الإثنين، 25 نوفمبر 2024

06:09 ص

إسلام أبو النجا

إسلام أبو النجا

A A

مشهد خروج نهائي.. قصة قصيرة طبق الأصل

شمس الظهيرة تقتل الرياح فى صيف مدينة الرياض، رغم جمالها، وتفوح من الهواء رائحة البنزين ممزوجة بالأسفلت، شاب مصري فى طريقه لإنجاز معاملة روتينية  ، يتصبب عرقآ ، جبهته الصلعاء زادت بريقا وصارت مثل مرآه عاكسة للشمس. 
عيناه زائغتان تبحثان عن نقطة ماء. ولسانه يلعق الحلق ليخفف عن جوفه الجفاف. السيارات من حوله مسرعة في كل الاتجاهات. فوضى عارمة داخل نظام محكم بالطرق والكباري، المباني الزجاجية تعكس كل شيء، حتى جبهته التي تعكس الشمس، يمشي وحيدآ على الرصيف، مثل كل الناس الذين يمشون على الرصيف هنا، يبدو ضئيلآ وسط الطرق والعمارات الشاهقة. 


يشغل مخيلته لعب الكرة في ملعب قريتهم الواسع، المحاط بأشجار الصفصاف من ثلاث جهات، والجهة الرابعة كانت ترعة، سموها ترعة الملعب، وسموا الملعب ملعب الترعه، يتذكر هذه التسمية فيبتسم، وتظهر أسنانه ويواريها، كطفل يشعر بالكسوف، رغم أن أحدًا لا يراه، فالناس لا ترى بعضها هنا، يخطو بسرعة ورشاقة على أطراف قدمه من لهيب الشمس، شاهد انعكاسه فى الزجاج، يبدو كراقص باليه مع الحذاء الأبيض الجديد الذي أشتراه من عروض التخفيضات.

يخترق المشهد بائع لزجاجات الماء الباردة، فوق دراجة هوائية، حاملآ أمامه صندوق بلاستيكي مليء بالثلج، يحفظه تحت مظلة سوداء مهترئة، مرقعة ببقايا عبايات نسائية. 
اندفع إلى بائع الماء دون انتباه من شدة العطش سيارة حمراء مجنونة تصرخ خارجة عن السيطرة، يطير مرتفعآ دون ردة فعل ثم يتهاوى ساقطآ على الأرض بعد دوي صوت الصدمة.


رأسه يرتطم بالرصيف، ويطير من يده ملف أبيض بنفس لون الحذاء، تتناثر منه أوراق كثيره تملأ الفراغ من حوله، وهو مستلقٍ على الأرض، ناظرآ إلى السماء، وذراعاه مفرودان على جانبيه، ببطىء شديد يتحسس فى جيبه الخلفي جواز السفر. تمر حياته ومضات سريعة كفيلم سينمائي دون ترتيب، يرى نفسه يوم الزفاف وعروسه ترقص بالفستان الأبيض، ثم وهو يسبح فى البحر، يتذكر شكل الماء عندما غطس تحت الأمواج، ويختلط الملح فى فمه، أهو البحر أم العرق المتساقط من جبهته، ملح العرق تحول لطعم الدم، ودون اختيار، يأتيه مشهد تسجيله هدف نهائي دورى الجامعات، وهو يجري في احتفال  وجميع الفريق يجري خلفه من الفرح، ويصرخون، شعر بحشرجة  وألم شديد فى التنفس، أحس أن وعيه يتلاشي، وروحه تنفصل عن الجسد ، ودق خاطره سؤال مهم، هل من الضروري ختم الخروج النهائي على جواز السفر بعد الوفاة ؟!  أم يكتفى بالكفن، هكذا قرأ السؤال ذات مرة في جريدة الوطن.

search