريكية لأكبر 500 شركة لها مكاتب إقليمية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وقرابة 90% من كبار المديرين التنفيذيين العاملين لدى الشركات العالمية التي لديها مقرات في المنطقة، اختاروا الإقامة في دبي. 

وعززت الإمارات مكانتها على خارطة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، لتتصدر دول المنطقة في 2022 برصيد 22.7 مليار دولار بينما حلت السعودية في المركز الثالث بـ7.9 مليار دولار فقط، وفقا لبيانات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، هذا بالإضافة إلى أن الإمارات مصنفة الأولى إقليميا في سهولة ممارسة الأعمال، وخلال العام الماضي حلت في المرتبة الـ12 عالميا ضمن قائمة أفضل الدول لاستضافة مقرات الشركات، وفقا لتصنيف موقع أنسايدر مونكي. 

ميزة أخرى، تجعل الإمارات أكثر جذبا للشركات الأجنبية عموما هي احتضانها لنحو 47 منطقة اقتصادية خاصة، بتفوق واضح عن المملكة التي لديها 5 مناطق فقط، لا تزال تحت التطوير، وهذه المناطق هي مناطق تتمتع بمجموعة من الحوافز التنظيمية والضريبية والجمركية، بغرض تشجيع التجارة الحرة وجذب الاستثمار الأجنبي.

search