الثلاثاء، 17 سبتمبر 2024

11:02 ص

معجب بهتلر.. مؤسس الألعاب الأولمبية الحديثة بين الإبداع والرجعية

 البارون الفرنسي بيار دو كوبرتان

البارون الفرنسي بيار دو كوبرتان

تيمور السيد

A A

تُعتبر الألعاب الأولمبية واحدة من أرقى التقاليد الرياضية في العالم، حيث تجمع بين الثقافات والشعوب تحت شعار "أسرع، أعلى، أقوى". 

لكن خلف هذا الشعار العظيم يقف شخصية مثيرة للجدل، وهو البارون الفرنسي بيار دو كوبرتان، الذي يُعتبر مؤسس الألعاب الأولمبية الحديثة.

ساهم دو كوبرتان في إحياء هذه الفعالية التاريخية، لكنه ترك وراءه إرثًا معقدًا يتناول قضايا متعددة، من حقوق المرأة إلى العرق والسياسة.

بداية الفكرة

في 23 أكتوبر 1894، اجتمع عدد من الشخصيات الرياضية في جامعة السوربون بباريس، حيث أطلق دو كوبرتان فكرة إعادة إحياء الألعاب الأولمبية القديمة التي أُلغيت في نهاية القرن الرابع الميلادي. 

كانت أول دورة أولمبية حديثة قد أُقيمت في مدينة أثينا عام 1896، حيث تم دمج بعض الرياضات الحديثة، ورغم رغبة اليونانيين في الاحتفاظ بالألعاب في بلادهم، نجح دو كوبرتان في فرض فكرة نقل الألعاب من بلد إلى آخر، مما أضفى على الأولمبياد طابعًا عالميًا.

السلام هو نجاح الفكرة

لقد ارتبط دو كوبرتان بالأفكار الإنسانية والسلام، محاولًا ربط الألعاب الأولمبية بحركة دولية من أجل السلام، حيث وضع قيمًا مثل الاحترام والولاء والعالمية، وهي قيم مستمدة جزئيًا من الأرستقراطية التي نشأ فيها، ومع ذلك، فإن إرثه لم يكن خاليًا من التناقضات. 

فقد بدأ اهتمامه بالرياضة في سن مبكرة من خلال حملة رياضية في المدارس، مستلهمًا من النموذج الإنجليزي، ولكنه واجه صعوبة في تحقيق أهدافه في فرنسا، حيث كانت الأنشطة البدنية تُعتبر غير مهمة من قبل النخبة المثقفة.

جسد في سويسرا وقلب في اليونان

ورغم تنظيم باريس للألعاب الأولمبية في عام 1900، إلا أن تلك الدورة لم تحظَ بالاهتمام المطلوب. وعند وفاته في ديسمبر1937، ترك وصية مثيرة للدهشة، حيث طلب أن يُدفن جسده في لوزان بسويسرا، بينما يُنقل قلبه إلى أولمبيا، موقع الألعاب القديمة، ليكون نصبًا تذكاريًا لعشاق الأولمبياد.

ومع عودة الألعاب الأولمبية إلى باريس في عام 2024، تم إدخال تمثال دو كوبرتان الشمعي إلى متحف غريفين، لكن حفيدته، ديان دو نافاسيل، انتقدت اللجنة المنظمة، مشيرة إلى أنها لم تفعل الكثير لتعزيز مكانته أو تعريف الناس به. 

هل كان رجعيا؟

بحسب المؤرخ الرياضي باتريك كلاستر، لم يكن دو كوبرتان "سابقًا لعصره"، بل كان يُظهر بعض المواقف الرجعية، فقد عُرف بموقفه السلبي تجاه مشاركة النساء في الألعاب الأولمبية، حيث صرح بأن "الألعاب الأولمبية يجب أن تُخصص حصريًا للرجال"، مقترحًا إقامة “أولمبياد صغير للسيدات بجانب الأولمبياد الكبير للرجال”، وفقا لفرانس 24.

معجب بهتلر

أما عن موقفه من الأنظمة السياسية، فقد أثار حديثه عن "الأعراق الأدنى" وإعجابه بتنظيم أدولف هتلر للألعاب الأولمبية في برلين عام 1936 جدلاً واسعًا. 

في ذلك الوقت، كان دو كوبرتان رئيسًا فخريًا للجنة الأولمبية الدولية، وعندما سُئل عن تلك الألعاب، أجاب متسائلاً: "كيف تريدونني أن أتبرأ من هذا الاحتفال؟".

وقد اعتبر كاتب سيرته، دانيال بيرمون، أن دو كوبرتان توفي "في وقت مبكر جداً ليكون جزءًا من الخزي، ولكن متأخراً جداً ليُعفى من التواطؤ الشديد".

شخصية معقدة

رغم محاولات النظام النازي استمالته، بما في ذلك ترشيحه لجائزة نوبل للسلام، فقد رفض دو كوبرتان عروضهم، مما يدل على تعقيد شخصيته ومواقفه.

في الختام، يبقى إرث بيار دو كوبرتان محاطًا بالتناقضات، حيث يتداخل فيه الإبداع والتحديات الاجتماعية والسياسية. 

تتطلب دراسة شخصيته فهمًا عميقًا لزمنه وقيمه، مما يجعل من الصعب تصنيفه بشكل قاطع. 

search